«الجزء الأول»

623 36 25
                                    

____

مع غروب الشمس ارتجفتْ السماء وتصبّغتْ بلونٍ قُرمزي فاتن مُتناسق تماماً مع لون تلك السجادة الطويلة المفروشة في وسط البلاد وحتى باب قصر الملكة ماري.

كُل شيء هُنا يُرحب بقدومها على طريقتهِ الخاصة ،فالسماء أصبحتْ تُرسل ومضاتها ترسمُ طريق الخيول وتُنيرها.

المدينة مُزينةٌ شوارعها وكأنها أحد ليالي العيد العظيمة ،الاسواق مُغلقة والشعب مُجتمعٌ في انتظار الملكة.

الشعب يحتفلُ بالبكاء والنياح ،الجميع ينتظر يومهُ لمُقابلة الملكة ،يتركون كُل شيء خلفهم ويلحقون بها ،بالطبع مُجبرين على ذلك.

من سيكون المحظوظ اليوم كوليمةٌ لعشاء الليلة؟

____

دُقتْ الطبول وأنعزفتْ الألحان العالية تُعلن وصول الملكة ماري وترسون ،الحُراس تجمعوا حولها لتنزل من خيلها وتستقر على الأرض.

تزامناً مع وقع أقدامها أنحنتْ رؤوس الشعب لتتسع ابتسامتها وتُزين وجهها المُشرق ،أمسكتْ بطرف فستانها الكبير والواسع ذا اللون الأزرق ،يبدو وأنها قد أبتاعتهُ من البلاد التي جاءتْ منها.

رفعتْ يدها الكريمة تُلوح للشعب ،في حين هُم لم يستطيعون رؤيتها ؛فظهورهم مُنحنية في زاوية قائمة وأعينهم مُتعلقة في الأرض بإجلال.

بخطواتٍ بطيئة كانت تسير ماري وترسون تتفحص مدينتها بعينها ،بجانبها حارسها الشخصي يُطأطأ برأسهِ لها أيضاً.

توقفتْ فجاءة وتغيرتْ تعابير وجهها المُشرقة لأخرى أشد عُتمه ،توجهتْ للصف الأيسر وتوقفتْ أمام أحد رجال شعبها مُتوسطي الحال ،ارتعشتْ قدماه وقارب على السقوط لولا أن تصرفَ بسرعة وتمسك بركبتهِ.

نقرتْ ظهرهُ فسرتْ قُشعريرة على طول عمودهِ الفقري وبصوتٍ أنثوي مُريب سألت ،"هل لم تشتاق لي بعد؟".

وضعتْ كفها على ظهرهِ وأرغمتهُ على الإنحناء أكثر ،أغمض عينيهِ بألم وأنصاع لأوامرها دون أن ينبس بأي حرف.

قهقهتْ بسُخرية ثمّ دفعتهُ على الأرض بعدما نفذَ صبرها ،فكان جاثياً على ركبتيهِ ورأسهِ يكاد يُلامس الأرض ،"جيد ،كُنت أحتاج لشيءٍ مُمتع على أي حال".

أشارتْ عليهِ وصرختْ في حارسها ،"أجلبوهُ إلى القصر".

فقدَ صوابهُ حينما سمعها ،تشبثَ بساقها يترجاء والدموع قد بللت وجههُ ولحيتهُ البيضاء ،"أرجوكِ جلالة الملكة أعفيني ،لدي أطفال وزوجة أرجوكِ".

ضحكة بقوة لدقائق وبعدها أكتساها برودها المُخيف لتنفض ساقها بقسوة وتركلهُ بعيداً عنها ،أنها الملكة ماري وترسون ولن تقبل بغيرهِ وجبة.

زوجتهُ تتألم لرؤية زوجها بهذا الذُل والإنكسار ،أياً كان ما سيحدثُ لهُ هيَ ستكون بجانبهِ دائماً ،هرعتْ للوقوف أمام الملكة والركوع بتذلل ،"أرجوكِ أعفي زوجي العجوز ،أتوسلُ إليكِ".

عقدتْ الملكة حاجبيها ويبدو أن الأمر لم يُعجبها ؛تأثر الشعب بأكملهِ وبدأ النساء في النياح والتحسُر مرة أخرى ،غضبتْ الملكة لتمرد شعبها الغير مُتوقع وصاحتْ بهم ،"هل كِلاب القصر جائعة وترغبُ في بعض الطعام؟".

كانت تقصدُ بالطعام شعبها ،هيَ بالفعل صادقة في نية أن تقتل جميع شعبها وتوزع جُثمانهم لكِلابها ،لم يكن بوسع النساء عدا الركوع واللجوم عن الظُلم الذي يُجاورونهُ.

الملكة تجاوزتْ المرأة التي أمامها بينما تُنبر لحُراسها ،"أجلبوها معهُ أيضاً لا ضير في وجبتين دسمة لمساء الليلة".

____

«بِـلاد دمـوية»Where stories live. Discover now