ولِيمة في أونيرو

55 7 0
                                    


عمّ الصّمت فضاء أونيرو، وعلى غير العادة؛ أضحت القلعة خاويةً من كلّ إشارة على وجود إنسان بها، حتّى أنّ تنفّسك قد يسمع صداه هنا.

لكن بعِيدًا، هناك في أحد زوايا الاستراحة، ارتفعت بعض الأصوات الصّاخبة ملطّخة صفاء هذا الهدوء - كما اعتدنا دائمًا - دعونَا نُكبّر الصّورة ونستكشف ما يحدث.

«كيف يُعقل لقلعة الجنود الّتي كانت أرضها ترقص على إيقاع الضّجيج أن تغدو بهذَا الهدوء!؟» صاحت قَبس مزمجرَة وقد اشتعلت عيناها الكحليّتان وباتت على أتمّ الاستعداد لحرقِ أي كائن حيّ يمرّ من أمامِها، أجابتها أوريس المستلقية على الكنبة بجانبها بصوت هادئ دون أن تفتح مقلتيها اللّتان حجبتهما غرّتها الشّقراء«إنّ جميع الجنُود في إجازة حتّى تنتهي أشغال ترميم أونيرو بعد قدوم الدّفعة الجديدة من الجنود»

«لكن مع ذلك أور، كيف يتركون الصّمت والفراغ يبتلع القلعة بهذا الشّكل الممل، أنا حقًّا أشتاق لحيويّة الجنود» همهمت قبس بحزن مصطنع يظهر فشلها الذريع في التمثيل.

«أنتِ لاتشتاقين للجنود، بل إلى قتالاتهم قبس...ثمّ أتعرفِين معنى العطلة لديهم بعد سنوات من البؤس اللّامنتهي؟ لابدّ أنّهم سعيدون حتّى الثّمالة»

انتفضت قبس وقد تملّكها الغضب فعلًا الآن «أنا لن أستطيع الصّمود في مثل هذا الملل القاسي! رجاء! يمكنني محاربة تنين وشويه، لكن من المحال أن أجلس مثلك هكذا وأستمتع بأصوات أوعيتي الدّموية وهي تحرّك الأوكسجين داخلي! لنفعل شيئا أو سأتمرَّد!»
اضطربت تنانين الجنود الّتي كانت تلاعب بعضها البعض فور سماعها لكلمات قبس وكأنّها وحش بريّ متعطش للدّماء، مع أنّ كلتا الفتاتين هنا كذلك.

أزالت أوريس ستار غرّتها كاشفة عن عيونُها القرمزية النّاعسة أخيرًا، قامت من مكانها بملل وقد أحسّت أن الاستماع لكلمات هذه المخبولة هنا أكثر سيسبّب لها وجع رأس ستقوم على إثره بأكل كبد قبس على العشاء، جذبت هذه الأخيرة نحوها وعانقتها بينما تمسح على شعرِها الأسود قائلة بصوت عميق:«رويدك يا فتاة، أعرف أنّ الوضع لايحتمل، لكن حافظي على إنسانيّتك رجاءً، سأفكّر في حل»

«بسرعة إذن!» حثت قبس الأخرى على التفكير السريع بحل يرضيها بينما دامت أوريس تفكّر لبرهَة، هذا ما اعتقدته قبس الّتي ستودع إنسانيّتها فعليّا بعد قليل، لكن أور لم تكن إلّا مستغرقة في تأمّل اللّوحات الّتي زيّنت قاعَة الطّعام قُبالتهم.

انتفضت مذعورة بعد الصّيحة الّتي أصدرتها هذه الأخيرة «أسرعِي واللّعنة!» أعصاب قبس قد أصبحت مغليّة الآن، وأيّ شخص مثلها سيكون في نفس الحال، لكن أعصاب أوريس في الحقيقة بجوار جبل فوجي، خلخلت الأخيرة أصابعها بشعرها الأشقر ثمّ أردفت بابتسامة فجأة «وجدتها! سنقوم بعمل مأدبة وندعو الجنود إليها»

البؤساءWhere stories live. Discover now