10-كابوس وانتضى

9.9K 524 303
                                    

ليس كل ما نعيشهُ من سوءٍ يستحق العصيان، بعض الإساءات تستحق التجاوز ثم النّسيان.

••••••••

بعد ساعتين من الحادثة:

استفاقت صاحبة الوجهِ الواجمِ من سُباتها القاتل، فوقعت عينيها الحزينتين على سقف الغُرفةِ الباهت، لتشرع في التّحديق بهِ برؤية ضعيفة قبل أن تبدأ في ذرف دموعِ القهر والاشتياق من بحرِ زرقاويها الحزينة...

فهي وفي تلك اللّحظة فقط بكت كطفلةٍ صغيرةٍ أُجبرت على مفارقة والديها، بكت بينما تكتمُ شهقاتها بكلّ ما امتلكتهُ من قوّة، إذ حاولت أن لا تُظهر ألمها أمام الغير لكن عندما شعرت بحُنجرَتها وهي تطلبُ منها الرّحمة أبعدت يديها عن فمها وراحت تُردّد عبارات غير مفهومة البتة، عبارات ستجعلك تشكّ في أنّها اخترعت لغةً خاصّة بها وبأحزانها، تماما كما ستجعلك وبشكلٍ من الأشكال تتنازل عن شكوكك لتتفهّم فجأةً رغبتها في رثاء محبوبها بلسانٍ غريب عن ألسنة البشر المُتعدّدة..

تمسّكت تلك الأخيرة بغطاءِ السّرير مُخترقةً قماشهُ الرّقيق بأظافرها الطويلة ثم دون أن تتوقّف عن النّحيب راحت تلوم نفسها الضعيفة المتأجّجة التي كانت تحتضرُ إثر الهمسات التي استوطنتها  بغتةً، همسات بدت حارقة كحمم البراكين الثائرة، إذ أخبرها بكلّ قساوة أنّ حبيبها الحزين رحل قبل أن يضمّها إلى صدرهِ لمرّةٍ أخيرة، وأنّه اختفى من حياتها دون أن يسمح لها بالنّظر في عينيهِ الحزينة بل وهرب بروحهِ منها دون أن يمنحها شرف رؤية ضحكته السعيدة...

حرفيّا الكثير والكثير من الأفكار القاسية كادت أن تودي بحياتها في تلك الثانية، إذ جعلتها تُدرك في دقائق قليلة كيف يكون الموت البطيء، وحقّا هي لم تكن لتتوقّف عن التّأثر بتلك الأفكار الخانقة لو لم تشعر بتواجد شخصٍ ما في غُرفتها، شخص أصدر ضجيجاً نافس ضجيج روحها لذا أغمضت عينيها بضعفٍ شديد ثم استقامت وجلست وسط السّرير لتفتح زرقاويها من جديد مناظرة بهما تلك الممرضة التي اخترقت وحدتها، الممرّضة عينها التي راحت تتأمّلها بحزن ظهر جليّا على ملامحها.

مسحت كاترينا دموعها بسرعة ثم أسندت رأسها على ظهرِ السّرير وطرحت سؤالها على تلك المرأة الهادئة بنبرةٍ خالية من أيّ شيء:

"أين هو الآن! أيمكنني رؤيته لمرّةٍ أخيرة؟"

اقتربت الممرضة منها ثم جلست إلى جانبها مُربّتةً على كتفها:

"عندما يستفيق في الصباح ستتمكّنين من رؤيتهِ دون أدنى شك."

هزّت رأسها بهدوء ثم راحت تتأمّل سقف الغرفة بشرود لكن حين تكرّر كلام المُمرّضة في رأسها من جديد شهقت بصدمة وعقدت حاجبيها تُعاود التّحديق بها مُظهرةً على وجهها تعابير الذهول:

"مهلاً لحظة.. ماذا قلتِ!"

ابتسمت الممرضة بخفّة ثم رفعت يدها ماسحةً دموع كات التي تحرّرت من مقلتيها فجأةً:

The thug's hybrid✓Where stories live. Discover now