الفصل العشرون

84 5 0
                                    

رفعت حقيبتها ورداءها الأسود ، وتحركت وسط الواقفين ، بعدما شكرتها السيدة بحرارة وبكاء سعيد ، بعدما تحررت من أسر هذا الحقير ...

خرجت " جيهان " تستنشق رائحة الهواء الممطر وهي تلف حول نفسها معطفها الكبير ، وصلت لسيارتها ، استقلتها بخفة وهي تشعر بلذة انتصار تخالجها كلما خرجت منتصرة من إحدى معاركها القانونية  ....

دلفت إلي منزلها الصغير ، تحمل بقلبها هم العالم ، وضعت الحقيبة الجلدية الكبيرة ، وتهاوت بتعب علي أول مقعد قابلها ، أمسكت بالهاتف وملامحها ترتخي بابتسامة صفراء خبيثة ، والتي سرعان ما أتسعت في شماتة وهي تري محاولاته العديدة في الاتصال بها والتي ولا للعجب تخطت المائتي محاولة  ! ...

افلتت رباط شعرها المموج ، وهي تلقي بالهاتف بجوارها ثم اخذت في فك ازرار سترتها السوداء ، وهي تحرك رأسها بتعب يميناً ويساراً ، هكذا كانت  دوماً " جيهان " دؤوبة في عملها مهما كان صغره ، تمنح وقتها وجهدها كاملاً في انصاف الحق ولاسيما المرأة ، فكلما وقفت أمامها سيدة تستنجد بها ، رأت بها الجرح القديم ، فلا تنفك حتي تحررها ويكفيها هي لذة الانتصار التي تغمرها عقب سماعها بحكم العدالة لصالحها ، تشعر في كل مرة أنها فرصة جديدة ، فرصة جديدة لتنتقم ببراعة أكثر وكأن الأيام تتفنن في تلقينها أصعب وأمهر الدروس حتي تجتاز أول قضية تقابلها بعدها فلا تخرج منها إلا منتصرة وهذه ليست أبداً بصدفة !

ألقت بالسترة الجلدية الثقيلة بعيداً وهي تتحرك باتجاه الشرفة التي تخرج منها أصوات ألحان جميلة كما تسميها هي ، حبات المطر وهي تُقذف علي الأسطح الزجاجية لمبنى شقتها ، وقفت تنظر لجمال المشهد الساحر ، فحركت قدميها بخطوات راقصة وهي تدندن إحدي أغانيها الفيروزية المفضلة ، وأخذت تتحرك ببطء وتناغم مُتقن ، وصوتها يتداخل مع أصوات الامطار العالية التي اخذت تتزايد بغزارة مُحدثة ضجيج مخيف إلي حد ما ...

تناست ما حولها ، وكأنها هاجرت إلي كوكب أخر ، أكثر بهجة وعفوية تناسب حاجة  قلبها الشبه مُحطم ، ضحكت بسعادة وهي تدور علي وقع صوتها مع صوت المطر الحميم ، لكنها توقفت فجأة  .........

***

توقفت فجأة عن التقاط أنفاسها ، وهي تهبط لأسفل ، وكلما نظرت حولها تريد الصراخ ، تهاوت قدمها لأسفل أكثر ، البر بعيد جداً ، لا تبصر سوي ظلام دامس يلقي بها لما هو أظلم بكثير ، قواعد حجرية ثقيلة أُلقيت فوق رأسها أغلقت المخرج الوحيد ، تتنفس بأصوات خشنة مجنونة ، وعقلها يصوّر لها كل سيء ، فلا تجد نفسها سوي بالأسوأ ..

نظرت " صبا " حولها والفزع يأكل بها بضراوة كالنار بالهشيم ، عقلها توقف تماماً عن الاستيعاب ، وهناك دقات تتعالي بالداخل صداها يميزه الأصم ....

شهقت بصوت حاد وهي تحاول الصراخ بلا صوت ، تعالي صراخها بشدة ، مبدد معه ذاك الظلام الأخرس  ......

رواية قشر البندق كاملة الجزئين _ إسراء رضا Where stories live. Discover now