الفصل السابع عشر

109K 2K 51
                                    

رفع رأسه عنها ببطء ..... وقد توقفت أنفاسه بعد أن كانت تتصارع منذ لحظة فوق بشرتها الحريرية .مد يديه الاثنتين ليستند عليهما على الوسادة من جانبي وجهها و قد اصبح وجهه فوق وجهها ينظر اليها ......بلا أى تعبير , و كأنه لم يسمع اعترافها منذ لحظة ......
ظلت مستلقية على ظهرها تنظر لعينيه المشرفتين عليها ......و قد تسمر كلاهما كتمثالين حجريين ....أو متصارعين يلعبان لعبة التحدي بالنظرات ........
قام فجأة ليجلس على الفراش ثم سحبها بوحشية من ذراعيها لتجلس أمامه هى الأخرى .......اخذت تنظر اليه وقد علت شبه ابتسامة مستفزة على زاوية شفتيها , و ارتفع حاجبها الايسر باستهتار أمام عينيه الجائعتين اللتين تحاولان التركيز على عينيها دون جدوى , ليعودا و يضيع منهما الطريق ........
ازداد الاستهزاء فى عينيها الوقحتين وهى تراه يحاول استعادة سيطرته ليركز على الاعتراف الاجرامي الذى طلبه ......... وقد حصل عليه .........
استطاع اخيرا النظر الى عمق عينيها ...... وما ان شاهد نظرة الاستهزاء و الابتسامة الساخرة حتى اشتعلت عيناه بنيران الحقد الدفين و لمعتا بالغضب الاسود فمد يده ليقبض على خصلة من مؤخرة راسها و يجذبها بقسوة الى الخلف لترجع راسها ....... اغمضت عينيها من شدة الألم , لكنها لم تنطق بحرف ....... ان كان يظنها ستستجدي منه الرحمة فهو اذن واهم .........
( أعيدي ما قلتِه ........)
ضربتها كلمتة المتوحشة وصدمتها بالكره الذى غلف كل حرف منها , لكنها سيطرت على الشعور المؤلم الذى طعن قلبها و قالت ببرود جليدي وهى لا تزال مغمضة عينيها راسمة نفس الابتسامة التى
( لقد سمعت ما قلته جيدا ..........)
مد يده الحديدية ليقبض على فكها ويهزه بعنف وهو يهدر
( افتحي عينيكِ .........)
فتحت عينيها ببرود لتنظر لعمق عينيه وهى تحضر نفسها لرؤية حقده عليها والذى ما ان رأته حتى عضت باطن خدها دون ان يلاحظ هو سوى البرود المسيطر عليها .........
نظر اليها بازدراء مخفي داخل التوحش المندفع من عينيه ........اخذت حدقتاه تتحركان عى وجهها و كأنه يستشف الجواب من ملامحها الضعيفة بعد ان يئس من قراءة عينيها الباردتين القاسيتين ........ولم تفهم هى ماذا ينتظر قبل ان يبدأ تعذيبه لها , كانت تظن انها ما ان تلقي اعترافها اليه حتى يسارع الى رميها الى الجحيم , لكن ما لا تفهمه هو سبب لمحة التردد التى ظهرت حاليا لعينيها ........ألم يصدقها ؟........مستعدة ان تهبه روحها ان اخبرها الآن انه لا يصدقها ............
( أمتِعيني بكل التفاصيل القذرة ................)
غار قلبها و عاد ليندلع بنيران القهر.............القهر من ذلك المتوحش الذى خدعها برقته يوما .........ليذيقها ليلة من السحر المجنون و يشعرها بما لم تشعره مع غيره أبدا ...... علمها ما لم تعلمه من كل حياتها التى عاشتها لتعبث بقلوبِ العابثين ليخروا تحت قدميها طالبين الرضا من صاحبة السحرالأسود ........ والتى كانت تركل قلوبهم دون أى شعور بالندم ..........
و الآن جاء دورها .........لتشعر ببعضٍ مما اذاقته لعبيدها ......كيف سقطت له بهذه السهولة والغباء , كيف انخدعت بعاطفةٍ كاذبة أطلت من عينيه ..... حتى وان لم تكن حبا و كانت مجرد رغبًة وجنونا ,لكنها كانت تعتقده قد تقيد بها بسلاسل سحرها التى لم تخيبُ هدفا ابدا ........لينجح هو في تكبيلها بسلاسلها ..........
عاد ليرعد فيها بوحشية وهو يهز فكها اكثر حتى كاد ان يخلعه من وجهها ( انطقي ايتها ال........انطقي سابين وارحمي نفسك من غضبي ......... منذ متى قررتما تصفية حسابات الماضي لتكون دارين هى الضحية بينكما ......)
اغتاظت من لفظة ضحية ...... هل هو من السذاجة ليعتقد ان تحرُر دارين من زواجٍ برجلٍ مثل مازن مهران يجعل منها ضحية .........
ذلك الوغد الحقير الذى كان لا يتورع عن وصفها بأقذع الالفاظ أمامها ....حتى تصورت أنه متزوج من انسانة لا يتحملها بشر ,لكن تصرفه الأخير جعلها تدرك كم هو حقير ...... و الكلام الفاسق الذى تعمد ايصاله لأحمد عن مدى تطور العلاقة بينهما جعلها تتأكد ان اى شيء مما قاله سابقا هو كذب حقير لمجرد ان يحصل على تعاطفها و بالتالى يحصل عليها فى نهاية الأمر ...... ولو بأى طريقة , بزواج او بغيره .........ولو كان هذا الغبي الجالس أمامها الآن يحاسبها على ضياع مازن مهران من شقيقته , سمع كلامه عن دارين لكان قتله بيديه ..........بدلا من ان يعذبها هي تحت ادعاء ...... تطهيرها ...... المنافق ......المجنون .......
لم يظهر على ملامحها الرخامية الناصعة أيا من العذاب العاصف الذى يهيج بداخلها فى هذه اللحظة .......و ظلت تنظر اليه بمنتهى البرود ثم قالت اخيرا بصوتٍ قد يجمد اى رجل ......غير احمد مهران
( بماذا تهمك التفاصيل ؟......أردت اعترافا و قد حصلت عليه )
ثم نظرت اليه نظرة الهبت كيانه وهى تضيف بفحيح ( و أنا كلي شوق لأرى خطواتك الفذة لتطهيري من جرائمي ........)
تركت يده فكها الذى كان لا يزال ممسكا به الا إنه عبس قليلا حين شاهد أصابعه منطبعة بعلاماتٍ حمراء على خدها دون ان تظهر له انها كانت تتألم .......لكنه قال بقسوة متعمدة
( ليس الأمر بمثل هذه السهولة ........ ليس قبل ان أعرف .....كيف ..... ومنذ متى .......)
نظرت اليه وهى تبادله القساوة بقساوة اشد و اعلى وقالت وهى تشدد على كل حرف ليصله جيدا
( كيف ؟...... انت تعرف خطوات الخطة جيدا و التى انتهت بتدمير زواج دارين .... حتى وان كنت تتوهم بأنك أنقذت زواجها بزواجك مني !!.......لكنى فى الحقيقة سأظل بينهما طوال العمر , لن يتمكن مازن من نسياني أبدا .........فقد عمِلت على ضمان ذلك جيدا ....
أما منذ متى ؟؟؟........ فذلك أنت تعرفه جيدا ....منذ ان جعلت أمك والدي يترك زوجته و بناته ليرتمي في أحضانها ...........)
لم تكد تمر لحظة منذ ان نطقت الحرف الاخير في كلامها البشع حتى شعرت بلسعة شديدة فى خدها بعد ان ارتفعت يده عاليا لتهبط مرتطمة بوجهها , في صفعةٍ قوية القت بها على الوسائد خلفها ............
رفعت يدها ببطء لتتلمس اثار صفعته على وجهها و التى يبدو و كأنها انطبعت على قلبها ....هل هذا هو شهر عسلها ؟ .......... هل تلك هي الايام التى اخذت تعد اللحظات قبلها لتصل اليها ؟................. غامت عيناها وهى تنظر اليه بشرود دون ان تذرف دمعة واحدة .........
قام من مكانه بعنفٍ وهو يغرز أصابع يديه بخصلات شعره وهو يغمض عيناه هامسا
(يا الهي .......)
ظلت تنظر الى الصراع الذى يعانيه ..... جانبا منها يتلذذ بمعانته و كرهه لذاته لأنها تمكنت من إيصاله لذلك المستوى الذى بالتأكيد لم يصله مع غيرها أبدا .........
لكن جانبا آخر منها ...... مخفي عميقا بداخلها , كان يحثها لتنهض و تضربه و تصرخ بوجهه الا يصدقها ...... الغبي الذى لم يحركه نحوها الا انتقاما طويلا عمره من عمرهما معا , ولا ذنب لهما به ...........
فتح عينيه بصعوبة لينظر اليها بأسى طويلا الى ان قال اخيرا بصوتٍ متعب
(اياكِ ان تدخلى أمي فى الحربِ بيننا سابين ........و قتها لن اضمن ردة فعلى تماما كما فعلت الآن )
همست وهى تنظر اليه بحقدٍ دفين
(انت الذى طلبت ادخالها .......انت من أحضرتني الى هنا .....الى صندوق ذكرياتها مع ابي )
استقامت و نهضت من الفراش لتندفع اليه وتواجهه وهى تكمل بشراسة
(لم تفكر الا بانتقامك انت ...... ليس لدارين فقط بل لتكن صادقا مع نفسك يا احمد بل انت تريد الانتقام مني بسبب الماضي الذى لم تستطع غفرانه او التعامل معه ...........فكان زواج دارين المهدد هو فرصتك الذهبية لتنتقم من ذلك الرجل الذى أسر قلب أمك الى الآن .....حتى وان كان ميتا فابنته موجودة لتنتقم منها .......اليس كذلك ؟......لم تفكر الا في غضبك أنت من الماضي ....... لم تفكر أنك لم تخسر شيئا حقا ......لم تفكر فى أنا ......أنا يا احمد ..... أنا من تركني والدي ...... أنا و إخواتي ......نحن من فقدنا والدنا ...... بسبب حبه الذى لم يستطع التغلب عليه ابدا ........سما التى كنت تساعدها فى الخارج بمنتهى الشهامة , تركها والدها وهى لا تزال رضيعة.... لم تعرفه ابدا ..... بسبب حبه .....بسبب تلك العاطفة الأنانية المسماة حبا ......و أنا .... أنا اتذكره جيدا , أتذكر ابتسامته , أتذكر حنانه علي أنا وإخوتي.......لكن أتذكر أيضا اننى رأيته يصفع امي ذات مرة ...... تماما كما فعلت أنت الآن .......لم تفكر بكل ذلك حين أحضرتني الى هنا بالذات ..... الى المكان الذى تعمدت ان أجد فيه تلك الذكريات عن ذلك الحب البائس الذى عرفت الآن أنه السبب في ترك والدى لنا ........سنواتٍ وسنوات و أنا اسأل نفسي عن سبب اختفائه من حياتنا ........عما ارتكبناه من خطأ ليتركنا ....... اتذكر آخر مرة رأيته بها ....... حين قبل وجنتي وهو يقول لي انه آسف و ان لا خيار له سوى ذلك ....... ولم أفهم وقتها قصده... لم أعرف سوى أننى لم أره ثانية ....و الآن ......الآن فقط عرفت .....قرأت رسائله لها ..... رأيت صوره معها .......و عرفت لِما تركنا ....من أجلها ..... من أجلها هى .....)
كانت آخر كلماتها خرجت من شفتيها همسا حزينا مقهورا و قد أغمضت عينيها ........ و استدارت و هى غير قادرة على النظر اليه فى تلك اللحظة .......
أخذ ينظر اليها بعد انفجارها منذ لحظات وهو مشدوها مما سمعه ..... لقد قلبت كل الحقائق ......لقد قلبت كل زوايا الأمور بداخله .....لم يكن ينظر الى سابين التى عرفها من قبل ....... لم يعرف من هى تلك الطفلة الواقفة أمامه الآن بعد ان ضاع منها والدها .....
تمنى فى هذه اللحظة ان يأخذها بين ذراعيه لينسى أمه و والدها ....لينسى دارين وذلك الحقير مازن ......لينسى ايثار بكل الآلام التى سببتها لعائلته ........لكن ليس بعد ..... لازال هناك الكثير بينهما .......لازال يبعده عنها الكثير و الكثير .........
همس لها ( سابين .......)
التفتت له بشراسة حين سمعت همسه باسمها و نظرت اليه نظرة أوقفته عن التحرك اليها ......ثم قالت له بكرهٍ لا حدود له
( لن أسامحك ابدا يا احمد مهران ........تذكر هذا حين تأتى الي تستجدي السماح .....و ستفعل...... وعدا مني ستفعل .......حينها تذكر اننى لن أسامحك ابدا ........)
تجمد فى مكانه و ملامحه لا تعبر عن اى شيء ........ثم عادت القسوة لتغلف نظرته وهو يقول بصوتٍ منخفض
( لن يأتى هذا اليوم أبدا سابين ..........فلا تنتظريه ........يا زوجتى )
انحنى ليلتقط كنزته وقميصه ثم اندفع مغادرا الغرفة صافقا الباب خلفه بكل عنف .................
نزل درجات السلم و شياطين الغضب تطارده ........... الغضب من الجميع , و الغضب من نفسه قبلهم جميعا .........
و عبارتها تتردد فى ذهنه ........... (الآن فقط عرفت .....قرأت رسائله لها ..... رأيت صوره معها .......و عرفت لِما تركنا )
لم تكن تعرف ...... لم تكن تعرف ما حدث بالماضى ....... لم تعرف الا الآن ....... أى انه لم يكن هناك انتقامٍ من امه بسبب الماضي
........
أخذ يخاطب نفسه بغضب ........ها قد حصلت على أول اجابة ......ولا تزال بقية الأجوبة التى يريدها و سيحصل عليها ......
كان قد وصل الى سيارته و هو ينهي ارتداء كنزته بعنف .......ثم حثه شيئا ما لرفع رأسه الى نافذتها ........ليراها تراقبه منها بملامحٍ استطاع ان يرى بها الشر الاسود .... وما ان التقت نظراتهما حتى شدت الستائر لتغلقها بعنف و هى تبتعد عن النافذة........
هدرت أنفاسه بغضب وهو يتذكر اعترافها الغبي الزائف ..........
لماذا تفعلين ذلك .......لماذا تصرين على إخراج اسوأ ما فيكي.............
وعاد اليه صوتها الذى خرج من عمق روحها و هى تقول بكل ثقة ( تذكر اننى لن أسامحك أبدا ........)
سنرى هذا فى وقته يا سابين ....سنرى ........وحين شعر أنه على وشكِ الانفجار دخل الى سيارته و انطلق بها , يكاد لا يرى ما أمامه من شدة الجنون الذى يشعر به فى هذه اللحظة .......
.................................................. .................................................. .................................................
استيقظت سما صباحا من نومها الحالم على أصواتٍ مرتبكة آتية من المطبخ , و حين انتبهت و تيقظت تماما كانت نهاية هذة الاصوات هو صوت تحطم عالى أفزعها ........ نظرت بجانبها فذعرت حين وعت الى الفراغ الذى كان يحتله منذ ساعات .......فشهقت وهى تهمس ( فارس ......)
اندفعت لتنهض من الفراش بسرعة .... واخذت القميص الملقى باهمال على حافة الفراش لترتديه وهى تغلق ازراره باصابع مرتجفة اثناء جريها باتجاه المطبخ ...... و ما ان وصلت الى بابه حتى فوجئت بالمنظرالماثل أمامها .......
فعلى أرض المطبخ كان فارس جاثيا على ركبتيه و هو يشتم هامسا بينما أخذت يداه تحاولان تلمس الاشياء المرمية امامه و من بينها العديد من القطع المكسورة ........
أمعنت سما النظر الى هذه الاشياء ففوجئت بوجود صينية كبيرة ملقاة على الارض ..... و بجوارها تناثرت العديد من قطع التوست المسخن.....بالاضافة الى كأسٍ محطمة تماما و تحتها العصير المسكوب منها ...... وبعض قطع الحلوى المتناثرة كذلك ......وفى وسط هذه الاشياء استقرت وردة حمراء كبيرة تعرفها تماما كانت قد ذكرت لفارس مدى جمالها و هى مزروعة بالقرب من باب البيت .....
أمالت سما برأسها لتستند الى إطار الباب دون ان تصدر صوتا و هى تضع يدها على قلبها الذى يخفق بكل معاني العشق الموجودة فى هذا العالم ........
يالهى .....هذا الأسد الاعمى كان يحضر لها الفطور ......لقد جهز كل شىء بمنتهى المهارة ......حتى الوردة لم ينساها .......
دمعت عيناها وهى تشعر بغصةٍ فى حلقها .......لكم تتألم من أجله ......ولكم تحبه ...بل ان كلمة الحب تبدو بسيطة جدا بالنسبة الى ما تشعر به فى هذه اللحظة ..........كانت تعلم ان هذا هو فارس الحقيقي ...... هذا هو حبيبها الذى راهنت على حبه رغم قسوته عليها ......كانت تعلم بان فارسها هو طفلها ........لم يخدعها قلبها ابدا ........انتظرته طويلا ليأتى اليها ...... حبها المستحيل .....حبها الصعب المستحيل ........
مدت يدها لتمسح دموعها بصمت ثم دخلت الى المطبخ وهى تسير حافية على الارض الناعمة الى ان وقفت بقربه .........
رفع فارس رأسه و هو عابسا ..عاقدا حاجبيه , ينظر أمامه بوحشية .......ثم همس بغضبٍ لم يستطع السيطرة عليه
( ما الذى أيقظك الآن ؟..........الا أستطيع الهروب منكِ للحظة ؟.......)
ابتلعت ريقها ثم اخذت نفسا عميقا و هى تهبط ببطء لتجلس بجواره على ركبتيها , ثم مدت يديها وهى تلتقط الاشياء المتناثرة من امامه و تضعها فى الصينية ثم اخذت تجمع القطع المكسورة ...........لكن حين حاول النهوض هتفت بصوتٍ منخفض
( انتظر لحظة يا فارس حتى لا تجرح نفسك ..............)
زفر بحنقٍ ثم عاد ليجلس هو يخفض نظراته المتألمة .......بينما أخذت تمسح الارض من العصير و القطع المكسورة .و حين انتهت عادت لتجلس بجواره ......ثم همست بدفء
( هل كان هذا الفطور لي ؟..............)
اجابها بحنق و هو يشعر بصدره يضيق
( إن لم يكن لكِ فلمن هو اذن ؟..........هل تجدين أحدا غيرنا هنا ؟...........)
عادت عيناها لتدمع مرة اخرى ...بل هى لم تجف اصلا لكنها لن تسمح له بان يلحظ بكائها ......... مدت يدها لتلمس وجهه برقة ثم أخذت تحدد معالمه بأصابعها بكل نعومة حتى شعرت بعضلاته تستريح من تشنجها ...... الى ان استسلم متنهدا وهو يستمتع بملمس أصابعها ...........حينها همست برقة
( لم يفعل أحدا هذا لى من قبل .............ماذا فعلت لأستحق كل هذه السعادة ؟.....)
مد يديه ليجذبها من خصرها و يجلسها على ركبتيه و هو يستند بظهره الى الخزانات خلفه .........ثم همس وهويداعب شعرها
( بل ما الذى لم تفعليه الى الآن .........أنتِ تستحقين ان تكوني أميرة .... لا ان تتقيدين برجلٍ أعمى لتظلي تخدميه دون مقابل )
أمسكت بوجهه بين يديها و هى تقول بغضب
( لا تقل هذا عن نفسك .........كف عن التذمر فأنت أفضل من الجميع في نظري و لن أسمح لك بقول هذا عن الرجل الذى أحب مرة أخرى ........)
ارتسمت الابتسامة على وجهه اخيرا فتنفست الصعداء و هى ترتمي بأحضانه لتنعم بدفئها ......بينما أخذ يمرر يده على ساقها الناعمة حتى وصل الى القميص فقال لها بعبث
( هل ترتدين قميصي ؟.....................)
رفعت رأسها قليلا لتنظر اليه ثم قالت بهزل رافعة حاجبها
( نعم ........ هل لديك مانع ؟....)
أجابها بشغفٍ عابث
( المانع الوحيد هو أننى لا أستطيع رؤيته عليكِ ......)
قضبت جبينها و هى تتذكر بعض المناسبات ثم قالت بجرأة و هى تبتسم
( ومنذ متى كانت تمنعك عيناك عن رؤيتي ............)
ابتسم ابتسامة مفترسة تنم عن تأييده لكلماتها ........ ............
فانتهى بهما الأمر بأن سقطت سما من على ركبتيه جالسة على الأرض الصلبة الباردة بقوة...... فضحكت بتأوه و تهتف عابسة
( فارس ............لقد آلمتنى )
الا إنه لم يهتم وهو يميل بها و قد غابت عنهما الدنيا فى عالمٍ رائع من العواطف الدافئة ................
استطاع فارس النطق اخيرا بتقطع
( هل أخبرتك سابقا كم أنتِ رائعة ؟............)
ازدادت سما اقترابا منه وهى تهمس بارتجاف
( لا بأس أن تكررها كل لحظة ............)
أخذ فارس يضحك و عاد ليقبل كل جزء من وجهها و هو يدغدغها قائلا بجموح بين كل قبلة
( أنتِ رائعة .....أنتِ رائعة .....أنتِ رائعة )
بينما كادت سما ان تختنق من شدة الضحك الى ان أحمر وجهها بشدة و أخذت تسعل و المرح يملأها
خاف فارس عليها من شدة سعالها فاكتفى بذلك وهو يضمها اليه متنهدا بسبب هذا الصباح الرائع ........
بعدها بساعة ٍ واحدة كانا يتمشيان وهو يلفها بذراعه و وجهها مستقرا على صدره ......على الشاطىء المهجور و الذى بدا ملكهما فقط ليشهد على سعادته ....وحبها .......
همست سما برقة ( لقد اشتقت لسابين جدا يا فارس .......أنا أكلمها كثيرا لكنها لا تجيبني )
قال لها فارس ضاحكا ( هذا لأنهما مشغولان ......يفعلان ما نفعله كل يوم )
أحمر وجه سما و هى تضربه فى معدته برقة ضاحكة ......ثم قالت بعد فترة
؛( أتظنها قد حصلت على سعادتها أخيرا ؟..........................)
امتنع فارس عن التعليق على سابين حتى لا يبدد النظرة الرومانسية التى تنظر بها سما الى زواج سابين بينما هومثل الجميع لا يرى سوى أنها أوقعت بأحمد مهران بكل اقتدار ......فحاول ان يغير الموضوع وهو يمد يده ليتلمس وجهها برقة ليتبين ملامحها ثم همس لها بشوق....................
( و ماذا عنكِ سما هل أنتِ سعيدة حقا ؟..........)
قبلت صدره برقة ثم همست بنبرةٍ اخبرته الكثير
( الم أخبرك ذلك للتو ..........أنا سعيدة ...سعيدة جدا لدرجة أننى بدأت أنظر للحياة بنظرة مختلفة تماما )
ابتسم فارس بمرح و هو يلاعب شعرها و يقول
( وما هى نظرتك الجديدة للحياة يا سيدة سما ؟.........)
أجابته بحماسٍ يتوهج ( أنا أفكر أن أكمل دراستي .........................)
كانت لا تزال ملصقة جانب وجهها بصدره فلم ترى وجهه الذى اختفت منه الأبتسامة ..... و النظرة المتوحشة التى علت عينيه ....
لكنها شعرت بتوقفه عن السير فجأة فرفعت وجهها اليه متسائلة.......حينها شاهدت تلك النظرة التى أخافتها و جعلتها تهمس
( فارس ...... ماذا حدث ؟)
خفت قليلا تلك النظرة بعينيه .....ثم قال بهدوءٍ قدر الإمكان
( ما الذى جعلك تفكرين بالدراسة الآن .......بعد كل هذه السنوات ؟..)
شعرت سما بالتوجس من نبرته الهادئة و غضبت من نفسها بشدة لأنها القت اليه اقتراحها مرة واحدة دون ان تمهد له الطريق أولا.......كانت تشك فى موافقته و قررت ان تنتظر الوقت المناسب الا ان روعة هذا الصباح جرفتها ........لتجعلها ترغب في ان يشاركها حماسها ..........لكنها الآن تستطيع رؤية انها افسدت الأمر تماما ........
همست اليه وهى ترفع يدها لتلامس صدره
( لم يكن هناك مجالا من قبل .........أما الآن فأنا اشعر بأننى قادرة على النجاح و تعويض ما فاتني .........هل تمانع يا فارس )
قال بنفس النبرة الهادئة
( وماذا كانت دراستك ؟.............)
اجابته مندهشة و مصدومة من عدم معرفته الى الآن ...............
( كنت أدرس الطب ........ فالواقع لم أدرس سوى سنة واحدة فقط ثم تزوجت بعدها .......)
ارتفع حاجباه بصدمة وهو يهمس ( الطب ؟؟......هل تردين ان تصبحي طبيبة ؟......)
ظلت سما تنظر اليه بوجوم وهى غير قادرة على قراءة أفكاره ........يا الهى ما اكثر ما يجهله عنها ......لم يفكر ان يسألها مرة واحدة عن دراستها التى اختطفها منها بعد ان كانت تحلم باليوم الذى ستصبح فيه طبيبة .......الا ان حبها لفارس أوقف كل مشاريع حياتها و كل أحلامها عن المستقبل .....ليصبح كسب حبه هو حلمها الوحيد .........
أبعدت تلك الأفكار السلبية عن رأسها ...........و هى تحاول أن تنقل حماسها اليه قائلة
؛( نعم ...... نعم يا فارس ,كان ذلك حلمى الوحيد قبل ان ألقاك ..........و الآن أتمنى ان احققه )
ظل ينظر امامه و هو يخفي ما يشعر به تماما ........فهمست مرة أخرى
( فارس .............)
رفع يده فجأة ليوقفها عن الكلام باشارة منه ثم قال بحزمٍ لا يقبل المناقشة
( سما ......انسي هذا الموضوع تماما ,فانا لن أقبل ان تعملي أصلا ,فلما تتعبين نفسك بالدراسة ؟)
شعرت فى لحظةٍ واحدة بتكسر كل أحلامها على صخور قلبه القاسي ......و امتلأت عينيها بالدموع فى لحظة واحدة .....فهمست كمحاولة أخيرة
( لكن يا فارس ...................)
سحبها بين ذراعيه وهو يقبلها بشدة موقفا كلامها ..الى ان ضمن استجابتها الكاملة.......... ثم قال اخيرا بعد ان رفع رأسه عنها ..بصوتٍ اجش من العاطفة
( سما نحن فى شهر عسلنا الذى طال انتظاره ........فهل هذا وقتا للكلام فى الدراسة ؟)
شدد من ضمها اليه..... ليشعر برطوبة دموعها على بشرة صدره العارية ....الا انه لم يظهر انه شعر بدموعها .....وهو يهمس فوق وجنتها
( هل هناك ما هو أغلى عندِك منى ؟........سما )
اجابت سما هامسة وهى تهز رأسها بينما دموعها تنساب على وجهها ....(لا......)
و ليتأكد من جوابها أعاد نفس السؤال فوق شفتيها ....الى ان حصل على نفس الاجابة وهى تمد ذراعيها لتطوق عنقه ........تخبره بقبلتها عن كل ما يريد معرفته فى الوقت الحالى ............
تلك الليلة حين كانت تنام بقربه ....ظل هو مستيقظا بجوارها .....يتخلل شعرها باصابعه , ناظرا أمامه بألم ......
اليوم شعر بتمزق قلبه تحت دموعها على صدره ...... لكنه قاوم ألمه .......لأنه يحمي ممتلكاته , وسما أصبحت أغلى ممتلكاته و سيكون ملعونا اذا تركها تفلت بعيدا .....كما ضاع منه حبه الأول ......لكن الآن ان ضاعت سما منه فهو لن يجد سببا آخر ليحيا من أجله ......حتى وان لم يكن هذا حبا .......يكفى ما تجلبه الى حياته من أمل ...... وسعادة ......
اقترب منها ليتلمس شفتيها بكل رقة ......ثم أخذ يهمس فى أذنها
( أنتِ تتسربين من بين أصابعي بمنتهى السرعة ياسمينا ..........حتى وان لم تدركي ذلك بعد , لكن الرياح تريد أن تحملكِ بعيدا....... ,لكن وعدا منى ان ذلك لن يحدث ابدا مادام فى صدري نفسا يتردد ......أنتِ لي ياسمينا .....لقد خلقتِ لي وقد وقعت أنا على عقد امتلاكك قبل حتى ان تعرفي معنى الحياة .......قد أكون قاسيا لكن هذه هى الحياة , و انا أنوى ان آخذ حقي بها ...........الم يكن هذا هو طلب الجميع ........لا أفعل الآن سوى أننى انفذ ما رسمتوه جميعا منذ ثلاث سنوات .........فلا مجال للندم او لتأنيب الضمير عندي .....)
تململت سما فى نومها قليلا وهى تئن الى ان استيقظت فجأة شاهقة بعنف .........ففوجئت بوجه فارس الشرس مطلا فوقها ,فهمست بخوف
( فارس .......ماذا هناك حبيبي ..هل يؤلمك شيء )
ابتسم ابتسامة باهته ثم قال بعد فترة
(نعم .......نعم يا سما ,أشعر بصداعٍ فظيع ,لقد عاد أسوأ من السابق .......)
استقامت سما جالسة بجواره وهى تقضب جبينها بقلق تتلمس جبينه وتهمس
( مرت فترة منذ ان أصبت به ........فلماذا عاد اليك الآن )
تردد قليلا ثم قال وهو يتعمد تضييق عينيه بألم
( يبدو اننى لم أحتمل التوتر أبدا ..........هل تجلبين لي الدواء يا سما من فضلك )
فى لحظةٍ واحدة .....كان القرص بيده وكوب الماء فى يده الأخرى وبعد ان انتهى ......همس لها بخشونة
( سما أعرف اننى أحتاج الى كل دقيقة من يومك .......خاصة ها قد بدأت الأوجاع تعود الي مرة أخرى..... أنا حقا آسف )
جذبت سما رأسه بكل رقة لتريحه على صدرها وهى تدلك له جبهته هامسة بحب متألمة لألمه
( هششششش.........لا أريد ان أسمع هذا الكلام السخيف مرة أخرى , لن تعود أوجاعك باذن الله ...قد يكون هذا صداعا لأنى وترتك صباحا ......أنا التى يجب ان تعتذر حبيبي ........ويجب ان تعرف أنك الأول فى حياتى دائما ولو استطعت زيادة دقائق يومي لأعطيها لك , لفعلت بدون تردد ........)
ارتسمت ابتسامته المفترسه على شفتيه وهو ينعم بحضنها الدافىء ......... والكلمات التى أراد سماعها , والتى سيحرص على سماعها كل لحظة لو أمكن ...............
.................................................. .................................................. ................................................
كان ينظر اليها بشغف ٍ فى المرآة وهى تساعده فى ارتداء سترته ....... إنها تداوم على فعل ذلك منذ عدة أيام .....وهى لا تعلم ان هذه الحركة البسيطة تلهب مشاعره وتحثه على عدم مغادرة هذه الغرفة الى مكانٍ ممل كالعمل .......
كانت واقفة خلفه تمرر يديها بعدم تركيز على كتفيه بعد أن ألبسته السترة .......ثم حانت منها التفاته الى المرآة .....لتفاجأ بنظرته الجامحة اليها تساندها ابتسامة مفترسة على زاوية فمه .......فاحمر وجهها بشدة و هى تخفض نظراتها بسرعة ...... فضحك بشغفٍ وهو يجذبها بين ذراعيه ليقول
( أعتقد أنكِ علمتِ ما أفكر به فى هذه اللحظة اليس كذلك ؟..........)
ازداد احمرار وجهها وقد فلتت منها ضحكة رقيقة خجولة .........فلم يستطع المقاومة اكثر فجذبها اليه يقبلها بشغفٍ افقدها الوعى بكل ما حولها ........
ابتعد عنها أخيرا وهو يتنهد بعمقٍ حتى كاد ان يسحبها مع الهواء الداخل الى رئتيه محملا بعطرها العذب .........عطرها الذى لم تضيفه ابدا الى نفسها .... بل منحته إياها الطبيعة بكل بساطة ........هذه الرائحة استنشقها حين حملها بين ذراعيه للمرة الأولى وهى طفلة صغيرة لم تتعدى الخامسة .......وقتها لم يعلم لماذا سكنت هذه الرائحة خياله طويلا و قد فسر الأمر بأنها رائحة الأطفال الناعمة المحببة ......لكن بمرور السنوات ,ظلت هذه الرائحة تسكن قلبه ...تداعبه كلما اقترب منها متعللا بأى شيء , ليدرك ان هذا هو عطرها الطبيعي
...............
عاد ليقترب منها مرة اخرى ليدفن انفه اسفل عنقها عله يصدق أخيرا انها هنا بين ذراعيه وقد أصبحت ملكه .........
ابتسمت بحزن و هى تميل برأسها ليلامس خدها خده بنعومة لتستمد منه كل الحماية التى تحتاجها .....همست بداخلها ....أين كنت ....لماذا لم تنتشلني من قبل .......لو كنت أعلم أنك قدري لكنت انتظرتك .......لما كنت ضعت من دونك ........كنت أخى الصارم , وكنت أخاف من قسوتك .......لو كنت أعلم ......لو كنت أعلم ......
لم تدري ان كلمتها غادرت شفتيها بهمسٍ معذب .......الا حين رفع رأسه و هو ينظر الى عينيها المبللتين طويلا .....ثم همس أخيرا
( لو كنتِ تعلمين ماذا حبيبتى ؟..............)
لعقت دمعة وحيدة انحدرت ووصلت الى شفتيها بنعومة ......ثم هزت رأسها بعلامة ٍ لا معنى لها .......ظل ينظر الى عينيها طويلا لا يمل منهما دون أن يثقل عليها بالاسئلة ........فدائما ما يتركها تبكي كما تريد حتى تكتفي دون يحاول العودة الى الماضي ........ وهذا ما كان يريحها وما كانت ممتنة له .......
أمسك بوجهها بين كفيه ..... و ابتسم لها مطمئنا بان كل شيء سيكون على مايرام .لكن دون أن يحتاج الى الكلام .......ثم قال لها أخيرا
( هل تحبين الخروج مع السيدة اسراء مرة أخرى ؟.......)
نظرت اليه مندهشة تماما كالمرة السابقة ...... ما هذا التطور ؟ هل يفعل ذلك لإرضائها ..........مع انها متأكدة من عدم رغبته في خروجها من باب القصر .......لكنها لم تستطع كبت حماسها هذه المرة .....فلقد مر اسبوع على خروجها مع السيدة اسراء الى المجمع التجاري ......و كانت تعتقد ان هذه كانت المرة الأولى و الأخيرة التى سيسمح فيها ادهم بخروجها .......لذا لم تعلق الآمال كثيرا على إعادة الكرة .......و احتمال مقابلتها لصديقتها الجديدة مرة أخرى ..... مع أنها كانت تتوق لذلك بشدة .... لم تكن تدري متعة أن يتحدث المرء الى شخصٍ غريبٍ لا يعرفه ..... ليفضي اليه بما لا يستطيع البوح به لمن يعرفهم ......شعرت المرة السابقة بشعورٍ غريب ... شعورٍ من راحةٍ محملةٍ بالألم .........و لكم كانت تريد أن تعيد هذا الشعور مرة أخرى .......بالاضافة الى شعورها بأنها عادت انسانة سوية تجلس مع أمرأةٍ شديدة الأناقة .... شديدة الثقة بالنفس ... والتى تمنت ان تكتسب جزءا من ثقتها ...... وتصبح بمثل جاذبيتها و اناقتها .........و تختفى منها تلك الفتنة ِ الهمجيةِ القذرة التى تجذب اليها وحوش الأرض ......كما وصفها أحد تلك الحيوانات الذين عرفتهم سابقا .........فقط جذابة ...... جذابة و راقية .... لاتثير غرائز كل من يراها .........كما قيل لها سابقا ........
فهل تجرؤ على رؤيتها مرة أخرى ؟؟.....لقد كانت ..سمر ...مبدية أشد الاهتمام برؤيتها مرة أخرى , مما جعل حلا تشعر بالزهو قليلا و ارتفاع روحها المعنوية .......هناك من يريد رؤيتها لشخصها ..... وليس لأغراضٍ دنيئة ......
همست لادهم تحاول التأكد مما سمعته
( حقا يا ادهم ؟.....مرة أخرى ؟.......كنت أظنك تخاف من خروجى وحيدة , لكن ها أنت تسمح لي بالخروج بمفردي مرتين خلال أسبوع ؟.......)
ثم تابعت و قد أصابها دلال الأنثى العاتبة بالرغم من حماسها الخفي
( ألم تعد تخاف علي يا أدهم ؟..........)
فى حركةٍ واحدةٍ مباغتة مد ذراعيه ليعتقل خصرها ثم رفعها عاليا ليصبح وجهه فى مواجه عينيها المتسعتين ببراءة ...........اخذ نفسا عميقا و هو ينظر لعينيها عابسا ......ثم قال أخيرا باندفاعٍ غاضب
( تبا يا حلا ... انا أحاول أن ......لكن أنتِ لا تساعديني بما تقولينه ....بنظرة عينيكِ البريئتين بسذاجة ......)
لم تفهم تماما ما يحاول قوله ......لكنها ظلت تنتظره لأن يكمل ....شعرت ان كلامه الغير مفهوم يدفىء قلبها .......
قال أخيرا وهو يتنهد بيأس
( فى قرارة نفسي لا أريد ان تخرجي من باب القصر ..........لكنى أعلم ان ذلك مستحيلا , فها أنا أحاول ان أروض نفسي بالرغم من شدة ما أعانيه من خوفٍ عليكِ )
أحاطت عنقه بذراعيها و هى تقول بتردد تحاول ان تقنع نفسها قبل ان تقنعه
( ادهم .....أنا لست طفله , صحيح أننى لم أفعل سابقا ما يجعلك تثق بي ...... لكنى .....لكنى أحاول , فلا تخف على و لا تلم نفسك )
أنزلها ادهم على قدميها ثم ضمها الى صدره بكل قوة حبه و خوفه عليها ..... لا يريد ان تبتعد عن قلبه أبدا .......
اخيرا ابتعد عنها قليلا و هو يقول بحزمٍ حاول تجميعه قدر الإمكان
( اذن ... فلنحاول خطوة خطوة ......فلتخرجى مع السيدة اسراء اليوم ......و .... وحاولى الاسترخاء قدر الامكان )
مد أصابعه ليتلمس و جنتها برقةٍ اذابت قلبها و هو يهمس بعد لحظة
( ليس معنى اننى أخاف عليكِ ..........ان يكون هناك ما يخيف لا أريدك ان تشعري بالذعر , لا تقلقي حبيبتى فعيوني عليكِ دائما )
شردت بعيدا لحظة و هى تتذكر نفسها تسير هائمة مذعورة تنظر الى كل شخصٍ يقترب منها على انه سينقض عليها فى أى لحظة .......لو كان رآها فى هذه اللحظة لكان شعر بالخجل منها بكل تأكيد ......... الحمد لله أن عيونه لم تكن عليها كما يحاول ان يطمئنها و الا لكان صُدم من منظرها المخزى و هي تسير وحدها بعد رحيل السيدة اسراء ..........
أومأت حلا برأسها موافقة و هى تبتسم ابتسامة مترددة ترد على ابتسامته المشجعة لها ........ابتعد عنها متثاقلا بعد ان قبلها على جبهتها مودعا .......الا إنه عاد اليها مرة أخرى ليمسك بذقنها يرفعه اليه وهو يقول بصرامة محببة
( لا أريد ان انبهك لملابسك مرة أخرى .........)
ابتسمت ابتسامة واسعة وهى تومىء برأسها له ........ وقد عادت لذاكرتها نفس الجملة حين كانت فى السادسة عشر وهو يقولها بصرامة أشد منها الآن .........
عادت لتهمس بعد أن خرج من الغرفة ..........أين كنت .......لو كنتُ أعلم ..........

لعنتي جنون عشقكWhere stories live. Discover now