2

157 10 7
                                    

على قمة الحيل الدفاعية النفسية يتربع (التسامي). التسامي في الكيمياء هو أن تحول المادة الصلبة لغاز مباشرة متخطيا الحالة السائلة. يتسامى الشيء الجامد الصلب القاسي ليصير غازا حرا لا يمكن تحديده او الامساك به ..

تجلي الكتابة حيلة التسامي تلك. في الكتابة انت تقوم بتحويل آلامك ووساوسك ورغباتك وهوسك وطيشك وغضبك وحزنك وقلة نضجك ومخاوفك وأحلامك، كلها إلى كلمات .. كلمات حية ..

رغبتك في العنف تحولها لرواية بوليسية. رغباتك الجنسية تحولها لشعر رومانسي. مخاوفك تحولها لمقال عن أفلام الرعب.
تمردك بأي شكل على الواقع يجعلك تصنع واقعك البديل. واقعك الذي يمثل منفذ لكل أفكارك وتصوراتك ومعتقداتك التي تصدها شخصيتك ويصدها المجتمع ويصدها الخوف والتظاهر بالقوة.

تحويل ما في ذهنك إلى حروف مكتوبة هو فعل يحمل كل الضعف وكل القوة في نفس الوقت.
الضعف لان من لا يحترم قدراته او افكار مجتمعه، يصير مكانه في المصحات العقلية. والقوة بأفكار غريبة وذكريات قديمة ومشاعر متخبطة، تستطيع صنع "طبخة" لذيذة لن يصدق من يذوقها أنها نتجت عن كل هذه العشوائية.

ربما التسامي هو ما يميزنا كبشر .. باقي الحيوانات لا تتسامى، انها فقط تفعل. التسامي هو الذي يصنع الحضارات ويجعل هذا الكوكب مكانا أفضل. بدون التسامي لكانت الأرض مرتعا للصراعات والإبادات، ولكنا ظللنا نسكن الكهوف حتى الآن، هذا إن استمرينا أصلا في الحياة ..

لذلك الكتابة هي حيلة .. انت تتحايل على القاريء .. وتتحايل على نفسك .. تخرج الأسوأ بصورة يمكن قبولها بل والاحتفاء بها أيضا .. فبهذا تتصالح مع المجتمع ويكون لديك وسيلة تواصل فريدة فعالة معه .. وأيضا تتصالح مع نفسك بقبول كل ما فيها وإخراجه للنور لتدرك ذلك الجمال الكامن فيك الذي لم يخبرك به أحد ..

كيف تكون كاتبا أفضلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن