الفصل الثالث: في بيت الأجداد

41 7 0
                                    

وسط ضوضاء صدح صوتها من خلف زجاج النوافذ العتيقة التي تستمر في الكفاح باستماتة لردع ولوج الرياح، بدت وكأنها تستمتع باختلاس النظر بين الفينة والأخرى على أهل ذلك المنزل القديم محدثة طرقا خفيفا، انتبه له بدر واستأنس له وبان للعيان أن عقله في غيبوبة تامة، كان متربعا على الأريكة قرب ابن خاله وشقيقه غيهب الذي بدا منهمكا في جو الألعاب وقد انصهر تماما وسحب في عالم لعبة «إيدونتتاي» الإلكترونية بينما تحجب سماعات الأذن عنه صوت قهقهات العائلة التي تجمعت في مجلسين أحدهما للكبار والآخر يخص الشباب الصاعد.

اهتزت كتف زين على ضربة خفيفة من شقيقه شهاب، الذي غمزه ممازحا، مبتسما ابتسامة لعوب:

« إذن يا أخانا الحازم، متى سنفرح بك وتجلب لنا عروسا جميلة؟»

توتر أخوه من سؤال أخيه المباغت وقال بينما يرشق السجادة بعسليتيه في نظرة تائهة:

«لم أجهز نفسي بعد لأصبح مسؤولا عن أسرة بعينها، لدي من الإنشغالات ما يكفي ليحطم الأعصاب ويرفع الضغط. »

هتف ابن خالهم من قريب فيما أخذ يعبث بخصلات شعره الحنطية وقد توسع ثغره:« محق في هذا يا صاحبي، الزواج مسؤولية كبيرة.»

تأفف شهاب متجاهلا كلام ابن خاله وخاطب أخاه: « منذ ولدت وأنت ترتب، ماذا عنك يا بدر؟.» نقل عسليتيه نحو أخيه ورسم ابتسامة مجنونة:

« هل اشتقت إلى صيصان الجدة واجتاحتك الرغبة العارمة في دفن أحدهم تحت التراب البارد كما فعلت قبل أعوام؟ »

انفجر زين ضاحكا وارتبك بدر ولم يعرف أين يهرب بخضراوتيه، أردف الشاب المرح موجها كلامه هذه المرة لشقيقه غيهب الذي كان غارقا في التركيز:

« وهل تذكران في ذلك اليوم حينما قام غيهب بالصراخ في وجهك قائلا<< يا عدو الإنسانية >> و هرول راكضا إلى الجدة يشتكيك إليها.»

قوّس المتحدث حاجبيه على عدم مبالاة الآخر وغمغم في يأس: « إنه خارج التغطية كالعادة. »

فوجىء الجميع حين نطق كحلي الشعر: « لقد سمعتك.»

« لقد كانت مجرد حادثة، عندما اقتربت من الدجاجة وانتفضت في وجهي فقمت بدهسه ومات على الفور. »دمدم بدر بصوت أقرب للهمس لكن يبدو أن صوته لم يكن كافيا ليلفت انتباه أحد.

سكنت الأصوات للحظات من الزمن حتى كسرت السيدة خديجة جليد الصمت موجهة كلامها نحو السيد ابراهيم الذي كان يخطف نظرة لساعة يده بين الحين والآخر، افترضت العجوز أنه مستعجل للمغادرة مع أن الساعة لم تتجاوز العاشرة بعد فليل الشتاء طويل، كان سؤالها يخص أحفادها فكان رد السيد ابراهيم مزلزلا بالنسبة لابنه الأصغر وسط أقربائه:

« على العموم بخير والحمد لله، لقد حصل زين على منصب مهندس صناعي في الشركة، بينما شهاب قد بدأ دراسة الماجستير، كما أن غيهب يبلي جيدا في جامعته، أما عن..» سكت لهنيهة مصوبا سهام نظراته نحو بدر فتوتر الابن وأبعد نظره حين طبع الأب ابتسامة فاترة:« ولا داعي لأذكر أن ابني بدر قد تدهور مستواه الدراسي بشكل مثير للقلق لكنني أعرف كيف سأردعه عن هذا ليسير على خطى العائلة. »

الأبلقWhere stories live. Discover now