أسود II |إكتشاف المجهول ☔︎ ✓

الجُزء الخامِس والعُشرين|رَجُل ضَبابيّ

الجُزء الخامِس والعُشرين| " إِذا هَجَرتَ فَمَن لي؟
‏ وَمَن يُجَمِّلُ كُلّي؟
‏وَمَن لِروحي وَراحي
‏يا أَكثَري وَأَقَلّي
‏أَحَبَّكَ البَعضُ مِنّي
‏فقَد ذَهَبتَ بِكُلّي
‏يا كُلَّ كُلّي فَكُن لي
‏إِن لَم تَكُن لي فَمَن لي؟.."
* * *

إن القوّة التي أنا عَليها تَجعلَني أشعُر بِالوِحدَة الشَديدَة، لا استَطيع حَتى البُكاء أمام أحدَهُم، وأتكِئ على كَتِفَهُ، هٰذا الثَبات الزائِف الذي يَجعل مَن حولي يَستَنِدوا عَليّ، لِماذا لازِلت أُمثِّلَهُ!، اللعنَة على كُل هٰذا الرماد المُتراكِم في داخِلي، اللعنَة على كُل لَحظَة كان عليّ فيها أن أصرُخ وإبتَلَعت صَوتي، على هُدوئي الذي أُخفي بِه الضَجيج المُرهِق في داخِلي، اللعنَة على عائِلتي، على وَطني، على هويّتي وذاكِرَتي، لَيتَني أهرُب مِن كُل هٰذا، أن أفقِد ذاكِرَتي المُتعَبَة مِن حمل كُل هٰذا الكَم مِن القَهر، اللعنَة على كُل من لا يهتَم ولا يرى كُل هٰذا الدَمار داخِلي، أنا لست إلّا بَقايا إنسان، يتمنّى النِسيان، نِسيان ما تبقّى مِنه، لَم أعُد أُريد الكِتابَة بَعد الآن، فَهي تُبقيني على قيد أوجاعي، أذكُرَها، أكتُبها بِخطٍ مُنمّق، أُزخرِفَها وأُعيد صياغَتها مِن جَديد، لَم أعُد أرى أن الكِتابَة دواء لي!، بل إنّها مَصدر عِلّتي، مَصدَر لَعنَتي، أُريد أن أتحرر مِنها، أُريد أن أتقيّد بِروح أُخرى، ولِهٰذا سيكون هٰذا كِتابي الأخير..

لَقد نَفذت مِني ذَخيرَة الكَلِمات يا لَيلَكيّة
أهُناك مَن يَلومَني!، لَقد فَشِلت مُجددًا، أنا خاسِر، حتى إيّاكِ!، لا أستطيع الحُصول على شَيء، رُبما لِأني لا أعرِف ما أُريد!، عَكسَكِ أنتِ، ولٰكِنّي مؤمِن أنني أردتكِ بِإخلاص، أردت وجودَكِ في قلبي أردتَكِ في عُتمَتي، أردتُكِ أكثر مِما تمنّيت أن أُعيد نَفسي لِنَفسي، تَعلَمين كَيف تُحرَق الروح حينَما يتخلّى المرء عمّن يَعشق فقط، فقط لِسبيل سعادَتَهُ، أردتكِ سعيدَة، حتى وإن كان هٰذا يعني أن تكوني بَعيدَة، تمنّيت أن أكون أناني بِشكلٍ كافٍ، كي أُبقيكِ بِجانِبي رُغم كُل شَيء، ولٰكِن كُلّما غَرِق المرء في العِشق بِإخلاص، كُلّما تخلّى عن أنانيتَهُ شيء فَشيء، ليُضحي بِكُل شيء في سبيل من يُحِب، ولٰكِني لَم أُحِبّكِ كما يفعل الآخرين اليوم، كُنتِ وكأنّكِ مِنّي، وعليّ حِمايتَكِ بِكُل ما أملِك مِن قوّة قلبيّة، أتعلَمين!، لازِلت أتنفس إلى هٰذِه اللحظَة فَقط، كي أكتُبكِ وأرسُمكِ، رُبما بَعد هٰذا أرتَمي في موت سَرمدي..

حَبيبَتي زَهرَة البنفسج الخاصّة بي
يروق لي كَيف تشتَعلين بين يداي، وكأن مُرور أصابِعي على روحُكِ يُعيد لَكِ الحياة، كما تَفعل بي أنامِلكِ، عيناكِ وكَلِماتَكِ، أعشَق كُل هٰذا الحريق الذي يُصيب أفكاري السوداء بِجانِبكِ، مَعكِ أنا طِفل لا يملِك ماضٍ مَرير، لا يَملِك شيء سِوى قَلب لا يعرِف الألَم، جِئتِ أنتِ فَتلوّن العالَم، غدا لِلشَجر صَوت، لِلمَطر طَعم خاص، لِلموسيقى رائِحَة، ولِلرياح نَغمَة عذبة، الدِفئ الذي في نَظرَتكِ سَلب قَلبي البارِد، لديكِ كُل ما يَجعل مِني خاضِع تحت سِحرَكِ، مسلوب الإرادَة، وسعيد بِهٰذا الخضوع، لا أُريد أكثر مِن وجودَكِ الأبدي بِجانِبي، حتى وإن كان هٰذا أكَثر فِعل مَجنون في تاريخ البشريّة، أنتِ هي تاريخي، كُل معارِكي وإنتِصاراتي، كُل غزواتي المُهلِكَة، أنا من تَصنعيه بِعِشقكِ، أنا الرجُل الذي أصبَح ما هو عليهِ مِن جُنون على يداكِ، أيتُها الجميلَة التي تأخُذيني مِني بِبراعَة، على هٰذا العالَم أن يُمجِّد قلبكِ الذي تجرّأ ليكون لِرجُل مِثلي، بِإسراف وإنِدفاع، دون تأنّي، ودون الهَرب مِن كُل هٰذِه السوداويّة المفرطة، أُقدِّم لَكِ خالِص إعتِذاراتي وعِشقي مَع إقتِراب كَلِماتي الأخيرَة لَكِ..