الفصل الأول: حادثة السوق

76 8 1
                                    

فِي مَكَانٍ مَاَ، فيِ مُحَافظَةٍ من مُحَافظاتِ سلطَنةِ عُمَان تدعَى ظفار، تحديداً ولاية مرباط، وَبينَ أزِقّتهَا القديمَةِ وَشوَارعهَا العَريقَة، داخِلَ بيوتهَا رَاقيَة الفنّ وَالطرازِ، حَدثَت قصّة طويلة ذات عبرة ومغزى.

جَميعنَا نَعلَمُ بأنَّ المجتمعات طبقاتٌ، سواءً برجوَازيَة، أرستقرَاطيّة، غنيّة بشَكلٍ عاديّ، ثمّ متوَسطَة وَأخيرًا فقيرَة، وَعَلَىَ هَذا الأساس فإنّنَا نلاحظ اختلاف الفكرِ وَالعاداتِ وَالتّقاليدِ، وحتّى في الأساليبِ وَالطُّرُقِ والإهتمَامَاتِ وَغيرهَا من طبقَةٍ لأخرَىَ.

وَفي ظلّ كُلّ هَذاَ، سَنَذكرُ كُلّ مَا يتعلق بالطَبقَةِ الغنيَّة وَسَنَستهدفُ بالأخَصّ كَيفيَة تفكير هاتهِ الفئَة من المجتمع وَ طرقِ تَعاملهَا فيمَا بينهَا وَخصوصًا أَو بِأسلوب أدَق داخلَ جدرانِ وَداخلَ حَيزِ العَائلَة ذاتِ الغنَى وَالمَكَانَة وَأفرادهَا، وَكذا كَيفيَة التعامل فيمَا بينهَا، وَمَا تخلّفه التَربيَة هناكَ من نَتائجَ سلبيَة وَإيجَابيَة.

أجوَاءُ شَهرِ كَانونَ الثَانيِ تَطرقُ أبوَابَ العالَم إعلانًا عَن مَجيئهَا، في انتظَارِ ضيافَةٍ تليقُ ببرودهَا وَهدوءهَا وَقهوَةِ الصباحِ في كل يَومٍ بصحبتهَا، وَأشعَة الشَّمس ذات الأضواء الخَفيفَةِ قليلَة الحضورِ، وَصَوت الحَطَب فيِ وَضعِ الإلتهابِ وَغيرهَا من أجواء بالغَةِ الفتونِ.

اللّيل حَل وَالضجيجُ قَل، وَباتَ جَميعُ الخَلقِ يحتسي النَوم ليَرتاحَ من شقاءِ أربع وَعشرينَ ساعَة، لَكن، ليسَ الجَميعُ حَرفيِا كَذلكَ، فهنَاكَ مَن صاحبه الأرق وَجالسَه السَّهرُ، إثرَ لَوعَةٍ وَأشَواقٍ أوَ أحزان أَو تفكير مفرَطٍ أَو ألَم أو أيًَّا يكن.

وَعَلىَ سبيلِ ذلكَ نَتوَجّه بأحدَاثنَا الأولَىَ نَحوَ بيتٍ بأربعة طَوَابقَ، ليسَ قَصرًا وَلَيسَ بيتًا عاديًا بنَفس الوَقت، أبيَض ذو طرازٍ فَخم عريقٍ وَبهِ مَا ثَمُنَ وَرَقَى من أثاثٍ.

يَجلسُ في إحدى غُرَفهِ الواسَعة رَجُلٌ خَمسينِيّ مَعروفٌ فيِ مَنطقتهِ وَلَهُ نفوذٌ وَسلطَةٌ في أحد الفروعٍ لشركَةٍ كَبيرَةٍ مختَصّة في بيع وشراء السَيّارات، غارقٌ بينَ مُجَلّداتٍ وأوراقٍ وَوَثائقَ شَتّى، يَحتسيِ القهوَةَ في هدوءٍ رغمَ تأخرِ الوَقتِ، ثم مَن يَمنعُ المخلصينَ في عَملهم وَالمهووسينَ بهِ، من أن يَهتَمّوا؟

دَخَلت عليهِ زَوجَتهُ وَرَاحَت تَجلسُ مرتخية على الكَنبةِ المجَاورَة لمَكتبهِ، ثُمَّ قالت معاتبة إيّاه بعدَ ملاحظتها لتركيزهِ مَعهَا:«مَا كَانَ عليكَ الصرَاخُ هكذا عَلىَ بدر! لِمَ دَومًا تكبر وتعظم المشاكل بهذا الشكل؟ لَم يَكن سوَى خطأ بسيط، مَاذا لَو حَدث مَاهو أكبر، كَيف ستتعامل وَيتعامل هوَ معك وَ نتَ تزرع فيه الرهبَة والردع عَن المواجهة؟ بحقكَ لُمَ تنفعل عليه هَكَذا دَومًا، فهَذا يضره أكثر مما ينفعه، فهو ما يزال مراهقا وفي فترة حساسة كما تعلم، بربكَ يا إبرَاهيمُ افهم قليلاً! راعِهِ، علّمه، وَجّهه، لا أن تَصرخَ وَتهجمَ بكل ذلكَ الغضب عليهِ».

الأبلقWhere stories live. Discover now