الفصل الرابع والثلاثون

1.1K 32 7
                                    


قبـ لة.

أَعطيتُهُ ما سأَلا
حَكَّمْتُهُ لوْ عَدَلا

وهَبتُهُ روحي فما
أَدري بهِ ما فَعلا

أسلَمْتُهُ في يدهِ
عَيشَهُ أَم قَتَلا

قَلبي بهِ في شُغُلٍ
لا مَلَّ ذاكَ الشُّغُلا

قيَّدهُ الحُبُّ كما
قَيَّدَ راعٍ جَملا

(ابن عبد ربه)

❈-❈-❈

شعور بالندم يجتاحه بعد خروجها من منزله فقد جلس فوق أقرب مقعد للباب واضعا رأسه بين راحتي يده ودموعه تهطل دون توقف
هو يعلم أن هذه هي النهاية الطبيعية لهما خاصة وأن غزل شخصية قوية كان على يقين بأنها ستنفصل عنه فور علمها بالحقيقة لكن عندما طلبت منه الطلاق شعر بخناجر تمزق أحشائه.
يحبها يعشقها وفي نفس الوقت يعشق رغد لكن الشخص لا يستطيع أن يأخذ كل شيء وهذا ما كان يريده أراد زوجته وأراد رغد ظن أنه باستطاعته إخفاء الحقيقة طوال العمر لكن جاء حمل رغد وخرب له كل مخططاته فكان عليه أن يواجه زوجته كما أنه كان يتمنى من صميم قلبه بان تقبل غزل زواجه وتبقى معه لكن هيهات فغزل ليست بالضعيفة كي تقبل أمر كهذا خاصة وأنها أحبته كثيرا ولم تقصر معه في شيء.
ظل يبكي وقت لا بأس به حتى أنهكه البكاء استقام جالسا ثم مسح وجهه بكلتا يديه وهب واقفا عازما على الذهاب إليها كي يرتمي بأحضـ انها ويزف لها الخبر الغير سار بالنسبة له وفي نفس الوقت هو الخبر المنتظر بالنسبة لها.
وها هو ذا يعانقها بكل قوته ويبكي كالأطفال بينما هي فكانت تحلق في السماء من فرط سعادتها  فحلمها قد تحقق وأصبح رامي ملكا لها وحدها
اشتدت على عناقه وراحت تمسد فوق ظهره صعودا وهبوطا وهي تغمغم بصوت: خافت: روق حبيبي لا تعمل بحالك هيك صدقني هي الخسرانة مو انت وأنا بوعدك اني راح ضل جنبك وراح حبك طول عمري.
ضم نفسه إليها أكثر وراحا ينتحب في صمت غافلا عن ابتسامتها التي ملأت وجهها وقلبها.

❈-❈-❈

بخفة ونشاط راحت تلمكم طاولة الإفطار وهي تدندن بسعادة فلم تتوقع يوما بأنها ستحيا حياة كهذه حياة مليئة بالحب والاحترام خاصة من زوجها رؤوف ذلك الشاب المثالي الذي لم يجبرها على أي شيء حتى حقوقه الزوجية ناهيك عن النظرات الولهة التي يرمقها بها طوال الوقت
ابتسمت باتساع عندما تذكرت ليلة أمس ومجيء والدته المفاجئ فقد افترش الأرض وترك لها الفراش بأكمله كي لا يزعجها كم شعرت بالامتنان الحقيقي لذلك الرجل وهذا الموقف النبيل جعلها تشعر بمشاعر مختلفة تجاهه
استفاقت من شرودها وتلاشت ابتسامتها عندما استمعت إلى صوت والدة زوجها تهتف بتهكم: إيه ده يا عبير انت بتضحكي لوحدك ما تعرفيش يا حبيبتي ان الضحك من غير سبب قلة أدب.
استدارت إليها ترمقها بدهشة وتسألها باحترام: إيه الكلام اللي انت بتقوليه ده يا ماما أنا ما بضحكش من غير سبب وبعدين مين اللي قال إن الضحك من غير سبب قلة أدب؟
الضحك عمره ما كان قلة أدب سواء بسبب أو من غير سبب.
مصمصت شفتيها بعدم رضا وهتفت بحدة: لا والله وانت بقى واقفة تديني دروس إن شاء الله.
هزت رأسها نفيا وأجابت بهدوء: خالص يا ماما أنا بس حبيت أقول لك إن مش كل الأمثال القديمة صحيحة ولو كان الضحك من غير سبب قلة أدب ما كنش الرسول -صلى الله عليه وسلم-    قال تبسمك في وجه أخيك صدقة ولا إيه ؟
كادت أن توبخها لكن صوت رؤوف جعلها تبدل تلك النظرات الحاقدة إلى ابتسامة صفراء عندما أردف وهو يطوي المسافة التي بينهم بخطوات رشيقة: إيه ده بتتناقشوا في إيه؟
أجابته وهي تستدير لتكمل ما كانت تفعله: ما فيش حاجة يا رؤوف.
انحنى بجزعه يساعدها في لملمة الأطباق وهو يشاكسها بعينيه
فنظرت إليهما بحقد وتركتهما واندفعت إلى غرفتها وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة ولا مسموعة تاركة إياهم يتبادلان النظرات والابتسامات.

في غياهب القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن