الفصل الخامس

3K 246 20
                                    

مرّ اليوم على أبطالنا بسلام، وأشرقت شمس يوم جديد.
كانت ليلى ترتدي ملابسها بحماس شديد لكي تذهب لِعملها الجديد، ولكن بالطبع لا تستمر تلك السعادة، فهدمتها لها والدتها وهي تدخل عليها الغرفة وتصيح فيها وهي غاضبة:
ـ يعني هو أنا كلمتي مش بتتسمع؟ هو أنا مش قولت امبارح مفيش شغل مع أسيل اللي هتبوظك دي؟
قلبت عينيها بملل، أخذت نفسها ثم قالت وهي تستدير لها:
ـ يا حببتي يعني البنت كتر خيرها شافتلي شغل، اقولها لا؟ شكرًا مش عايزة؟ وأنا أصلًا محتاجة الشغل!
- يعني ملقتيش شغل غير معاها! وبعدين ما أنتِ لو ناصحة مكنتيش أترفدي، لكن أقول أيه، طول عمرك فاشلة.
هكذا صاحت فيها والدتها ثم تركتها وغادرت الغرفة، بينما ليلى فنظرت لأثرها وهي تبتلع كلماتها على مضضت، ثوانٍ ثم ترجلت نحو الباب وهي تصيح على والدتها وتقول لها:
ـ سلام يا ماما.
-ماشي يا ليلى، لما تجيلي.
هكذا صاحت ابتهال بغيظ، بينما ليلى فركضت سريعًا للأسفل، وأول سيارة أجرة مرت من أمامها كانت تُشير لها وتركب فيها،
نصف ساعة ووصلت لأسيل.
حيّوا بعضهم ثم انضم لهم نوح وهو يرتدي تيشرت رمادي وسروال أسود، ذلك الملابس التي سبق واعطتها له أسيل، تبادلوا التحيّة هُم الأخرين ثم هتف نوح بملل:
ـ فين بقى الشغل ده؟
ردت عليه أسيل وهي تشير لسيارة أجرة أن تقف.
-في المعادي، قريب يعني مش بعيد.
نهت كلماتها وهي تترجل للسيارة، حيث أستلقت هي وليلى على الكنبة الخلفية ونوح كان بجانب السائق، قفل الباب ثم نظر لهم بملل وهتف قائلًا:
-ياربي، بجد مش مصدق أن الأسماء دي لسه موجودة!
نظرت أسيل لـ ليلى سريعًا، وبصوت واحد كانا يسألون:
ـ هي الأسامي أتغيرت؟
لم يهتم للرد عليهم، فقط نظر للطريق التي أمامه وشرد الذهن، فحقًا كل شيء مُعقد حوله، وإشتاق لأخته كثيرًا، لا يعلم ماذا تفعل مع والده بمفردها؟ ودون مقدمات جاءت عينه على تلك الساعة التي يرتديها، لمعت عينه بحماس ثم أستدار لهم فاجأة وهتف عليهم قائلًا:
ـ الساعة، أحنا نسينا الساعة.
نظرت له أسيل بعدم فهم؛ حتى هتفت ليلى بتذكر:
ـ  أنت أفتكرت بتشتغل أزاي؟؟؟
- أيواا.
نهى كلمته وهو يخلعها من يده ويمسكها ويوجهها في أتجاه الشمس، نظرت له أسيل بتعجب من تصرفاته ثم سخرت قائلة:
ـ والنبي! يعني جاي من المستقبل والساعة بتشتغل بالطاقة الشمسية؟
نظر لها بستحقار شديد! ثم هتف وهو مازال مَدت يده بالساعة في أتجاة الشمس.
- أنتِ متعرفيش أن الطاقة الشمسية دي في المستقبل هتكون هي مصدر الطاقة الرئيسي لينا؟ المياة هتقِل والسد العالي مش هيوصل طاقة لكل الأجزاء، وأعتمادنا الكلي هيبقى على الطاقة الشمسية.
حقًا أنبهرت أسيل وليلى ومعهم السائق بما سمعوا منه! وفي ذات الوقت التخيل نفسه بث في نفسهم الخوف من المستقبل، لذلك لم يعقبوا، فقط نظروا لبعضهم وفضّلوا أن يصمتوا، ولكن قطعت ذلك الصمت ليلى بسؤالها:
ـ هي بتقعد كتير تشحن؟
تنهد ثم نظر للساعة بملل وقال:
ـ  للأسف، هي ممكن تقعد يومين كاملين تشحن شاحن كامل، لكنها ممكن تقعد ساعات بس لحد ما البطرية تشتغل.
-ده أنت معاك ربنا، أنا بقول نسبها على السطح تشحن براحتها وتتشمس.
هكذا قالت أسيل بسخرية وهي تهبط من السيارة بعدما وقف السائق أمام الشركة المنشودة، بينما نوح فنظر لها بقرف ثم صاح فيها وهو يترجل خلفها وبجانبه ليلى:
ـ تتشمس! على فكرة الساعة دي أمآلي الوحيد.
لوت شفتيها ساخرة وقالت:
ـ  شكله أمل بايظ، أتنيل أتنيل.
نهت كلماتها وهي تدخل للشركة، وفور دخولهم تجمعت عليهم الأنظار، توترت ليلى ونوح بسبب نظراتهم، بينما هي فنظرت لهم بملل ثم صاحت عليهم قائلة:
ـ ساموا عليكوا يا عسلات، عاملين أيه؟
لم يأتي رد، فقط جميعهم أستدار لكي يكون في وجه حاسوبه وواصلوا  عاملهم في هدوء، بينما هي نظرت لهم بتعجب وقبل أن تُسبهم وتصرخ فيهم كاان مستر حبيب يظهر أمامها، كان يرتدي سترة رمادية وربطة عنق فيها من اللون السماوي والأسود والرمادي، كان يقف أمامها ويضع يده في جيب سرواله، ابتسمت له ابتسامة بلهاء وهي تقول:
ـ  أزيك يا مستر؟
ابتسم لها بإصفرار ثم نقل نظراته بين نوح وليلى ولها، كان ينظر لهم بتقيّم، بينما هُم كان القلق والتوتر ينهش فيهم وفي اعصابهم، نهى كل ذلك صوت حبيب وهو يقول لهم بنبرة صارمة:
ـ حصلوني على المكتب.
أنتهى من كلماته وتركهم وترجل لمكتبه في خطوات ثابتة، بينما ليلى نظرت لـ أسيل وهمست لها من بين أسنانها:
ـ بقى أنا بقولك بخاف من الناس ومش بحب أتعامل معاهم، تجبيني أشتغل مع كل دول؟ ومع هتلر ده؟ يشيخة منك لله.
                      *******************
دعنا ننتقل لزمانٍ أخر، كان يامن وزين وليان يجلسون في ذلك المطعم المُعتاد.
كان صوت شجارهم وصراخم يُسمعه كل مَن في المطعم، ولكنهم لم يهتموا لأحد، ولا حتى لكم العيون التي تنظر لهم بتعجب وإحتناق بسبب عِلو صوتهم.
كانت ليان تنظر ليامن بغيظ ثم هتفت بحنق:
ـ أنت ناوي تجنني أنت والدكتور المهلبية بتاعكم ده! الساعة لحد دلوقت مشتغلتش ليه؟ مش لو كان رجعتله الذاكرة كان أفتكر بتتشحن ازاي، ومعنى أنها مشتغلتش يبقى مفتكرش أصلًا.
هكذا صاحت فيه بحنق، بينما زين فنظر لها بملل ثم هتف:
ـ اللي سمعه من الدكتور قاله هو ماله بقى! بتطلعي عفاريتك علينا ليه؟؟؟
نهضت من مكانها بعصبية ثم واصلت صياح عليه:
ـ  أنت بارد ليه؟؟ عارف شكلك مش بتحب نوح وأنت السبب في اللي حصله، أيوا أنت السبب أنت اللي خفيت اخويا.
نهت كلماتها وهي تتنفس بعنف، بينما زين خبط على رأسه بيأس ولم يعقب، فهي هكذا منذ أن رأت وجههم، تصرخ عليه تارة وتصرخ على يامن تارة وتبكي تارة أخرى، بينما يامن فوقف بجانبها بهدو وربت على ظهرها بحنو وهو يقول لها:
ـ هو ممكن تهدي؟ أحنا هنفضل قاعدين أنهاردة طول اليوم مع بعض ومش هنمشي غير لما نخليكِ تكلمي نوح أتفقنا؟
دون شعور سقطت بعض قطرات الدموع من مقلتيها، مسحتها بطرف ملابسها وجلست مرة أخرى.
بينما زين مسك قائمة الطعام ثم هتف وهو ينظر لها بتركيز:
ـ أنا جعان تاكلوا؟
                        *******************
- الشغل عندي في نظام، كل المكالمات متسجلة، لازم يكون كلامك مع العميل مُهزب ومنمّق، وأن في يوم فكرت أنك ترد على العميل بتطاول بيكون ده أخر يوم ليك هنا.
خلصت كلامي حد عنده اسئلة تاني؟
كانت تلك كلمات مستر حبيب، فكان يلقي على نوح وليلى ومعهم أسيل تعليمات العمل، ومع كل تحذير كان يقوله لهم كان ينظر لأسيل نظرات ذات مغزى، نهى خطابه هذا ثم أنصرفوا.
وصل كل منهم لمكتبه الذي وصلوا له الـHr الخاص بالشركة، وكاانت مكاتبهم بعيدة عن بعضها، نظرت أسيل للمسافة التي بينهم ثم لمعت في ذهنها فكرة وقررت في تنفذها، تابعت ذلك الذي عرفهم على مكاتبهم حتى أنصرف ثم أقتربت من مكتب زميلتها عائشة والذي يكون مكتبها الفاصل بين مكتبها ومكتب ليلى، نظرت لها ببتسامة ثم قالت لها:
ـ بقولك أيه تيجي نبدل؟
نظرت لها بجهل، فواصلت أسيل موضحة لها:
ـ  نبدل المكاتب، تعالي مكاني وأنا مكانك.
نظرت الفتاة لمكتبها قم قالت بأسف:
ـ معلش يا أسيل، بس أنا اتعودت على مكتبي، ومستر حبيب ممكن يزعق.
نظرت لها بحنق وهي تمسك حالها من الصراخ في وجهها، وقبل أن تفكر في شيء كان مستر حبيب فوق رأسها وهو يقول لها:
ـ خير مبدأتيش شغلك ليه؟
تعجبت لماذا يحدثها بصيغة المفرد، وقبل أن ترد أو تستوعب رأت نوح وليلى جالسين على مكاتبهم وبدأوا في العمل! نظرت لهم بغيظ وهي تُسبهم بداخلها، نظرت لحبيب ثم هتفت قائلة:
ـ بقولك أيه؟ ما تنقل مكتبي جمب البت ليلى؟ وحيات أمك يا حبيب والله ما هعمل صوت.
نظر سريعًا على الموظفين وتأكد من عدم سماع أحد لكلماتها، نظر لها بغيظ ثم هتف من بين اسنانها بغيظ:
ـ  أنتِ أمتى يا بت هتحترميني؟ وبعدين حد قالك أنك جاية كافية تقعدي مع صحابك، أسيل 3 دقايق لو ملقتيكيش على مكتبك وبدأتي شغل وديني لخصملك باقي الأسبوع.
هكذا حذرها ثم تركها وعاد لمكتبه، بينما هي فنظرت له بغيظ وترجلت نحو مكتبها وهي تتمتم حانقه:
ـ  يووه بقى، خصم خصم، وفي الأخر مش بلاقي في القبض 500ج على بعض!
نقلت نظرها بين ليلى وعائشة ثم وجهة حدثها لليلى بتوعد:
ـ بقى أنا بحاول أخلي مكاتبنا جمب بعض وأنتِ بتخلعي؟ ماشي يا ليلى استني عليا.
نظرت لها الأخرى ببتسامة بلهاء ثم هتفت بتساؤل وهي تنظر لسطح المكتب بستحقار!
ـ هو المكتب معفن كده ليه؟ أنا بقالي ساعة بنضف فيه ومش راضي ينضف!
-معلش بقى أحنا شركة معفنة، أخرسي يا بت عشان مقومش أطلع عفاريتي عليكِ.
وقبل أن تبدأ أسيل في العمل وتتصل بأول عميل، سمعت نوح الذي كان صيح في الهاتف بعصبية:
ـ يا استاذ بقولك دي العروض اللي موجودة، هو لو في عرض بالسعر اللي أنت عايزه هخبي عليك ليه؟؟؟
خبطت على خديها وهي تسب نفسها ونوح والعملاء، رهلت عليه سريعًا وهي تتمتم لنفسها قائلة:
ـ هيترفد من قبل ما يشتغل أبن الهبلة، أنت بتهبب أيه؟
هكذا سألته بصوت منخفض وهي تميل عليه، بينما هو نظر لها وهو يكاد أن يصاب بشلل، أخذ نفس وهدأ من حاله عندما أشارت له بأن يهدأ؛ فتقريبًا تذكر حديث مستر حبيب فتراجع في الحديث وبدأ يواصل المكالمة بهدوء وتمالك أعصابه، بينما أسيل فجلست على الكرسي الذي بجواره وبدأت أن تتابعه حتى انتهى من المكالمة، وقبل أن يتفوه بشيء كانت هي التي تتشبث في ملابسه وتقول له بتحذير:
ـ أنت عارف لو عملت اللي عملته ده تاني هيحصل أيه؟
نظر ليدها التي مسكت ملابسه وسأل بتعجب:
ـ  أيه؟
فلتت يدها من ملابسه، نظرت على زملائها وعيونهم التي بدأت في رصدهم، ابتسمت بتصنع ثم أقتربت من اذنه وهي تقول:
ـ هترفد أنا وأنت والبت الغلبانه اللي هناك دي، فاتلم وخد بالك من كلامك.
أنتهت من كلماتها ثم ترجلت نحو مكتبها من جديد، بينما هو فتنفس بعصبية وهو يقول لحاله إن كل ذلك العبث سينتهي، هو فقط وقت وكل شيء سيعود كما كان.
                        *******************
بعد مرور نصف الوقت في العمل، دقت أخيرًا ساعة الراحة.
جلسوا جميعهم على تلك الطاولة التي تقبع في غرفة صغيرة بجانب باب الشركة الرئيسي، كانت البيتزا أمامهم على الطاولة، ورأحتها فاحت في المكان بأكمله، نظرت أسيل للطعام بشراهة كبيرة ثم أنقضت عليه دون رحمة.
بعدما أنتهوا من تناول الغداء نظرت ليلى لـ نوح وسألت:
ـ هي راحت فين الساعة؟ شحنت؟
كلماتها ذكرته بها، خبط على رأسه ثم نهض سريعًا وترجل نحو الباب الذي كان بالقرب منهم، غاب لدقائق عنهم تحت نظراتهم المُتعجبه ثم جاء مرة أخرى ومعه الساعة، نظر لهم وقال بحماس:
ـ الساعة فتحت.
نظروا له بتعجب ثم صاحت أسيل متسأله:
ـ أنت سبتها فين؟؟
أجاب عليها ببساطة وهو يجلس من جديد:
ـ سبتها تحت في الزرعة اللي جمب باب الشركة.
قهقهت أسيل عاليًا ثم هتفت قائلة:
ـ حطتها في زهرية الزرعة، ومخفتش عليها تتسرق؟ تصدق أنك أبن حلال عشان كده متسرقتش.
تجاهل سخريتها منه، فقط كان يعبث في الساعة بعشوائية حتى صرخ وهو ينظر لهؤلاء الذين ظهروا أمامه فاجأة.
-ليان زين يامن!

رحلة عبر الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن