طرقٌ أهراميّةٌ

33 4 0
                                    


رُسمت ابتسامة عريضة على فاهي بعد أنّ استطعت أخيّرًا الاعتياد على جلوسي داخل الهودج.

لمن لا يعرف الهودج، فهو مَحْمَل يُوضَع على ظهر جمل له قبّة وتركب فيه النساء.

رسى الجمل بعد نهاية رحلتي عليه، وها أنا الآن أمام أهرامات الجيّزة العريقة!

كم سُحرت بجمالها، وشعرت بأنّي أرى لوحةً تمثل تاريخًا طويلًا مزدانًا بالعراقة والأصالة!

قلتُ بصوتٍ مسموع: «كان سيكتمل المشهد لو كان لدي رواية تاريخيّة أقرأها بجانب هذه الأهرامات الجميلة».

شعرت بيدٍ صغيرة تشدّ فستاني الطويل غير المنفوش، فدنوت ببصري لأجد فتاةً صغيرة الحجم بوجنتين مليئة، واستطعت تخمين أنّها في التّاسعة أو العاشرة من عمرها، ولا أنكر أنني أردت التهامهما بشدّة.

انحنيت قليلًا حتّى أكوّن قريبة منها، وسألتها: «ماذا تريدين أيّتها الصغيرة؟ هل أنتِ تائهة؟»

نفت برأسها، وقالت: «لا لست تائهة، لكنني سمعتك تقولين رواية تاريخيّة، ولم أفهم قصدك، أحبّ أنّ أقرأ القصص وكنت أعزم على قراءة الروايات لكنّ بعد أن نأخذ الإجازة السنويّة وأتفرغ لذلك، وبعد أن سمعتكِ جاءني الفضول لأعرف، اعذري وقاحتي إنّ ضايقتك».

أنزلت عيناها، ووجهتهما إلى الأرض في حرجٍ بأخر كلامها.

ابتسمتُ بسعادة، فهي على ما يبدو طفلة تحبّ القراءة وذلك قد أثلج صدري وأسعدني، غير أنّها تحبّ أنّ تسأل ولا تخجل من السؤال، بل ومؤدبةٌ أيضًا!
أعتقد أنني يجب أنّ أخطفها، وأحميها بعيدًا عن العالم والجهلة الّذين يملؤنه.

ربت على رأسها، والابتسامة لم تفارق شفاهي وقلت لها: «لم يزعجني سؤالكِ على الإطلاق! تعالي لنجد مكانًا مناسبًا نجلس فيه حتّى نتحدث على راحتنا، هل والداك يعلمان أنّك معي؟»

نفت برأسها، وقالت: «أنا من سكان المنطقة وأعرفها جيّدًا لذلك لا تخافي علي، أهلي يعلمون أنني نزلت للعب، وأيضًا أنا قوية!»

منعت نفسي بصعوبة عن ضمها بقوةٍ حتّى لا تخاف مني وتظنني متوحشة، واخترنا مقعدًا قريبًا، فجلسنا عليه وبدأت حديثي: «إذًا أيّتها اللّطيفة، تريدين أنّ تعرفي عن الروايات التّاريخيّة، أليس كذلك؟»

أومأت وهي تنظر لي بحماس منتظرةً ما سأقوله، قلت ولا أستطيع كبح ابتسامتي: «حسنًا، الرواية التّاريخيّة هي تلك الرواية الّتي تنقل قراءها لحقبةٍ زمنيّةٍ وُجدت في الماضي، فتجعلهم يعيشون مع شخصيّات سواء كانت خياليّة من وحي خيال الكاتب، أو حقيقيّة كانت تعيش في الماضي، لكنّ الجدير بالذّكر هو أنّ الكاتب عليه أن يلتزم بقوانين، عادات وتقاليد تلك الحقبة حتى يستشعر القارئ مصداقيّة ما كتب الكاتب، وذلك بمزج الكاتب الفريد لتلك المعطيات التّاريخيّة بأسلوبه الروائيّ المميّز.

وعرفها بعض الأشخاص، سأذكر فقط ما أتذكرهم. عرفت الدكتورة هالة فؤاد الرواية المتعلقة بالتّاريخ والمتصلة به بكوّنها: «أكثر النصوص الروائيّة وفرة وكثافة في مساحات التخيّل، وحدة المباغتة، وعمق الالتباس، وثراء الحيرة والدهشة العارمة المثيرة.»

أما الناقد جورج لوكاتش فعرفها بأنّها: «رواية تاريخيّة حقيقيّة، أيّ رواية تثير الحاضر، ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق.»

أصدرت الفتاة صوتًا يدل على إعجابها بما قلت، وسألت بلهفة قائلةً: «ومتى ظهرت يا ترى؟»

همهمت قليلًا في محاولة مني لتذكر ما كنت قد قرأته من مدة: «أتذكر أنني قرأت عن بدايتها الحقيقيّة، كانت في الغرب على يد والتر سكوت في أوائل القرن التّاسع عشر كما يقول لوكاتش، وكان اسم الرواية «وايفرلي».

أومأت بابتسامة سعيدة، وسألتي بحرج: «أنا آسفة لأسئلتي الكثيرة، لكنّ هل يمكنكِِ أنّ تخبريني عن أشهر الكتاب لمثل هذه الروايات أو أسماء لأشهر الروايات التّاريخيّة؟»

ابتسمت للمرة الّتي لا أعلم عددها، وربّت على كتفها، وأردفت: «أحبّ أسئلتك جميلتي، لا تخجلي من سؤالي، أنا سعيدة لأنّك مهتمة بحقّ، وأرجو أنّ تحبّي هذه الفئة كما أحبّها».

أومأت بسعادة، وأكملت قائلةً: «حسنًا، بالإضافة لوالتر سكوت الّذي كما ذكرت أنه قد كتب رواية «وايفرلي» فلديه أيضًا رواية «أسطورة مونتروز» ورواية «القرصان» إلخ، لدينا رواية «آرثر وجورج» للكاتب الإنجليزيّ جوليان بارنز، و«إنيس يا حبيبة روحي» للروائيّة التّشيليّة إيزابيل الليندي، وأيضًا «الثائر الأحمر» للكاتب والأديب اليمنيّ علي أحمد باكثير، والكثير».

صفقت الصغيرة بيديها والسعادة واضحة عليها مادحةً روعتي، شكرتها بحرج لكنّي أشيد بروعتي في دواخلي.

سألتها عن اسمها فأجابتني بمكر قائلة: «اسمي كليوبترا».

أظنّ أنّ كلّ من يوجد في المنطقة قد سمع قهقهتي الرائعة...

يبدو أنني سأكمل يومي بلبسي لقناع؛ حتّى أخفي نفسي وما سببته من حرج لنفسي، يالروعتي.

إذًا، ما رأيكم في فصل هذا اليوم؟

هل لديكم معلومات أخرى تريدون مشاركتنا إيّاها؟

كتبت الفصل العضو الفخم ساتو ؛)
أرجو أن ينال إعجابكم! ❤

المصادر:
الرواية التّاريخيّة… المفهوم والنشأة

موسوعة الفئاتWhere stories live. Discover now