فجأة♩

269 22 1
                                    

            كل شيء كان ثابتا في مكانه ...
كانت الحياة طبيعية كما في سائر الأيام ... !
لكن فجأة ؛ كل شيء تغير وتأنق بثوب اختراق العادة !

        نعم لقد حدث حقيقة ،  تغير كل شيء وأصبحت تحلق في السماء !

تساهمت الطبيعة بكل مكوناتها في تغيير نمط حياتها الاعتيادي ، ضحت الأرض بدفئها ، وأفرجت السماء صدرها الرحب لأحلامها المتساقطة ، تهامست النجوم مرحبة بها ، وعانقها القمر بود عند بوابة السماء ...

حقا ستكون لها حياة في السماء !

        _______________________________

تلبدت السماء بالغيوم مندرة بعاصفة قادمة ،
كانت الغابة في سكون مخيف ، تعانقت الأشجار عاليا لتحجب محاولات أشعة الشمس في التسلل وإيضاء عتمة الغابة ، كانت هناك شجرة ضخمة الجدع منتصبة بشموخ متوسطة الأشجار النحيلة ، أسفلها أفردت مغارة ذراعيها لتأوي تائها ضائعا ، متوجسا خائفا ، وسط أهوال ورعب تلك الغابة الغريبة ، كان هدوء المكان يؤكد أن العاصفة القادمة ستكون مدمرة ....

توافدت قطرات المطر على الأرض بانسياب تصاعدي ، شيئا فشيئا الى أن اشتد هطول المطر ، وتغلف جو الغابة بالسواد الموحش ، صوت حفيف الأشجار كان يهمس برعب في آذان من علق في أدغالها ، كان البرق يبرق فيضيء الظلام الدامس ، ويجعل تلال الغابة وشجيراتها كأجساد هزيلة برؤوس ضبابية مخيفة ، وهزيم الرعد يعزف سيمفونية الهلاك ...

وسط وقع زخات المطر الشديدة ، يسمع أنين ، وانتحاب بكاء ، صرخات مكبوتة تتخللها ارتعاشة قلب تائه خائف ...

داخل تلك المغارة كانت جالسة بخوف شديد ، تضم قدميها نحو صدرها ، وقد دفنت رأسها بينهما ، ثيابها البالية والتي تكاد تخفي من جسدها شيئا  ،  جعلت أطرافها الهزيلة تفقد السيطرة من شدة البرد ،  رؤية ضبابية اعترت عينيها الباكيتين، كانت الدموع بعينيها كشلال منهمر ، سواد حوط ملامحها المتعبة ...

فجأة دوى عويل الذئاب في جميع أنحاء الغابة الكئيبة ، انكمشت على نفسها أكثر برعب شديد ، وهي تمتم بكلمات غير مفهومة جراء ارتعاش أسنانها من شدة البرد ، كان يجلس بجانبها حصان أبيض اعترى سواد مبعثر جلده الناصع ، كانت عيناه تنمان عن خوف شديد هو الآخر ، بفعل عويل الذئاب وهو يقترب شيئا فشيئا ، تحاملت على نفسها بضعف لتقترب منه ، عانقته بانكسار وهي تنتحب ، دعت في دواخلها أن تنجو من هذه المصيبة أيضا بعدما نجت من موت محتم بفضل حصانها ذاك ...

بقيت على حالها طويلا ، سكن الحصان وهو يستمد أمانا من عناقها القوي ، تطلعت نحو مدخل المغارة وهي تأمل شروق الشمس بعد هذا الليل الكئيب القاسي ، لكن تحطمت آمالها عند اقتراب الذئاب من المغارة ، نهضت بشتات وبرعب ، بتلقائية نهض حصانها الأبيض أيضا ، أمسكت لجامه وحملت حقيبتها ، ثم غادرت المكان ساحبة إياه وراءها ، فور خروجها تطلعت بعيون متوجسة في جميع أنحاء مايحيط بها من أدغال ، لتلمح أعينا تلمع بشر بين الأعشاب ، أدركت أنها محاطة بالخطر ، بحركة سريعة ركبت على ظهر الحصان لينطلق بكل قوته نحو اللا مكان ، انطلقت الذئاب وراءهما كجيش مسيّر ، كانت ترتعش فوق حصانها وهي ترى قفزات الذئاب طامعة في جعلها وجبة لعشاءها ، كان الحصان يجري بعبثية تنم عن خوفه الشديد ، اخرجت تلك البندقية من الحقيبة ، والتي لا تعلم عن كيفية استعمالها شيئا ، ارتعشت بين يديها وكادت أن تفلتها ، وهي تهتز على ظهر الحصان ، استجمعت قوتها وشتاشتها في جزء من الثانية !
لتضغط بكل ألم اعتراها في تلك اللحظة على البندقية ، فيندفع الرصاص مخترقا تلك الحيوانات المفترسة ، تمكنت من اخافة البعض منها ، كما تمكنت من التخلص من معظمها ، لكن بعض الذئاب كانت من النوع الذي لايهاب شيئا واستمرت في ملاحقتها ، المطر بلل جسدها المرتعش ، والوحل غطى ملامحها الضعيفة ، لتبدو كجثة هالكة على ظهر حصان متسخ ...

تابع الحصان ركضه العبثي ، ودقات قلبها تسمع من بعد أميال ، وعويل الذئاب طغى على حاسة السمع لديها ، تشجعت للمرة الثانية وهي تمسك البندقية لمحاولة الدفاع عن نفسها وابعاد الذئاب ، لكن هذه المرة كانت ارتعاشة يديها السبب في انفلات البندقية ووقوعها أرضا ، تطلعت وراءها بألم وهي تلمح الموت يركض وراءها بشغف ، بكت كما لم تبكي من قبل ، ثم رفعت عينيها نحو السماء وروحها تناجي ربا لينقذها بمعجزة ... !

لم تشعر الا عند انغراس أسنان متوحشة في قدمها ، كان ذاك الذئب يحاول جرها من على ظهر الحصان بوحشية ، غارسا أسنانه أكثر ، وهي تتمسك بكل مابقي من قوتها بلجام الحصان ، الحركة المفاجئة واصرار الذئب وتمسكها الشديد ، عرقل ركض الحصان ليتعثر ويهوي ساقطا بها وسط الوحل ، افلت الذئب قدمها من بين أسنانه الحادة وهي تسقط أرضا بألم شديد ، انكسرت ذراعها ، ونزفت قدمها ، أما الحصان فكان ينظر باستسلام وهو يحاول استعادة توازنه ، تطلعت بعيون متعبة ، وبروح مخنوقة ، وهي ترى النهاية في أعين تلك الكائنات المتوحشة ، أغمضت عينيها باستسلام ، وهي تلمح قفزات الذئاب عليها ، كانت تنتظر الشعور بالألم ينهش جسدها الهزيل قبل خروج روحها المتألمة ، الى أن دوى بمسمعها طلق ناري من جميع الاتجاهات ، فتحت عينيها بوهن ، لتلمح جتث الذئاب تتهاوى بجانبها تصارع الموت ، ابتسمت بانكسار وهي تحاول الاستيعاب ، لكن دماغها الصغير قد أعطى أمرا بايقاف وعيها ، لتتلاشى الرؤية أمامها ، وتخور قواها فاقدة الوعي في صورة مؤلمة ...

  

الحياة في السماء Where stories live. Discover now