Escape

76 9 2
                                    

"كبشر هذا هو ديدننا، نحن معتادون على الهرب، الهرب من المواقف التي تُشعِرنا بالضيق وإن كنَّا نحتاج إلى مواجهتها، الهرب من أفكارنا، مِن ذواتنا الحقيقية بوجوهها المتعددة، الهرب من فهم مشاعرنا المتشابكة، الهرب من صوت الوحدة الرتيب في الخلفية؛ نملأ الفراغ بضجيج الآلات، الضوء القادم من التلفاز، الموسيقى الصاخبة، الامتلاء المؤقت الذي يصاحب تناول وجبة دسمة.

معتادون على الهرب من مواجهة النتائِج الأخيرة، نجيد البدايات بحماسة مفرطة، ندعي التعب والملل ولا نُقدِم أبدًا على مواجهة الصورة النهائيَّة، الانعكاس الحقيقي لحدود مقدراتنا- ذلك الإيمان العميق الذي يشلنا: أن عدم الاكتمال أفضل من حتميَّة الفشل.

نهرب من الواقع عبر كتاب أو فلم، مُحادَثة لا تزيد عن مجاملات سطحية، لأن هذه المحادثات آمنة بما يكفي، نهرب منَّا بالحركات المُكررَة لغسل إناء أو...بانتظارنا نهاية الأسبوع بفارغ الصبر.

ماذا كانت المهمة التاليَّة؟

نمضي من النقطة أ إلى النقطة ب، نركض بأنفاسٍ متلاحقة أو نسقط في غياهِب النوم، راحة اللاواعي واللاوجود.

تمضي الحياة بإيقاع أغنيَّة مملة، تعلو وتنخفض، نرتفع ونسقط، نعيش. لكن دائمًا هنالك ذلك الصوت المكتوم، المنسيّ، المنبوذ أسفل الصندوق والذي يحثنا بيأس: لا تنسَ أن تعيش في خضم عيشك!

ثم يُحزِنُك استيعاب متأخر لحقيقة كانت بديهية طوال الوقت، الوقت الذي أهدرته، وجرفته، وأهملته، كحذاءٍ بالٍ على قارعة الطريق.

نهرب، ليس لأنه الخيار الوحيد بل لأنه الخيار المريح."

Mind MazeWhere stories live. Discover now