أرض زيكولا : الأخير

667 12 3
                                    


الحلقة الاخيرة من رواية ( ارض زيكولا )

اتسعت حدقتا عيني خالد بعدما سمع هذه الكلمات :
- الطبيبة ؟! .. أسيل ..
ثم أسرع عَدْواً إلى البحيرة .. يدق قلبه بقوة ..
لا تنطق شفتاه سوى بكلمة واحدة .. أسيل ..
و ينطلق بين من يحتفلون , و يرتطم بهم
ثم ينحنى لهم ليقدم اعتذاره ..
ثم ينطلق مجدداً , و قد ارتسمت البسمة على وجهه ..
حتى وصل إلى شاطئ البحيرة ,
و ظل يبحث عنها بكل مكان به , و صاح بصوته .. أسيل .. أسيل .. و لكنه لم يجدها , و ظل يصيح بصوته يناديها ,
و لكن دون جدوى حتى اقترب من شجرته
التى طالما جلس بجوارها , و بدا على وجهه الحزن ,
فلمح ورقة قد عُلقت بتلك الشجرة , و تتحرك مع الرياح , فالتقطها على الفور فوجدها تبدو كرسالة تركتها أسيل ..
و قد كتبت بها :
( لا أعلم كيف أبدأ حديثى ..
و لكننى أتمنى أن تقرأ كلماتى تلك يا خالد ..
ربما لا أكون ماهرة فى الكتابة مثلك ..
و لكننى أريد فقط أن أُعبّر عما يدور بذهنى ..
أريدك أن تعلم كم كنت أحبك ..
لقد أحببتك منذ رأيتك تنقذ الفتى من الغرق ..
و أنت من جعلنى أشعر بالأنانية
بعدما لم أردك أن تغادر و تترك زيكولا ..
كنت أظهر لك مساعدتى ,
و لكننى لم أتمن لحظة واحدة أن تغادر ..
خالد لم استطع أن أراك ذبيح زيكولا ,
و أظل أنا احتفل بذلك اليوم ..
أريدك بعد أن نجوت أن تخبر غيرك بأنك تمتلك أغلى كتاب بتاريخ زيكولا .. كما أنك تمتلك أيضاً أغلى قُبلة بتاريخها ..
أتتذكر حين أخبرتنى أنك لا تمتلك شيئاً تنال مقابله
وحدات ذكاء ؟ .. أنك لا ترى ما تمتلكه يا خالد ..
لقد رأيت ذلك ..
و كانت تكفينى تلك القُبلة كى أدفع لك أغلى ثمناً مقابلاً لها .. كى تنجو من ذلك اليوم , و تعود إلى حبيبتك ذكى كما كنت .. أريدك فقط أن تعود إليها و تعيشا سعيدين ..
أنا أعلم أنها لن تجد مثلك , و أعلم أيضاً أنك لن تستطيع العيش هنا , و أعلم جيداً أننى لن استطيع العيش بعالمك .. عُد إليها , و اتمنى أن تتذكرنى بين الحين و الآخر ..
ربما تجد ذلك النجم بالسماء ..
فإن وجدته فأعلم أننى أراه أيضاً
و أتمنى لك السعادة وقتها ..
أعتقد أننى لن أترك السماء ليلة
دون أن أتأمّلها بحثاً عنه ..
لقد أخبرتك أننى إن تركت زيكولا سأتركها
لسبب قوى للغاية ..
و لا أعتقد أننى سأجد سبباً أقوى من إبقائك على قيد الحياة , و أريدك أن تخبر يامن أننى أعلم جيداً أن من يحب سيفعل
كل شئ من أجل من يحبه ..
سأذهب إلى بلدى بيجانا , و سأعمل هناك طبيبة أيضاً ..
أعلم أنهم فى حاجة إلىّ , و سأخبرهم دوماً عن ذلك الشاب الذى أتى إلى زيكولا , و عمل الكثير من الخير
دون أن يتقاضى له مقابلاً ..
فى النهاية اسمح لى يا خالد ..
لقد احتفظت بأوراقك التى طالما جعلتنى أشعر بسعادة
لم أذقها من قبل ..
و أتمنى أن تكون قد شعرت بكلماتى , و أعلم أننى لست ماهرة بالكتابة ..
و لكن علىّ أن أرحل الآن قبل أن تشرق الشمس ,
و يُغلق باب زيكولا )
فهمس خالد إلى نفسه :
- باب زيكولا ..
ثم أسرع يعدو تجاه باب زيكولا ..
يجرى و لا يشعر بشئ من حوله ..
يجرى و لا تدور برأسه سوى كلمات أسيل ..
يجرى مسرعاً كأنه لم يجرِ من قبل ..
يتمنى أن تنقله الرياح إلى ذلك الباب ..
من يراه يندهش , و يرتطم بهذا و ذاك ..
و يواصل عَدْوَه , و يسقط و ينهض ليعدو مرة أخرى ..
يستمع إلى أنفاسه المتسارعة , و يكمل عدوه و سقطت منه الورقة فتركها .. و أكمل طريقه ..
حتى وصل إلى باب زيكولا فوجده مغلقاً ,
و أمامه حارس ضخم الجثة فصاح به :
- أريد أن أخرج ..
فابتسم الحارس :
- ألا ترى ؟!! .. لقد أُغلق الباب مع شروق شمس اليوم ..
فصاح خالد مجدداً :
- لابد أن أخرج ..
فظهر الغضب على وجه الحارس حتى صاح خالد مرة أخرى ,
و حاول أن يزيح الحارس بذراعه فدفعه الحارس بدرعه
فعاد خطوات إلى الخلف , و سقط ثم نهض مجدداً ,
و عاد إلى الحارس :
- أريد أن أخرج ..
فضربه الحارس ضربة قوية بدرعه أسقطته على ظهره , و جعلت الدماء تنزف من وجهه فاقترب منه يامن ,
و أمسك بكتفيه :
- هيا يا خالد .. لابد أن نرحل عن هنا ..
فنهض خالد , و نظر إلى الباب الضخم ..
و انتفخت عروق رقبته , و صاح بصوته
كأنه يود أن يهز جدران تلك المنطقة :
- أسيييييل .. أسيييييل ..
فجذبه يامن :
- هيا يا خالد .. هيا .. لابد أن نرحل عن هنا ..
ثم أعطاه ورقة أسيل التى سقطت منه , وقال :
- لا تستطيع أسيل العودة إلى هنا مجدداً ..
- كانت تعلم أنها ستصبح فى نظر تلك المدينة خائنة .. ففضّلت أن تتركها بكافة ما تمتلكه ..
فصاح به خالد :
- إنها ليست خائنة ..
فابتسم يامن :
- أعلم ذلك يا صديقى .. لقد قرأت تلك الورقة ثم نظر إليه :
- لقد ضحّت بكل شئ من أجل حياتك يا خالد ..
- أنت تعلم ما كتبته إليك ..
ما تمنته لك أن تعود إلى حبيبتك فى عالمك ..
و أن تعيش حياتك سعيداً .. هذا سيكفل لها السعادة ..
- خالد , عليك أن تفعل ما يجعلها سعيدة الآن ..
فنطق خالد حزيناً :
- كان لابد أن تعرف أن حبيبتى تلك قد تزوجت ..
فصمت يامن ثم قال :
- لن تستطيع أسيل العودة إلى هنا ..
و لن تستطيع أنت اللحاق بها .. عليك أن تعود إلى بلدك ..
لقد فعلنا الكثير كى تتحقق أمنيتك بعودتك إلى بلدك ..
فجلس خالد , و أمسك برأسه ..
و حدّث نفسه بصوت مسموع :
- لم أكن لأرضى أن تفعل ذلك ..
فصاح به يامن :
- و لكنها فعلته , و لم يعد هناك وقت لما تفعله الآن .. هيا انهض ..
ثم جذبه :
- أعلم أنك صديقى , و لكن أيها الصديق
لا أريدك أن تظل هنا ببلدى .. عليك أن تعود إلى بلدك ..
فضحك خالد ساخراً :
- بلدى ؟! كيف ؟ ..
لابد و أن صاحب البيت بالمنطقة الغربية قد عاد إليه ,
و انتهى كل شئ ..
فصمت يامن ثم أكمل مبتسماً :
- أو ربما لم يعد بعد ..
ثم أكمل :
- سيعود إلى بيته بعد غد ..
فنظر إليه خالد متعجباً :
- كيف و قد أخبرنا الفتى بأنه سيعود إلى بيته
مع يوم زيكولا ؟!
فابتسم يامن :
- أعتقد أن مائتى وحدة ذكاء كافية
لتجعله يترك بيته ليلتين ..
فسأله خالد فى دهشة :
- مائتا وحدة ؟!
فابتسم يامن :- نعم ..
فسأله خالد مجدداً :- أعطيته مائتى وحدة ؟!
فأجابه يامن :- نعم ..
فنظر إليه خالد :- كيف تدفع تلك الوحدات ؟
فأجابه يامن , و لا زالت الابتسامة على وجهه :
- ليست أسيل فقط من تقدم المساعدة ..
حين جعلتنا نتخلص من آخذى وحدات الحماية كى نأكل دجاجاً , و نوفر وحدتين كل يوم .. لم أكن آكل الدجاج ..
ثم زادت ابتسامته :
- لم أخبرك من قبل أننى لا أحب الدجاج ..
و سامحنى لأننى لم أحضر منافسة الزيكولا بالأمس ..
كان لابد , و أن أمكث هنا أمام ذلك الباب ,
و انتظر النهار بأكمله مع الخادم كى أجد صاحب البيت ,
و أقدّم له عرضى قبل أن نفقده و يضيع كل شئ ..
فسأله خالد :
- و ما مقابل تلك الوحدات يا يامن ؟
فنظر إليه يامن :
- لا تكفى تلك الوحدات مقابلاً لتلك الشهور
التى كنت بها صديقاً وفياً لى ..
فابتسم خالد ثم احتضنه , فهمس يامن إلى أذنه :
- هيا عليك أن ترحل الآن ..
الطريق إلى المنطقة الغربية طويل .. هناك ينتظرك إياد .. ستعطيه ذلك الحصان حين تصل إليه ..
ثم أشار إلى حصان أسود قد عقله بالقرب منهما
و تبدو عليه القوة ..
فسأله خالد , و كأنه لا يصدق مفاجآته :
- و من أين لك بهذا الحصان أيضاً ؟ ..
فابتسم يامن :
- لا تقلق , لقد استأجرته كى آتى به إلى هنا ..
كان لابد أن أسرع .. و لكننى تذكرت أن الحصان لابد
و أن يعود إلى صاحبه بالمنطقة الغربية ,
و أنا إن ذهبت إلى هناك كى أعيده ..
فكيف أعود هنا مجدداً ؟! ..
ثم أكمل ضاحكاً :
- أنا جئت به .. و أنت ستعود به ..
فابتسم خالد :
- أكيد مش هلاقى صاحب زيك يا يامن ..
فابتسم يامن :
- ها أنت قد عدت إلى لهجتك الجميلة يا صديقى ..
- هيا لا تضيع وقتك , و تذكّرنى دائماً ,
و أنا سأظل هنا لأحكى للصغار أن صديقى صاحب أغلى كتاب و أغلى قُبلة بتاريخ زيكولا ..
القُبلة التى أنقذت حياته يوم زيكولا ..
ثم أتى بالحصان إلى خالد , فامتطاه خالد و نظر إليه :
- يامن ..
تعلم أن هناك شاباً قد يكون أخى بالمنطقة الشمالية ..
إن قابلته يوم , و كان فى حاجة إلى مساعدة فلا تتأخر عنه ..
فابتسم يامن :
- حسناً ..
ثم ضرب مؤخرة الحصان بيده , و صاح :
- هيا إلى طريقك .. سيعطيك إياد كتابك حين يجدك ..
أما أنا سأذهب لأحتفل مع أهل زيكولا ..
أشعر أننى فى حاجة كى أرقص مع إحدى الفتيات ..
كفانى تلك الجرعة من الحزن الأوقات السابقة ..

أرضــــــــ زيـــــــّــكَوُلَآWhere stories live. Discover now