اليوم الثالث : "خوفٌ و قلق و إحراج"

1K 27 1
                                    

اليوم الثالث:

كان ينتظر وصولها لينعم برؤيتها ، لم يكن بوعيهِ حينها ، نزلت من السيارة و هو ينظُر إليها و من الجهةِ الأخرى ذاكَ الفتى من اليومِ الأول كان موجوداً ، يخُزها بنظراتٍ غير لائقه ، تضايقت قليلاً و لكن لم تُعر الأمرَ إهتماماً ، فمن لن يُفتن بها و هي شبيهةٌ بسماءٍ مليئة بالنجوم! كبدرٍ في ليلةٍ ظلماء يشع بنوره لِيضيء الكون من حوله ، لا ترى عيوبه أبداً فدائماً يخفيها ! كانت مريم كذلك تُخفي عيوبها لتستطيع القضاء عليها بدونِ لفتِ النظر !

و لكن بها ما يُفتن و يشد الإنتباه ، فلم يعجب بها محمداً عبثا ، مريم ذات العينان السوداوان الواسعتان ، كثيفةُ الرمشِ و بيضاء اللون ، ذات شفةٍ موردة و خدان محمران طوال الوقت ، معتدلةُ الطولِ مناسبٌ لِجسدها ، تتسم برشاقتها و محافظة على نفسها .

خجولةٌ هيَ و جريئة بنفس الوقت فذلكَ يعتمدُ على الموقف و المتحدث سواء كان رجلٌ أو إمرأة ، دائماً ما تُبهر الناس بطريقةِ تفكيرها و قويةُ الشخصية تأبى أن يعرف أحداً ما تُخفي حتى لو كانت والدتها!

فقدت والدها أمام عينيها حينما كانت تبلغُ العاشرة من عمرها و أخذت وقتاً طويلاً لتتأقلم ، بعد وفاته تغيرت كثيراً لم تعد تلك الهزلة السابقة ، نضجت و آمنت بأننا أمانةٌ من الله ولابد من العودةِ يوماً ما !

كانت تقلب كتابها بينما كانت في عالمٍ آخر ، إقتربَ منها حمدان "الفتى من اليوم الأول" و لم تراه و ألقى كوب الشاي متعمداً فأحرقها و صرخت ، بحركة لا إرادية صفعته على وجهه و ذلك يُعتبر إهانة لرجل أن تقوم بضربه فتاة! قالت :
- ما تشوف و إنت تمشي حرقتني!
ما زالت علامات الدهشة على وجهه ، أعطته ظهرها و إتجهت لدورةِ المياه لتغسل ملابسها ، كان يرمُقها بنظرةٍ يعلوها غضبٌ ثائر ، نظرة يدل بها أنه يريد الأخذ بثأرهِ منها ، ف كلّ من حولهِ لم يتوقفوا عن الضحك و قد أصبح قصة الجامعة.

خرجت و إستأذنت من الجامعة لتبديل ملابسها و العودة بسرعة ، وصلت البيت و رأتها والدتُها و قالت:
-خير شو مستوي مريم ؟
-ماشي بس واحد غبي و هو يمشي انصب علي كوب الشاي اللي فإيده.
تضحك الأم و تتجه نحوَ المطبخ .

ركبت سيارة الأجرة التي استقلتها و ذهبت للجامعة من جديد ، كان موعد محاضرة الدكتور محمد ، دخلت و سمح لها نظراً لظروفها التي أجبرتها على التأخر.

كانت في عالمٍ آخر لا يعلمُ أحدٌ ما تُفكر بهِ ، إنتبه لها و ظل يناديها على أمل إستجابةٍ منها ، طلب من زميلتها التي تجلسُ بجانبها "فاطمة" أن تنبهها ففاقت من سرحانها على صوت فاطمة التي تحدثها لأول مره :
-مريم الدكتور يناديج.
-نعم دكتور
-ركزي يا مريم وياي لأن الكورس كله يعتمد على الكلاسات الأولى.
-إن شاء الله دكتور

لم تُعجبه النظرة التي كست وجهها ظن بأنه أحرجها ، و لكن لم تكن تفكر بالأمر ، ما كان يشغلُ تفكيرها هو حال أمها عندما عادت فالدقائق القليلة تلك ، كانت تخفي أمراً و علمت مريم من تلعثمها بالكلامِ حين وصلت:
-مريم .... ل ليش شش را راده ؟
-خير أميه فيج شي ؟
-هاا؟ لالا حبيبتي مافي شي

لم تعلم إلى أين كانت تتوجه ، ذهبت لمكانٍ خالٍ من الطلبة و المحاضرين و لسوء حظها لم يرها سوا حمدان ، لحقها من دون أن تنتبه لهُ ، فجأة استفاقت على دفعةٍ ألصقتها فالجدار ، وضع يدهُ على الجدار اللذي إلتصقت به و وجه لها بعض الكلمات التي بعثت الخوف في قلبها من الموقف :
-شوفي يا حلوة ، مب حمدان اللي تمد ايدها عليه بنيه ، للحين ما عرفتيني عدل ، و بتندمين على اللحظة اللي فكرتي فيها إنج تمدين إيدج علي !
رددت بخوف:
-ق قوم عني ! إنت كيف تتجرأ و تسوي هالحركة !!

دفعته و حاولت الهرب و نجحت بالمحاولة ، كانت تركض و لا ترى أمامها ، حتى اصطدمت بهِ ، نظرت للأمام و إبتعدت مُسرعة قائلة :
-أ أنا أسفه دكتور ، ما كنت أقصد
ردّ عليها بقلق :
-خير شو فيج مستعيله؟
-لا ماشي بس تأخرت عالمحاضرة الثانيه
-بس إنتي قلتي محاضرتج الثانيه الساعه ١ و الحين ١١ !
-هاا ،، آآ بسير البيت شوي أمي بغتني .
-فحفظ الرحمن

كانت مُحرجة من الموقف و لم تعلم كيف لم تره أمامها و بذات الوقت خائفة من حمدان اللذي لا تعلم ما ينوي أن يفعل بها ! ظلت متوترة اليوم بأكمله .

عند الساعة الواحدة إتجهت لدخول محاضرتها الثانيه و لسوء حظها كان حمدان معها بنفسِ الصف ، لم تكن تعلم إنه أيضاً بنفس السنه الجامعية ، رأت فاطمة و ذهبت لتجلس معها و كانت تلك المغرورة من اليوم الأول أيضاً موجودة ، كانت تراها عن بعد بنظراتٍ يملؤها الخبث و الكره ، كانت تتحدث مع حمدان و يوجهان نظراتهما إليها .

ليتني لم أثق بكWo Geschichten leben. Entdecke jetzt