الفصل الرابع

3.4K 251 17
                                    

ـ فين آله الزمن اللي كنت بجربها؟؟؟؟
هكذا تسأل دون مقدمات، بينما الأخرى لم تفهم بماذا يهرتل، فنظرت له وتسألت:
ـ آله زمن! مالك؟
ثوانٍ مرت عليهم في صمت حتى نظرت له وهي تفتح عينيها على أخرهما ثم هتفت وهي تكاد تبكي بسبب ما فهمته:
ـ تصدق أحيه!
هتفت بها ثم جلست على الأريكة، كوبت رأسها بين يديها بتفكير، بينما الأخر كان ينظر لها وهو شارد الذهن، لا يعلم ماذا يحدث له!
نظر لها بتيه وهتف قائلًا:
ـ أنا... أنا ضيعت أنا أنتهيت... حد يقولي أيه اللي بيحصلي ده؟؟؟
ختم أخر كلماته وهو يمسك ذلك الزهرية التي كانت على المنتضدة التي أمامه وهشمها على الارض. 
فزعت أسيل من فعلته، أرتدت للخلف بفزع مع شهقة بسيطة خرجت من شفاتيها، ولكنها تداركت الموقف سريعًا، نهضت بعنف من مكانها ووقفت أعلى الأريكة وبدأت تصرخ في وجهه بعصبية!
ـ أنت متخلف ياض؟ بتكسرلي البيت! ده أنت نهار أبوك مش فايت انهاردة.
نهت حدثها وهي ترمي بجسدها عليه من الخلف! فَهو كان يقف يعطيها ظهره، كان ماسك خصلات شعره بغضب في محاولة لتمالك أعصابه، ولكن تفاجأ بذلك الشيء الذي تعلق على ظهره من الخلف، ولم تكتفي أسيل بذلك فقط؛ فثوانٍ معدودة وكان صراخ نوح تضوي في المنزل بسبب أسنانها التي غُرزست في لحمه! ظل يصرخ وهو يحاول أن يفلت كِتفه من مخالبها لكنه فشل.
بينما أسيل فكانت تعضه بكُل غلّ وغيظ، حتى شعرت بسائل يتسلل لمخالبها فبعدت عنه ورأت أثر الدماء مكان أسنانها!
بينما هو فعِند الإفلات منها دفعها بعيد عنه بغيظ وهو ينظر لكِتفه بفزع وألآم ثم صرخ فيها بعصبية.
ـ  أنتِ مجنونة يا بت؟؟ أيه مبتاكليش لحمة!
نظرت له هي الأخرى بشر، مسحت فمها بعنف ثم هتفت صارخة:
ـ عشان تحترم نفسك وتحترم البيت اللي أنت قاعد فيه، ولو أيدك اتمدت على حاجة تاني هقلبلك مصاصة دماء.
كان يود أن يمسكها ويصفعها على وجهها عدة صفعات، لعله يُهدئ! لكنه تمالك اعصابه وشعر إنها مُحقه؛ فهو في منزلها، وهي تساعده دون مقابل، وفي النهاية يُهشم لها منزلها!
نظر لها بآسف ثم هتف قائلًا:
ـ أنا آسف، حقيقي كنت متعصب.
لم تعطي لحديثه أهمية، جلست على الأريكة من جديد، أشاحت بوجهها بعيدًا وتتفست الصعداء، ثوانٍ ثم هتفت سائلة:
ـ هو أنت رجعتلك الذاكرة؟
جلس هو الأخر على الكرسي الذي يقابلها وقال:
ـ آه.
-وخير، يا ترى اترميت عليا من أنهي مصيبة؟
-أنا من المستقبل، أنا مش من هنا!
وقعت الكلمات على مسامع أذنها ولكنها كذبتها، نظرت له بجهل ثم هتفت دون فهم:
ـ مستقبل! مستقبل أيه يا عم أنت؟
نظر لها وهو مُدرك مدى صدمتها ثم أردف:
ـ اسمعيني وحاولي تفهمي اللي بقوله، أنا طالب في كلية الذكاء الأصطناعي، ومشروع تخرجي أنا وزمايلي هو إننا نخترع آله زمن، وفعلًا بدأنا فيه، وكان... وكان خلاص خلص بالفعل، بس كان مش راضي يشتغل! كلنا أحبطنا جدًا، وقولنا خلاص واضح أن كل اللي بنيتوا أتهدّ، و... وفي يوم قولت هجرب أعمل فيه تعديلات، كنت عايز أشوف حاجة معينة وهي لو نقلت جزء معين فيها وضيفت شوية حاجات ممكن يشتغل مثلًا؟ كنت بجرب وأنا عارف أن مفيش حاجة هتتغير، لكن... لكن اللي حصل عكس اللي توقعته! اللي حصل أني أنا قدامك دلوقت!
حقًا فَ فمها كاد أن يلامس الأرض، نظرت له ببلاه ثم هتفت دون تصديق لحرفٍ واحد مما قاله:
ـ هو أنت جيت عليا من أنهي فلم يابني أنت؟
واصلت ساخرة:
ـ وأنت على كده من أنهي سنة؟
رد عليها ببساطة كادت أن تجلطها:
ـ 2032
حملقت فيه دون تصديق، أزدردت ريقها بتوتر ثم هتفت قائلة وهي حقًا على وشك البكاء:
ـ 2032!احية بجد...
                        *******************
- يعني فقدان للذاكرة ده مؤقت؟
هكذا سألت ليان يامن، فكانوا ثلاثتهم يجلسون في ذلك المقعى الذي أعتادوا الجلوس عليه من يوم أختفاء نوح.
كانا الشابان يقصون عليها ما قاله لهم دكتور عبد الغني.
وبعدما أنتهوا سألت ليان ذلك السؤال.
نظر لها زين وعقله يكاد أن يُختل بسبب ما يحدث حولهم، نظر لهم ثم هتف قائلًا:
ـ قال أن فقدات الذاكرة بيكون بسبب الذرات الكهربائية اللي أندفعت من الجهاز أثناء تشغيله.
لم تستطع ليان كبت دموعها أكثر من ذلك، حررت دموعها وقالت بأنفاس متقاطعة أثر بكاءها:
ـ يعني أيه؟ يعني... يعني أخويا خلاص أتحبس في الزمن اللي منعرفش عنه حاجة ده؟ مش هنعرف نوصله تاني؟ مش هنعرف نرجعوا!
-ممكن تهدي يا ليان من فضلك، هنكلمه دلوقت وهنحاول نوصل لحل.
هكذا قال لها يامن لكي يُهديها ولو هدوء مؤقت، رفعت رأسها ونظرت له من بين دموعها وسألت: هنعرف نكلموا؟ بجد!
خرج زين من جيب سرواله تلك الساعة التي سُبق وتواصلوا مع نوح من خلالها.
وضعها على الطاولة أمامهم وقال:
ـ الساعة دي هي الامل الوحيد اللي قدامنا، لو نوح رجعتله الذاكرة زي ما دكتور عبد الغني بيقول، يبقى هيفتكر إنها بتتشحن بالطاقة الشمسية، ويبقى الموضوع كله شوية وقت وهنعرف نوصله.
زار الأمل قلبها، تهللت ملامح وجهها، ابتسمت بشحوب ومسحت باقي الدموع من على خديها وهي تسأل: طب.. طب هو دكتور عبد الغني قالكم هو ممكن يرجع أزاي؟
توتروا هم الأثنين، بدلوا نظراتهم لبعضهم في صمت، كانت ليان تتابعهم بعينيها والقلق يتسرب لقلبها من جديد.
كسر تلك الحالة صوت يامن وهو يقول:
ـ مفيش غير حل واحد يا ليان.
نظرت له بإهتمام لكي يواصل؛ فنظر لها بتوتر وقال هو يحُك عنقه بتوتر:
ـ الحل أن... أن يعني... أن نوح يصنع آلة زمن يا ليان.
وقعت كلماته كالصاعقة على أذنها، نظرت له بذهول ثم هتفت وهي تهز رأسها برفض:
نعم!! ده... ده كده نوح مش هيرجع أبدًا!
                       *******************
ـ يابني متجننيش! أله زمن أيه اللي هنخترعها!
هكذا صاحت فيه بنفاذ صبر، لم تعلم كيف وقع عليها هذه الكارثة المُتنقله، تشعر أن حياتها ستنقلب بفضله! فَهو لم يعرف أحد هُنا غيرها، وهي تشعر بالمسؤلية إتجاهه! ولا تعرف ما سبب ذلك الأحساس البشع.
قال لها ببساطة طفل في السابعة من العُمر أن الحل أنهم يصنعوا آله تنقُل للزمن! لم تستوعب ما قاله، فكُل ما فعلته إنها صاحت في وجهه بنفاذ صبر، فزع منها ورجع بظهره للخلف، نظر لها بعدم فهم لسبب صياحها عليه ثم سأل:
ـ أنتِ متعصبة ليه؟ هو ده الحل الوحيد على فكرة عشان أرجع تاني لحياتي.
نظرت له بستنكار، ثم هتفت قائلة:
ـهو أنت مش واخد بالك أن هنا غير هناك، أحنا...أحنا هنا 2022! يعني معندناش أي إمكانيات ممكن تخليك تخترع طاسة بتسوى للأكل لوحدها، مش آلة زمن!
صاحت بأخر كلماتها بنفاذ صبر، بينما هو فَ أشاح بوجهه بعيدًا بتذمر: فهي مُحقه، إذا كان في زمانهم إخترعوا تلك الآلة بصعوبة بالغة، فهل يستطيع بتلك البساطة أن يُعيد إختراع تلك الآلة مرة أخرى، وأيضًا بدون أدنى إمكانيات! هل يعقل حقًا؟ نظر لها بحزن ثم سأل بيأس: عندك حق، بس هنعمل أيه؟
- هو أنتوا بتعملوا أيه هنا؟ مين ده يا هانم؟
فزعوا من ذلك الصوت، نظرت لمصدره ثم أردفت وهي تزدرد ريقها بتوتر:
ـ ده... ده.... ده أبن خالتي يا مصطفى، عرفتك عليه أخر مرة على فكرة، جيه من الكويت من يومين.
كان مصطفى ينظر لنوح والشر يتطاير من عيناه.
فَ باب المنزل كان مفتوح وهو دخل عليهم دون إذن.
نظر لنوح بشك، وقبل أن يتفوه بشيء، تدخل نوح ف الحديث وهو يهتف معترضًا: أيه الكويت دي!
- نعم؟!
تعلقت أنظار مصطفى على نوح بتعجب من حديثه، نقل نظره بينه وبين أسيل بستفهام، ضربت الأخرى على وجهها من غباء ذلك الأحمق، توترت سريعًا فقالت وهي تضحك ضحكة مُصطنعة صفراء:
ـ هه بيهزر، أبن خالتي بيموت في الهزار، مش أنت بتهزر؟
سألته وهي تنكزه في ذراعة بعنف،؛ فَخيرًا فَهم الأخر أن يوجد شيء خطأ يحدث بينهم؛ فهتف قائلًا:
ـ آه آه باين، أنا فعلًا جيت من الكبريت، لسه جاي منها حالًا.
-كبريت! هو ماله ده؟
نظرت له وكاد فكها يلامس الأرض، نظرت
له بغيظ ثم قالت وهي تستعد للرحيل:
ـمعرفوش اصلًا.
أخيرًا فهم نوح للأمر، تدارك الموقف سريعًا فهتف وهو يقهقه عاليًا:
ـ بهزر يابني في أيه؟ أنت مين بقى؟
وضعت يدها على قلبها وحمدت ربها، نظر له مصطفى بتفحص ثم أجاب عليه وهو يتفحصه بنظراته:
ـ مصطفى، خطيب أسيل، هي مقالتلكش عني ولا أيه؟
ابتسم نوح بخفة وقال:
ـ  لا طبعًا قالتلي، مبسوط أني شوفتك، عارف أن أول مرة أتقابلنا كان الجو مش أحسن حاجة.
نظر لـ أسيل ثم واصل قائلًا:
ـ عن إذنك بقى يا أسيل.
ابتسمت له أسيل وأشاحت له بيظها، تركهم وغادر المنزل، بينما مصطفى فنظر في أثره بشك، رجع نظراته لـ أسيل ثم سأل:
ـ عرفت إنك مروحتيش الشغل انهارده عشان تعبانه، قولت أجي أشوفك، وكمان أصالحك.
لم تهتم بأخر كلماته، ابتسمت ثم مسكت رأسها بتعب وهي تجلس على الأريكة وتقول:
ـ  آه آه، حسيت بدوخة كده قولت أروح ومش لازم شغل أنهاردة، ده أنا حتى خدت برشام الصداع وهنام أهو.
نظر لها بإحراج ثم تنحنح قليلًا وقال:
ـ لا ألف سلامة عليكِ، طب همشي أنا دلوقت، وهكلمك أتطمن عليكِ لما تصحي.
قال كلماته وهو يجلس على الكرسي أمامها؛ فكان يظن إنها سترفض رحيله، أو أي شيء من هذا القبيل، ولكنها صدمته عندما نهضت هي وترجلت نحو الباب وهي تقول:
ـ آه طبعًا، هصحى وأتصل بيك.
شعر بالحرج يُفتك بهِ، وقف ثم ترجل نحو الباب، نظر لها وقال بغيظ: طب سلام، وياريت بلاش كل ما أجي الاقي قريبك ده معاكِ في الشقة، ميصحّش على فكرة!.
ابتسمت له بإصفرار وهتفت قائلة.
ـ قول يارب.
ردها ثارت غضبه أكثر، لكنه حاول أن يتجاهل الموقف، رحل عنها دون أن يعقب، قفلت الباب وسندت ظهرها عليه وهي تتنفس بعنف وهي تدعي ربها أن يكون صدق ذلك الكذبة!
وبسرعة خرجت هاتفها ودوّنت عليه رقم ليلى صديقتها، ثوانٍ ثم جاء صوتها من الجهة الأخرى، لم تعطيها فرصة للرد فهتفت فيها بصراخ:
ـ  الحقيني يا ليلى، خمس ثواني لو مجتيش هعيط وهلم عليا الدنيا.
نصف ساعة تقريبًا مرت عليها حتى جاءت ليلى، استقبالتها وهي تصيح في وجهها، هدأت قليلًا ثم سردت لها كل شيء وصلوا له هي ونوح، كانت ليلى تسمع لكل شيء تقوله وهي غير مصدقه.
أخيرًا أنتهت أسيل من قص كل شيء؛ فهتفت ليلى بغير تصديق: ـ وهتعملي أيه في المصيبة دي؟ مصطفى شكله مش مصدق، وأنتِ عارفه خطيبك خرّاب يا أسيل.
نظرت لها أسيل بقلة حيلة ثم هتفت:
ـ مش عارفه، وعشان كده كلمتك.
نظرت لها هي الأخرى بحزن ثم هتفت بحنق: لا ويازين ما اختارتي بجد، جاية لأكتر وحدة تعيسة ومش ضايقة نفسها.
أنتبهت أسيب لكماتها، نظرت له بتفحص ثم سألت:
ـ في أيه يا بت مالك؟ شكلك مش طبيعي!
ونستطيع أن نقول هكذا أعطت لها التصريح للبكاء، جهشت في البكاء دون مقدمات، فزعت أسيل على صديقتها فأخذتها في احضانها سريعًا وهي تسألها ماذا حدث، ولكن بلا فائدة، صمتت وأكتفت إنها تربت على ظهرها وهي تشدت على أحضانها، دقائق مرت عليهم حتى هدأت تمامًا، نظرت لها أسيل ثم مسحت بأناملها بواقي دموعها وسألتها بحنان:
ـ مالك بقى؟ في أيه!
نظرت لها بعيون حمراء وأنف أيضًا ثم أردفت قائلة:
ـ أترفدت من الشغل يا أسيل، أنا... أنا بجد فاشلة! كل شغل أدخل فيه يفشل ويبوظ، أنا... أنا زهقت، زهقت من حياتي يا أسيل، وحقيقي خايفة من اللي أمي لسه هتعمله فيا.
نظرت لها بحنق وأستياء بسبب تفكيرها هذا ثم هتفت قائلة:
ـ أنتِ يا بت عبيطة؟ هو كل واحد بيترفد يبقى خلاص فاشل؟ الموضوع كله أن ده مش مكانك، ولا أكتر ولا أقل.
ابتسمت لها بشحوب، مسحت خديّها بأناملها ثم نهضت سريعًا وهي تقول:
ـ أنا همشي دلوقت عشان ماما، مش ناقصة خناق.
رفعت أسيل رأسها لها ثم مسكت يدها وقالت: لا خليكِ بايتة معايا.
هزّت الأخرى رأسها برفض ثم هتفت.
ـ مش هينفع، كفاية اللي حصل أمبارح مش ناقصة يلا باي.
ودعتها وغادرت المنزل وعادت لمنزلها الكئيب كما تطلق عليه، بينما أسيل فترجلت لغرفتها وظلت جالسة فيها وهي شاردة الذهن في كل شيء يحدث وحدث حولها، حتى جاء على ذهنها فكرةً ما، وقررت في تنفذها غدًا.
                        *******************
- أخوكِ لسه مظهرش يا هانم، أخوكِ مصمم يطلعني عيل قدام الناس!
هكذا صاح حسن والد ليان، نظرت له ليان بحزن ثم هتفت قائلة بيأس:
ـ أنت ليه مش مصدق؟ حقيقي نوح أتنقل لعالم تاني، دي... دي الحقيقة.
فقد اعصابه، لم يستطع أن يسيطر على نفسه أكثر من ذلك، أقترب منها ومسك معصمها بعنف ثم صاح فيها بغضب:
ـ أنتِ عايزة تجننيني؟ بقى أخوكِ الصايع يهرب قبل فرحه بأسبوع عشان العروسة مش على هواه؟ عايز يخلي راسي في الأرض مع اهلها؟ عايز... عايز يخرب بيتي ويهدّ الدنيا!
شدت على معصمها، تجاهل تآوهاتها ثم واصل صراخ قائلًا:
ـ شكلي كده أنا اللي غلطان عشان دلعتك أنتِ وهو، وشكل كده محدش هيدفع التمن غيرك.
صرخ بأخر كلماته وهو يدفعها بعنف على الفراش، نظر لها بشر ثم تركها وخرج، بينما هي فمسكت ذرعها بآلم وسقطت دموعها، كانت تبكي وهي تستنحد بأخيها، فَهو كل شيء لها من الأساس، علاقتهم لم تكن علاقة أخ وأخت فقط، بل علاقتهم عدت ذلك الحاجز بكثير، فهم كانا أعز أصدقاء لبعضهم، وأيضًا أصدقاءه يكونوا أكثر من أخوه لها، دائمًا نوح يشاركها كل تفاصيله وهي أيضًا؛ فكيف عليه الآن أن يختفي من عالمها هكذا؟ لم تنتبه لتهديد والدها، فكان كل بُكاها على غياب أخيها، وقساوة أبيها عليهم، فهو غير مُبالي على غيابه، كل ما يهمه هو شكله والمصيبة التي ستحدث أن جاء موعد الزفاف والعريس غير موجود.
ظلت تبكي وتبكي حتى تعبت ونامت في مكانها.
                        *******************
_ هو أنتِ أيه؟ مبقاش ليكِ أهل خلاص؟ كل ساعة برا البيت في حته شكل! وبعدين فين مرتبك؟ ولا صرفتي في الهوا؟ طبعًا ما أنتِ على طول صايعة.
هكذا كانت تصيح إبتهال والدت ليلى، فأستقبلتها عندما وصلت البيت بسيّل من الصياح والسبّات والتُهم، بينما الآخرى كانت تقف وتسمع لصراخها فقط، أنتظرت حتى أنتهت ثم أردفت قائلة ببساطة:
ـ كنت عند أسيل يا ماما، ومرتبي فين؟ مفيش مرتب، عشان معملتش مبيعات من أول الشهر، وعشان كده أترفدت.
جحزت عين والدتها بذهول؛ فكيف تقول لها هذا بتلك البساطة! نظرت لها بعدم تصديق ثم هتفت وهي تلتقط منها حقيبتها بعنف:
ـ يسلام؟ هاتي الشنطة دي.
أخذت منها الحقيبة وبدأت في البحث عن أي نقود فيها، كانت ليلى تنظر لها والدموع تلمع في عينيها.
لم تعثر على نقود! فنظرت لها بضيق ثم صاحت عليها من جديد: ـ هو أنتِ أيه؟ مش فالحة في أي حاجة! دراسة وفشلتي فيها، علاقات ومحدش بيضيقك بسبب عمايلك السودا، حتى الشغل! أنتِ يا بت عايشة ليه فاهميني؟
أذدردت ريقها بصعوبة بالغة، كانت كلماتها مثل للأسهم الذي تخترق قلبها دوت رحمة، لم ترد عليها، نظرت لها بأسى من قسوتها ثم ترجلت لغرفتها، بالطبع أمها لم تصمت عند ذلك الحد، فواصلت صياح وإهانات، بينما الأخرى فكان فاض بيها الكيّل، فأنهارت على فراشها دون رحمة، دائمًا أمها تُقلل منها، دائمًا تُهشم فيها هكذا، لم يعجبها شيء، كل ما يهمها هو النقود فقط، لكي يكون لكي قيمة أعملي وأعطيني ذلك النقود لكي تكون مصاريف لكِ، تريد أن تحمل المسئولية لكي تصبح فتاة مسئولة، دائمًا تحقنها بكلماتها السامة، في اعتقادها إنها هكذا ستجلعها أحسن وأفضل وتعمل على حالها أكثر، لا تعلم إنها هكذا تُحطمها بالبطيء، تقتل روحها وكل شيء جميل بداخلها، لا تعلم كم الكوارث النفسية التي تسببت فيها، لا تعلم كم ابنتها تعاني بسببها!
                        *******************
أنتهى اليوم على أبطالنا، استيقظت أسيل بنشاط وأرتدت تيشرت أزرق وسروال أسود وصففت شعرها كديل حصان ثم ذهبت لعاملها.
بعد إرهاق وتعب المواصلات أخيرًا وصلت لجيهاتها، تلك الشركة التي تكون شركة كورسات، وهي تعمل بها كإحدى موصفة خدمة العملاء، استلمت عملها فور وصولها، ثوانٍ حتى أجرت أول مكالمة تليفونية؛ فأتصلت بالعميلة وشرحت لها عروض الشركة والكورسات المتاحة، أنتهت من الحديث ثم سألتها أخيرًا:
ـ تحبي يا فندم تستفادي بأي عرض؟
-أيوا يعني دي عروض أيه مش فاهمه؟
تنفست الصعداء وهي تغمض عينيها؛ فتقسم إن تلك المهنة ستقضي على عمرها عاجلًا أم أجلًا، تنفست بهدوء ثم قالت:
ـ دي عروض كورسات أنجليزي يا فندم.
-وطبعًا العروض دي ببلاش؟
جزت على أسنانها ثم قالت لها أسعارهم من جديد ثم سألتها:
ـ أنهي عرض المناسب لحضرتك يا فندم؟
-يختي مادام أنتوا مش ببلاش وهندفع فلوس ليه بتتصلوا بينا وبتقرفونا معاكم؟ ولا أنتوا مش لاقين حد يعبركم فقولتوا تحلّقوا على الناس في التليفون!
كادت أن تُصيب بجلطة نصفية بسببها، جزّت على أسنانها أكثر ثم هتفت قائلة:
ـ يا فندم حضرتك اللي سألتي البيدچ على عروضنا وسبتي رقم تليفونك يا فندم.
-بجد والله؟ أستني كده أسأل البت ملك لتكون هي اللي اتدكم رقمي.
-يا فن..
-بت يا ملك أنتِ يا بت.
هكذا سمعت صياح السيدة في أذنها وهي تصيح على أبنتها، وبالطبع لم ينتهي الأمر هكذا؛ فواصلت السيدة صياح في أذنها.
-أنتِ يا بت بتدي رقمي للناس يا بت؟
-لا والله يا ماما تلاقيهم بيضحكوا عليكِ.
-طب تعالي شوفي العروض دي يمكن تعجبك حاجة، تعالي يلا وخلي البت اللي معايا على الخط تقولهم ليكِ.
فاض بيها الكيّل، نفذ صبرها فلم تشعر بحالها غير وهي تصيح فيها بحنق:
ـ جرا أيه يا وليه؟؟؟ ما خلاص كلتوا دماغي، الله يخرب بيت دي شغلانة على الصبح.
صرخت فيهم بعصبية ثم أغلقت الهاتف في وجههم، نظرت للهاتف وهي تبتسم بإنتصار، ولكن لم تدوم تلك السعادة طويلًا، ثوانٍ بالضبط مرت عليها حتى جاء لها مكالمة من حبيب، وفور رفع سماعة الهاتف جاء صراخه الذي صم لها أذنها:
ـ خمس ثواني وتكوني على مكتبي.
صرخ عليها ثم أغلق الهاتف في وجهها، خبطتت على رأسها بحنق وهي تستعد لذلك الشجار، نهضت وترجلت لمكتب مستر حبيب، وفور دخولها لمكتبه صاح في وجهها بنفاذ صبر:
ـ بتقفلي السكة في وش العملاء يا أسيل؟؟؟
نهى كلماته وهو يخبط على مكتبه بعنف؛ فزعت الأخرى مِنه، فنظرت له بتوتر ثم أجابت:
ـ ما هي اللي مستفزة!
نظر لها بشر ثم خلع ساعديه ووضعها أمامه وهو يقول:
ـ  بقى بتقوللها جرا أيه يا وليه؟
ابتسمت بسماجة وهي تتابعه بعينيها ثم أردفت:
ـ أصلها عصبتني.
نهض بعصبية ثم صرخ فيها بنفاذ صبر:
ـ أنتِ عايزة مني أيه؟؟؟ عايزة مني أيه قوليلي؟؟؟ خصم وبخصم، جزى وبجازيكِ، أهبب أه تاني؟؟
-أرفدني يا مستر حبيب مش محتاجة ذكاء.
هكذا صاحت بحنق وهي تكتف ساعديها أمام صدرها بتذمر، نظر لها بشر ثم صاح عليها من جديد:
ـ ما المشكلة أنك بنت صاحبي الله يرحمه، مش عارف أرميكِ برا الشركة! والمشكلة برضة أن برغم طولة لسانك إنك شاطرة!
ابتسمت من جديد بسماجة ثم هتفت قائلة:
ـ أديك قولت أهو شاطرة وبكسّبك، مش عايزين حوارات بقى.
-يا بت أرحميني.
لم تهتم لوجهه الذي كان على وشك الأنفجار؛ فقالت أخر كلماتها ثم تقدمت من مكتبه وجلست أمامه وقالت ببراءة:
ـ أنا عايزة منك طلب على فكرة.
تنفس بهدوء ثم جلس مرة أخرى وقال:
ـ خير إن شاء الله؟
- في أتنين أعرفهم عايزة أشغلهم معانا.
نظر لها بستنكار ثم هتف بسخرية:
ـ حساكِ بتتكلمي بثقة؟
سندت بمعصمها على المكتب وأقتربت برأسها له وقالت بمشاكستها المُعتادة.
ـ أوي أوي يا حبيب يا قمر أنت.
ضحك على طريقتها التي يحبها كثيرًا، تلك الطريقة التي تستغلها في مصلحتها عندما تكون تريد منه شيء.
نظر لها ورفع حاجبيّه وقال لها:
ـ المشكلة يا بت أنتِ أنك مش بتعرفي تعملي حاجة غير إنك تثبتيني، ويا ترى مين دول بقى؟
-بص هي ليلى تكون صاحبتي وأكتر من أختى، وهي بجد شاطرة أوي.
-لسانها طويل زيك؟
نظرت له ببراءة وهي ترفرف برموشها الطويلة وقالت:
ـ والله أبدًا دي أغلب منها متلاقيش.
-والتاني؟
نظرت له وهي تفرك في يدها بتوتر ثم قالت:
ـ يبقى نوح، أبن خالتي.
رفع حاجبيّه بستنكار ثم هتف بعدم أقتناع:
ـ يجدع؟!
نظرت له سريعًا ثم بدأت في سرد تلك الحكاية التي ألفتها البارحة:
ـ  لا بص أنا هفهمك، هو يبقى أبن صاحبة ماما الله يرحمها، وكان مهاجر، وكنا بنتكلم على طول سوا وكده، وهو رجع من السفر من يومين وبيدور على شغل، فأنا قولت مفيش غير مستر حبيب يعني اللي هيشغله معروفه.
عقد جبينه بعدم أقتناع، مسك قلمه وبدأ في العبث بيه بعشوائية ثم قال:
ـ أممم... طيب هاتيهم بكرا، بس بقولك أيه، لو شوفت منهم أي حاجة كده ولا كده هيتطردوا ومنغير تحذير كمان، كفاية عليا حضرتك.
تهللت بسعادة كطفل عثر على حلوى للتو، قفزت من مكانها  وحضنته بحب وأمتنان وهي تهتف قائلة:
ـ يسلام عليك يا حبيب يا قمر أنت، والله والله هيرفعوا راسي وراسك وراس البلد كلها، مش هتندم ياباشا.
عانقها هو الأخر ثم قرص خديّها كما أعتاد أن يفعل، ضحكت وخرجت من أحضانه وترجلت لباب المكتب وهي مازلت تشكره وتتغزل فيه، ولكن قبل خروجها سمعته وهو يهتف عليهل قائلًا: ـ صحيح نسيت أقولك أن مخصوم ليكِ 3 ايام يا أسول، عشان تمسكِ لسانك بعد كده مع العملاء.
نهى حديثه ببسمه سمجة، نظرت له بغيظ ثم هتفت بتذمر:
ـ بقى كده يا حبيب؟
-برا يا بت.
-ماشي ماشي..
هكذا خرجت وهي تُدب على الأرض بقدميها مثل الطفل الصغير، تذمرت وظلت تتمتم بكلمات معترضة حتى ترجلت إلى مكتبها حتى تواصل عملها من جديد.
فعلاقتها مع حبيب هكذا منذ زمن، فمنذ وفات والديها وحبيب أخذ مكانة والدها؛ فهو يكون صديق والدها المقرب، ومنذ وفاته وهو يعتني بها، وهو أيضًا الذي عرض عليها العمل معه لكي تكون تحت عينه دائمًا، علاقتهم ببعضهم كأثنين أصدقاء، لا أحد يصدق أن أسيل في سن الخامسة والعشرين وحبيب في سن الخامسة وخمسين، فأيضًا بسبب معالم وجهة لا يظهر عليه السن أبدًا، ذو عيون زرقاء مثل البحور، وبشرة بيضاء، وقسمات وجهه مُريحة ومُبهجة! فالذي ينظر له يقول إنه فتى أروبي وليس من أصول مصرية.
                        *******************
كانت ليلى تقبع في منزلها لا تفعل شيء يذكر، ولكن جاء لها مكالمة من أسيل تخبرها إنها تريدها ضروري بخصوص عمل جديد لها، تهللت ملامح وجهها وقفزت سريعًا من على الفراش لكي تخبر والدتها، بالطبع تشاجرت معها بسبب كثرة خروجها من المنزل لكنها في نهاية الأمر وافقت عندما علمت إن أسيل جلبت لها عمل جديد، غابت لدقائق في غرفتها لكي تبدل ملابسها ثم رهلت سريعًا لـ أسيل.
-كانت أسيل عادت لمنزلها للتو، ثوانٍ تقريبًا بعد دخولها لمنزلها وكانت وصلت ليلى لها، رحبت بيها ثم لم تلبث ليلى وسألتها.
- بجد لقيتي ليا شغل يا أسيل؟؟
ضحكت أسيل على صديقتها ثم قالت:
ـ آه يختي، كلمت مستر حبيب عليكِ أنتِ ونوح ووافق يشغلكم.
عندما سمعت أسم نوح ضربت على رأسها بتذكر، سألتها أين كانوا عثروا على حل أم لا؟ وسردت لها أسيل أخر ما قاله لها نوح، كانت تسمع لها وهي غير مقتنعه بكل شيء تقوله، هل يعقل حقًا أن شاب يقع عليهم من المستقبل! وأيضًا يريد أن يصنع آلة زمن!
تركتها أسيل في صدمتها واستأذنت منها لدقائق، فصعدت لـ نوح وجلبته معها لكي تخبره أخر الأخبار.
جلسوا جميعهم في ردهة المنزل وبدأت أسيل في الحديث موجه حديثها لهم.
-بصوا بقى، بما أن استاذ نوح شكله مطول معانا، فأنا قولت لازم نشوف ليه شغلانه؛ لذلك أنا كلمت مستر حبيب ووافق أنه يشغلك يا نوح، وكمان أنتِ يا ليلى، يعني كده هننزل من بكرا الشغل سوا، ومستر حبيب قولتله أنك معرفة، يعني مامتك تكون صاحبة مامتي الله يرحمها، وكنت مهاجر، عشان مستر نوح يعرف كل قرايبي ومكنش هيصدق الكدبة الفكسانة دي، فاهم حاجة؟
كانت تسرد لهم كل شيء بحماس شديد، قابلتها ليلى بنفس الحماس، ولكن قطع ذلك المشهد نوح وهو يصيح يتذمر:
ـ وأنا هشتغل عندكم أيه إن شاء الله؟
نظرت له أسيل بغيظ، ضيقت عيناه ثم هتفت قائلة:
ـ  كول سنتر يا عسل، شركة كورسات أنجليزي، وحضرتك بتتصل بالعملاء تقولهم العروض اللي موجودة.
كان بنظر لها بعدم تصديق، نهض من مكانه ثم صاح بإعتراض: ـ
ـ كول أيه؟؟؟ دي... دي شغلانة بتاكل الدماغ يا أمي! وبعدين هي كول الزفت دي ورايا ورايا، لا بقى على جثتي.
هكذا صاح بتذمر، بينما أسيل فكانت تنظر له بستنكار من أعتراضه، ثوانٍ ثم نهضت بعصبية وصرخت هي في وجهه بنفاذ صبر:
ـ أنت ياض أنت حد مسلطك عليا! يعني شحات وبيتأمر كمان! مش تحمد ربنا يا عره أن حد رضي يشغلك وأنت ولا معاك خبرة ولا زفت على دماغك!
وبتهجم رد عليها قائلًا:
ـ خبرة أيه يا عسل أنتِ! ده كول سنتر أنتِ مصدقة نفسك؟
-أنت بتتريق على شغلي ياض أنت! طب سبوني عليه بقى.
قالت أخر كلماتها وهي تمسك في ملابسه وتود أن تضربه! بينما ليلى فوقفت بينهم سريعًا محاولة لفضّ الشباك بينهم.
كان صوت شجارهم يصل لأخر العقار، دقائق ودخل عليهم مصطفى، فكان الوضع كالتالي، أسيل تقف في ردهة المنزل تمسك في سترة نوح وتسبّه، وليلى تقف بين أسيل ونوح تحاول فضّ ذلك الشباك، ونوح يحاول التخلص من يد أسيل وهو يصرخ فيها.
نظر لهم لثوانٍ حتى صاح فيهم بغضب:
ـ هو أيه اللي بيحصل ده؟؟؟
فزعوا جميعًا من صوته، تركت أسيل نوح ونظرت لمصطفى بتعجب، بينما نوح فتنحنح بحرج وقال وهو ينظر لمصطفى:
ـ عامل ايه؟
لم يرد عليه مصطفى، بينما أسيل نظرت له وتسألت بستنكار وتعجب من تصرفات مصطفى:
ـ هو في أيه يا مصطفى؟ رجلك خدت على البيت يعني!
صُدم من ردها! لكزتها ليلى في ذراعها، شعرت بما قالته فتنحنحت وواصلت حديثها لعلها تصلح ما أفسدته للتو.
ـ قصدي يعني منور عامل ايه؟
قالتها وهي على وجهها ابتسامة غبية، بينما مصطفى  فرفع حاجبيّه لها وقال:
ـ رجلي خدت على هنا عشان تصرفاتك اللي بقت كلها غريبة، معدي من تحت البيت سمعت صوت خناق جاي من عندك، بقالي ساعة بتصل بيكِ مفيش رد، قلقت قولت اطلع أشوف في إيه، غلطت كده؟ 
شعرت إنها حرجته بكلماتها، تقدمت منه ومسكت يده لكي تجلسه على الأريكة ولكن لم تلبث أن تفعل شيء بسبب دخول أم عبير عليهم وهي تنظر لهم بسخرية، وقبل أن تتفوه بشيء نظرت لها أسيل وهتفت بتعجب بسبب ما يحدث حولها، وبالأخص في منزلها!
ـ مشاء الله، هو مال البيت قلب لسوق ليه؟ خير أم عبير في حاجة؟
ضحكت بها تلك السيدة بإصفرار ثم قالت بتهجم: في كتير يا حببتي، في أن المسخرة اللي بتحصل في البيت دي متنفعش ومتعجبناش، إيش رجالة دخلة ورجالة خارجه، في أيه؟؟ كده عيب يا ماما أنتِ عايشة وسط عائلات وناس محترمة.
نهت كلماتها وهي تصيح فيها بصرامة، بينما أسيل فكانت تستمع لكلماتها وهي تتضغط على يدها بقوة، حاولت بكل استطاعها أن تسيطر على غضبها لكن كل محاولاتها باتت بالفشل، فبدون إدنى مقدمات كانت تتقدم منها وتهتف في وجهها بصخب:
ـ هو أنتِ قصدك أيه معلش؟؟ رجالة أيه يا حببيت اللي بتقولي عليه؟ الرجالة اللي هي خطيبي؟ خطيبي اللي جايلي وابن خالتي وصاحبتي معايا في الشقة عشان ميبقاش جايلي واحنا لوحدينا؟ ولا قصدك على أبن خالتي اللي قاعد معايا أنا وصاحبتي؟ ولا أنتِ مالك اصلا يا أم عبير؟؟ وبعدين ليه محسساني إني قلبت البيت لبيت ليل لمؤخذة؟ لا بقولك إيه فوقي كده وشوفي أنتِ بتكلمي مين، أنا أسيل صلاح الدين، اللي أبويا مربيني أحسن تربية يا حببتي، وبقف وسط الرجالة بكون أرجل منهم كلهم.
نهت كلماتها وهي تنظر لها بتحدٍ، كانوا سكان العقار كلهم أجتمعوا على صوتهم، بينما أم عبير كانت تنظر لها ودماءها تغلي في عروقها، نظرت لها ثم صاحت فيها من جديد:
ـ  يعني الحق عليا أني خايفة عليكِ يا أسيل؟ ده جزاتي؟
لم ترد عليها أسيل من الأساس، بينما أم حسن تدخلت وهي تسحب أم عبير  من ذراعها وتقول:
ـ خلاص يا جماعة حصل خير، عن أذنك يا أسيل يا حببتي، ولو على كلام خالتك أم عبير، فمن خوفها عليكِ وعلى كلام الناس يا حببتي، يلا فوتك بعافية.
نهت كلماتها وأخذت أم عبير وغادرت المنزل، بينما ليلى فنظرت لباقي السيدات التي مازالوا واقفين وصاحت فيهم بعصبية: ـ خلاص يختي أنتِ وهي خلصنا، بيتك بيتك يلا.
نهت كلماتها وهي تترجل نحو الباب منتظراهم أن يغادروا لكي تغلق الباب، أنفض الحشد وأغلقت ليلى الباب بعنف، كان نوح يقف ينظر لهم بتعجب بسبب تصرفاتهم، ويشعر إن هو السبب في كل ذلك المشاكل التي تحدث لتلك المسكينة، لذلك لم يتفوه بشيء، بينما مصطفى فنظر لنوح ثم نقل نظراته لـ أسيل، وقبل أن يتفوه بشيء كانت أسيل تنفجر فيه هو بغضب:
ـ هو أنت بجد مش مكسوف من نفسك؟؟؟
-نعم؟ في أيه يا أسيل؟
هكذا سألها بتعجب، لكن الأخرى لم تهتم بكلماته، ولا لنظراته التي أنتقلت بين نوح وليلى، وواصلت صراخها.
ـ في أيه يا أسيل! أنت بتسأل؟ شايف وحدة مترتبتش بتغلط في شرف خطبتك وأنت واقف ساكت وتقولي في أيه يا أسيل؟ أنت.. أنت مفكرتش حتى ترد عليها؟ أنا وقفت ساكته مستنيه رجلي يجبلي حقي لكن لقيت أن حقي وشرفي هيتداسوا في الرجلين لو أستيتك ترد! أنت متخيل؟ أنت.. أنت بجد أزاي كده؟؟؟؟
نهت كلماتها وهي تصرخ في وجهه بغضب، نظر لها دون أن ينطق، فماذا ينطق من الأساس؟ هل يقول لها أن كلام السيدة مُحق؟ وإن أي شخص في مكانها كان قال ما قالته؟ وإنه هو الذي حُرج لأن خطيبته وضعته في ذلك الموقف من الأساس؟ هل من المفترض أن يقول لها كل ذلك؟ لكنه صمت وفقط أكتفى أن يقول لها:
ـ دي ست كبيرة يا أسيل، هتخانق معاها يعني؟
حقًا رده حرق لها دمائها أكثر من كلمات السيدة، نظرت له بغيظ ثم نظرت للباب وقالت وهي ترسم على ثغرها ابتسامة مصطنعة ثقيلة:
ـ طب بعد إذنك بقى عشان عايزة أنام.
أحتقنت الدماء في وجهه حتى شعر إن وجهه على وشك الإنفجار، نظر لها في توعد ثم غادر المنزل دول إضافة أي كلمة أخرى، وقبل أن تتفوه ليلى بشيء كانت أسيل تنظر لهم وتصيح فيهم بغضب:
ـ برا أنتوا كمان، قاعدين ليه؟
قالت ما قالته وهي تمسك ذراع نوح وليلى وتتجه بيهم نحو الباب، وبالفعل خرجتهم من منزلها تحت نظراتهم المذهوله، ثم أغلقت الباب بعنف.
جلست على الأرض بتعب ثم دخلت في نوبة من البكاء...
بينما ليلى فنظرت لنوح بحرج وقالت له:
ـ معلش، أنت شوفت بنفسك اللي حصل.
حك شعره بيده ثم قال بآسف:
ـ معلش أيه، أنا حاسس أني بدمرلها حياتها، حقيقي أنا مش عارف ممكن اعملها أيه عشان أصلح اللي بهببه ده.
ابتسمت ابتسامة بسيطة ثم قالت له لعلها تخفف ذلك الأجواءالمشحونه.
ـ  ولا حاجة، كل حاجة هتتحل، يلا اشوفك بكرا في الشغل بقى.
-سلام.
هكذا ودعوا بعضهم، وهكذا أنتهى اليوم دون أحداث جديدة
                        *******************
أما في مكانٍ أخر، بعيدًا عن هذا العالم، كان زين يجلس في أحدى المقاهي الليلة التي أصبحت متواجده في كل مكان حولهم تقريبًا، كان يجلس على "البار" وفي يده ذلك المشروب الذي يتخيله إنه ليس مُحرم، لأنه لا يوجد بهِ كحول! ولكن في الحقيقة هو مُحرم بالفعل!
كان يشرب منه بشرهة كبيرة حتى أقتربت منه فتاة من الواضح إنها تعمل في ذلك المكان، جاء وفي يدها كأس خمر وجلست بجواره، وضع أمامها بعض المسليات ثم هتف دون النظر لها.
ـ زين، وأنتِ؟
-عشق.
نظر لها لأول مرة، كانت فتاة ذو بشرة سمراء، وشعرها المموج يعطي لها جمال من نوعٍ خاص، وعينيها بنيّة وتغطيها رموش كثيفة، نظر لها بإعجاب ثم سألها:
ـ شغاله هنا؟
قهقهت عاليًا ثم قالت ساخرة:
ـ أنت شايف أيه؟
وجه نظره أمامه ثم أرتشف من الكأس الذي في يده ثم سأل:
ـ طب ليه؟
ضحكت من جديد ضحكات عالية ثم واصلت بسخرية:
ـ عشان الحُجة يا عسل، هيكون ليه؟
- بس أنتِ جميلة أوي على فكرة، ليه ترخصي نفسك كده؟
صُعقت من كلماته! نظرت له وطبقة رقيقة من الدموع ظهرت في مقلتيها، لكنها لم تكترث لها، فقط هتفت بضيق:
ـ وأنت مش شايف نفسك رخيص عشان قاعد في نفس المكان اللي أنا قاعدة فيه؟
رفع كتفيه بلا مبالاة ثم قال وهو يحتسي من الكأس.
ـ  أنا ولد، أقعد في المكان اللي أحبه، وبالمناسبة مقصدش أضايقك حقيقي، هي كلمة خرجت مني منغير ما أقصد.
مسحت عينيها بطرف أصابعها ثم قالت:
ـ ولا تقصد متفرقش كتير.
-بالمناسبة، شكرًا على المجاملة اللطيفة بتاعتك، مع إنك قولتها وسط دبش.
قالت كلماتها ثم تركته وذهبت لبعيد، نظر لأثرها بتعجب، لا يعلم لماذا قال لها تلك الكلمات السخيفة، بنت تعمل في ذلك المكان؛ فكيف عليها أن تكون؟ ولماذا قال لها هكذا من الأساس؟ حاول أن يجدها من جديد لكنه فشل، كأنها تبخرت مع هواء ذلك المكان! وبعد محاولات فاشلة أن يعثر عليها غادر المكان بأكمله!

يتبع....
#رحلة_عبر_الزمن
#الفصل_الرابع
#NORA_SAAD

رحلة عبر الزمنWhere stories live. Discover now