الفصل الأول

4.5K 364 139
                                    


الفصل الأول

بخطواتٍ متخاذلة محبطة، خرجت من البوابة الزجاجية لإحدى الشركات الحديثة وهي تحمل في يدها مغلف بلاستيكي يحوي أوراق سيرتها الذاتية، بحثت عن أقرب صندوقٍ للقمامة، وألقته بداخله، فلا جدوى من البحث عن وظيفة شاغرة وهي لا تضم بطاقة التوصية أو لها صلة بذوي الوساطة، ساعتها فقط ستفتح الأبواب الموصدة، ويمهد الطريق لها للحصول على وظيفة مرموقة ومناسبة، وإن كانت لا تملك من المؤهلات الدراسية إلا المحدود.

أخرجت "بهاء" زفرة طويلة معبأة بموجاتٍ من اليأس والضيق وهي تنعت حظها العثر الذي ما زال يُعاندها، إنها المرة العاشرة التي تتلقى فيها ردًا بالرفض المباشر خلال شهر واحد، رغم سعيها الدؤوب لإثبات كفاءتها في وظائف شبه متواضعة لا تليق مع ما جمعته من شهادات علمية وأدبية. رفعت رأسها للأعلى، وراحت تخبر نفسها في شيءٍ من العزم:

-الظاهر لازم أكمل طريق الدراسة، هو ده الوحيد اللي مفتوح قصادي.

شتتها عن الغوص في أفكارها التعيسة رنين هاتفها المحمول، نظرت إلى اسم المتصل، فوجدته عمها "سليمان"، توقفت في مكانها متسائلة في تخبطٍ:

-طب أرد أقوله إيه؟ اطردت قبل ما اشتغل!

عاودت السير مجددًا قائلة بعد حسم أمرها:

-مافيش داعي أكلمه دلوقت، هيزعل لما يعرف، وأنا مش حباه يشيل همي أكتر من كده.

تركت هاتفها يرن حتى انقطع الاتصــال، وتلفتت حولها يمينًا ويسارًا لتحدد أين ستتجه بعدئذ. لفت ناظريها صاحبة الوجه المألوف، تلك التي ترتكن بظهرها على إحدى سيارات الدفع الرباعي، دققت النظر فيها وهي تتساءل:

-هي دي مش "ميرا"؟

وجدت أحدهم يقترب من رفيقتها وهو يحمل باقة من الورد في يده، لم تستطع رؤيته بوضوح لكونه يوليها ظهره؛ لكنها تابعت من موضعها ما يحدث بينهما من انجذاب وانسجام، اتسعت عيناها في غير تصديق، بل إنها بالكاد كتمت شهقة فاضحة، عندما تفاجأت به ينحني ليحملها بين ذراعيه بعدما أخذت منه الباقة، وكأنه يدلل أميرته المفضلة إليه، خجلت من تقاربهما الحميمي الزائد، وخفضت بصرها بسرعة، لتقول وهي تستعد للتحرك في الاتجاه العكسي:

-معقولة دي بيحصل عيني عينك كده ..

تنهدت بتعجلٍ، وأكملت حديث نفسها:

-يا رب يطلع بس الموضوع بجد، وتتخطب...

بدت وكأنها تحلق في سماء الأحلام الوردية الزاهية، لتضيف بتلهفٍ:

-ساعتها هتكسر لعنة العزوبية اللي مسيطرة على شلتنا دي.

شعَّ وجهها بالمزيد من الحماس وهي تتخيل تطور علاقة رفيقتها لتصل إلى الزواج، فيزور الحظ السعيد باقي صديقاتها تباعًا ويرتبطن واحدة تلو الأخرى. عقدت آمالها وأمنياتها الحالمة على مشهدٍ عابر، ربما تراه في الأفلام فقط؛ لكنه كان حقيقيًا وواقعًا، وشهدته بغير قصدٍ، فأبهجها وجعلها ترغب في الحصول على من يدللها كالأميرات، ويعشقها بجنون.

ضبط وإحضار - قيد الكتابةWhere stories live. Discover now