"لدى الإنسان قدرة مرعبة على التعايش والتعوّد، ما يحسبه في البدأ لا يُطَاق ينزلق مع تراكم الأيام إلى خانة الوجود الرمادية -الأمر مزعج لكنه محتمل- هكذا يمضيّ كأن شيئًا لم يكن، متجاهلًا النظر إلى الداخل أو إمعان التفكير، فالتفكير يعني الإدراك والإدراك سيفٌ يقطع أواصل الصبر، ثم ينتظر بتآني تلك اللحظة التي سينفجر فيها أخيرًا.
يستيقظ كل صباح ويفتح عينيه: ربما اليوم...لكن اليوم ينطويّ وليلةٌ أخرى تنجلي بسلام، ينساب العمر مثل خرير نهرٍ صغير قادمٍ من أعلى الجبل، ينساب وينساب وتلك الفكرة لا تغادر، كل لحظة تجر وراءها لحظةٌ أخرى، تبدو خفيفة، سهلة، تنقشع مثل السراب، لكن صوت عقارب الساعة بعقلك يدويّ كقذيفة مدفع، توقفت منذ أمدٍ بعيد عن قول"ربما"، وتوقفت عن قول ما تعنيه، بت تقول ما يناسب، ما يجب، تعبس قليلًا وتحدق بالمشهد المتحرك خارج النافذة، تفكر في تلك الجملة التي قرأتها ذات يوم وأنت في مقتبل العمر، تتمنى لو تترك أثرًا فيك كما فعلت من قبل، لكن الشعور بداخلك راكد، متجمد، باهت، تنظر لانعكاس الأضواء على الزجاج وتبتسم."
