"بنات الافكار" هو مصطلح صادق للغاية. كل فكرة تخرج من عقلك لتُتَرجَم على الورق هي ابنتك المولودة والتي تشعر انها جزء منك لا يمكن فصلله عنك. انت من شكّلتها .. انت من رأيتها قبل ان يراها الناس .. انت من تعرف قدرها وكم اخذت من تعب وارهاق .. انت اكثر من يدرك قيمتها واستحقاقها للاحترام والتقدير .. انت من يتعهدها بالرعاية منذ كانت ذرة .. انت الذي سيصير ممتنا لوجودها وحياتها حتى بعد موتك
لكن مصطلح بنات الافكار له بعد اخر
ان كنت تكتب عملا قصصيا .. فكل شخصية فيه هي ابنتك بشكل ما
انت لست كاتبا حقيقيا إن لم تتوحد مع شخصياتك، إن لم تضع قدمك في حذائهم، إن لم ترى العالم من منظورهم
انت لست كاتبا حقيقيا إن لم تفرح لفرحهم وتخاف لخوفهم وتتألم لآلامهم
في رأيي، الكاتب الحقيقي يكون هو بطل روايته .. يصارع فكريا مع بطله في كل مأزق .. يتألم لخيانة صديق البطل .. يُعجَب بالبطلة في نفس لحظة اعجاب بطله بها، يدق قلبه كبطله .. تتسع عيناه ويمتليء بنشوة أول قبلة بينهما ..
يخوض الكاتب رحلة البطل ويحاول في كل يوم تفادي المصاعب والتغلب عليها للوصول للنهاية .. يشعر الكاتب الحقيقي بالراحة والخلاص عندما يغمض بطله عيناه في راحة مع اخر صفحة في روايته
الكاتب الحقيقي ايضا هو الشرير في روايته الخاصة
يدرك الكاتب العاقل ان شرير القصة هو جزء آخر منه .. هو انعكاس لمناطق في ذاته يحاول ان يصلحها او حتى يتجنبها
يكره الكاتب شرير روايته ولكنه يحترمه .. يختلف معه ولكنه يعرف اسباب شره ..
قلة فقط من الكتاب هم من يعترفون حقا ان اشرار قصصهم يمثلونهم هم انفسهم إن استطاعوا التحرر من كل القيود المجتمعية والدينية والقانونية
الكاتب الحقيقي لا يهمش أبدا الشخصيات الهامشية لروايته .. قد تشغل تلك الشخصيات عدد سطور أقل، ولكنها بالنسبة للكاتب ليست أقل حياة من الابطال
لكل شخصية هامشية في ذهن الكاتب هناك تاريخ وهناك مستقبل، ودخولها في مسار القصة ليس من قبيل العشوائية ولكنه أمرا قاد إليه سنوات من ماضي الشخصية، وجعلها تتصرف او تتكلم بتلك الكيفية في القصة .. وأيضا بعد احتكاكها مع البطل ستكمل حياتها في مستقبل يشبه مستقبل الابطال من حيث حيويته واهميته وقيمته
الكاتب الشغوف يرتبط بكل شخصياته .. لا يجاملهم لانه يحبهم، ولا ينزل عليهم النيازك لانه يكرههم .. هو فقط يتركهم للرواية، كما يترك الاب اولاده للحياة..
هو لا يكتبهم، بل هو فقط يكتب كيف يتصرفون مع هذا الموقف او ذاك .. يمكنك ببعض التخيل ان ترى يد كل شخصية وهي تمسك يد الكاتب لترشده كيف يكتبها ..
الخلاصة أن الكاتب لا بد له ان يرتبط ذهنيا وعاطفيا بشخصياته .. لانهم صنعه الخاص ولانه واضع بصمته الخاصة على كل خلية من جسدهم وعلى كل فكرة في ذهنهم ..
لذا إن كنت تكتب وشعرت انك لا تحمل أي نوع من المشاعر لشخصية من شخصياتك، عليك وقتها ان تسأل نفسك ما الذي يجبرك على ان تكتب تلك الشخصية من الأساس! ..
