الفصل السابع: هاوية

61 4 0
                                    

زَفَرَ الهَوَاء بِضيقٍ ثُمَّ ضَرَب بِعُنفٍ المَكتَبَ الذي أمَامه حَتّى ظَهرَ عليهِ أثر الضَربَة، مَا لبثَ حَتَّى سمِع صَوتَ بكَاء زوجتهِ خارجَ الغرفَة لِيهرولَ نحوهَا واقفًا أمَامَهاَ قائلاً بغضَبٍ: «اسكُتِي أنتِ، لا ينقصنا سوَى بُكَاءُكِ الآنَ».

مَسَحَت فاطمَة وجهها بقسوةٍ وهي تنظر له بسخطٍ لتتكلم بحدّة موجهةً اصبعَ السبّابَة نحوه:

«اسمَع يا هذَا سأتقَبّل منكَ أيّ شَيْءٍ وأتحمّل كل شَيْءٍ تفعله إلّا طردَكَ لأبنَائي...»؛ كَاد يقاطعها لولا علوّ صوتها واحتداد نبرتها أكثر من قبل قائلَةً: «أيّ شَيْءٍ إلّا طردَ أبنائي، إمّا أن ترجعه الآنَ وتجد حلاً له أَو أن أخرجَ دونَ المكوث لثانيَةٍ زائدَة هنَا في هَذا المكان، وأنا أقسم بذلكَ»؛ وختمَت كلامها بتجاوز الآخر والدخول غرفتها مقفلة الباب وراءها بقوّة.

شَدّ على قبضته بإحكَامٍ ثمّ بدأ يدورُ في نَفس المَكَان تَارَةً يَمسحُ وَجهه بكَفّه وَتارَةً يمسك رأسه، حَتَّى توقف قائلاً في نَفسهِ: «مَاذَا سيقول النّاس عنّا الآن؟ إبراهيم طَرَد ابنَهُ منَ البيتِ؟ لدي سبب، وَلاَ دخل لهم، لَكن فقط فكرَة أنّ بدر أحد أبناء ابراهيم قَد باتَ جليسَ الشوَارع تزعجنِي، سَوفَ يقولون عنّي الكَثير وستتشوه سمعتي».

التزَمَ الصَمت لثوانٍ ثمّ ضرب الأرضَ بقدَمهِ مصرًا على أسنانه قائلاً بخفوتٍ: «لن أعيدَه للبيتِ البتّة، حقير مثله لا يستحق أن يَكون هنَا بعد الآن، ليتربى وحده ويتعلم كَيف يعيش وحده مَا دام هَكَذا يقذف الكلام في وَجه أبيه دونَ حياء أو خَجل».

أغمَضَ عينيهِ زَافرًا الهَوَاء بضيقٍ مُلتفتًا نحوَ مرآةِ الحائطِ هامسًا: «أعتقد أن الحل الوحيد الآن هو أن أرسله لبيتِ أجدادهِ ليسكنَ فيه منذ اليوم، لا خيار آخَر، هَذَا أفضل لِي وهَكَذا لَن تُجَنّ تلكَ المرأة».

وَسَارَ مسرعًا نَحوَ معطفهِ يرتَديهِ، أمسَكَ بمَفاتيحِه خارجًا منَ الَمَنزل راكبًا سيّارتهُ منطلقًا بهَا يجوب الشوَارع القريبة طبقًا لفكرَة وتَخمين أنّ بدر لا زال بالجوار، فلَم تمر سوَى دقائق مُذ خَرَجَ منَ البيت لذَا لن يبتعد كَثيرًا.

وَبينمَا هوَ يجوب بِلوزيتَيهِ الشوَارع حَتّى لمَح شخصًا جالسًا عَلى كَراسِي الرّصيف ليَعلَم بفعلِ إضاءة العمودِ أنّه بدر، رَكنَ السيّارَةَ وَنَزلَ منهَا مقتربًا منَ الآخر حَتَّى وَقفَ أمَامَهُ وبتلقائيَة رَفعَ بدر جزءه العلويّ مرجعًا إيّاه للوراء موّجهًا نَظراتٍ فارغَة للّذِي أمَامَهُ، ومَا إن تَعرف عَلى تلكَ الهيئة حَتَّى نهضَ من مَضجعهِ بنيّة الذهاب لَولاَ امسَاكُ الأب لمرفقهِ.

وكرَدّ فعلٍ بديهيّ في هَكَذا مَوقف نَفضَ بدرٌ يدهُ بقسوَةٍ مترَاجعًا نحوَ الخلف خطوَتينِ، قائلاً بِصَوتٍ مَبحوح من فَرطِ البُكَاءَ دونَ أن يُكلّف نَفسه عنَاء النَظرِ للآخَر: «ابتَعد عنّي، ومنَ اليَومِ فصَاعدًا لاَ أنتَ بوَالدِي وَلا أنَا بإبنكَ مَا دمتُ قد هنتُ عليكَ لدرجَة طردي، والآنَ اذهَب وَاهتَم بشؤونِ وأحوَالِ أبناءكَ الآخَرينَ كَمَا اعتدتَ دَومًا».

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 15, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الأبلقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن