غرابة !

124 15 1
                                    

داعبت خيوط الشمس المتسللة من بين وريقات الأشجار ملامحها المتعبة ببطء شديد ، تقلصت ناصيتها وهي تستعيد وعيها ، فتحت عينيها  بوهن في محاولة لتذكر ماحدث في الليلة الماضية ، فجأة قفز في عقلها كل شيء ، تساءلت ماكان مصدر ذاك الطلق الناري ، نفضت رأسها  باستسلام في معرفة من أنقذها من الذئاب ، تململت بتعب وهي تحاول الجلوس مستندة على يدها ، لكن الألم الشديد أنهك محاولاتها ، كانت تشعر بقدمها المجروحة قد تخدرت من شدة الألم ...

استدارت فلمحت حصانها الأبيض يتنقل قريبا منها بين الأعشاب محاولا سد جوعه المفرط ، ابتسمت بشكر كونه لا يزال بجانبها ، استجمعت قوتها لتنهض وتجلس مستندة على جدع شجرة ، اغمضت عينيها وهي تستنشق الهواء المنعش وشتات قد غلف عقلها وقيد أفكارها ، لا تدري ماتفعله بعد كل تلك الأحداث المتتالية ، كما ارتعش جسدها الهزيل وهي تفكر في احتمال قضاء ليلة اخرى في تلك الغابة الملعونة ، التفت في جميع الأنحاء بضياع وهي تستنجد بأن يكون هناك من يرأف بحالها ...

التقطت غصنا من على الأرض ، ثم اتكأت عليه محاولة التوازن بقدم واحدة ، ابتسمت بألم ، وهي تلمح جرحها قد مال لونه نحو السواد ...

هتفت بضعف وهي تخاطب حصانها الأبيض :

"أكتولجالي ، أكتولجالي ، تعال إلى هنا "

اقترب الحصان منها ببطء ، فهو معتاد على سماع كلامها ، فقد كان حصانها مذ كانت صغيرة ...

التفت وهي تحاول ايجاد شيء ما ، ارتسمت معالم الراحة على ملامحها وهي تلمح حقيبتها لا تزال سليمة ، تحركت بتمايل وهي تحاول الوصول اليها ، تبعها الحصان باخلاص ، ثم أخيرا وصلت الى ضالتها ، امسكت الحقيبة وبكل قوتها سحبتها بيد واحدة وهي تضعها على ظهر الحصان ، تنفست الصعداء بعد الجهد الكبير الذي بذلته وجبينها يتصبب عرقا ...

مسحت على ظهر الحصان بحنان ، ثم عانقته بود وهي تقول :

"أكتولجالي ، انت حصان مخلص حقا ، ووفي دائما ، لولاك لكنت في عداد الأموات الان "

ابتسمت بحنان وهي تلمح نظرة الود في عينيه السوداويتين ، ثم تابعت قائلة :

"حسنا الان ، علينا أن نصبر قليلا فحسب ، يجب أن نغادر هذه الغابة الملعونة قبل حلول المساء "

تمسكت بلجامه وهي تستجمع مابقي من قوتها ، افلتت الغصن لتتسلق ظهره بوهن ، كان الحصان يحاول مساعدتها في الاستواء فوقه ، الى ان تمكنت من ذلك ، الا ان الألم بقدمها وذراعها المكسورة قد اشتد ، رفعت رأسها نحو السماء وهي تأمل فرجا قريبا لمحنتها ، ثم عزمت باصرار ، صفعت جلد الحصان بخفة لينطلق بأقصى سرعته ، وقد لمعت في عينيها نظرة الانتقام ...

          ___________________________

 
تابع الحصان مسيره بتيه في أدغال الغابة المظلمة ، كانت عصافير معدتها تزقزق من شدة جوعها ، والألم يفتك بخلايا جسدها ، لكنها لم تستسلم وتابعت المسير نحو اللا مكان ، جل ماكان يهمها هو إيجاد مخرج والهروب من تلك الغابة المشؤومة قبل حلول الظلام ، لكن القدر رفض أن يمنحها فرصة للنجاة ...

استشعرت حركة قريبة منها ، ارتعدت من شدة الخوف وعينيها تدوران في رأسها بتوجس مخيف ،
زئير أسد دوى بالمكان ، لتلتفت بتلقائية وهي تراه يقفز من بين الشجيرات بأعين زائغة مفترسة ، وقد بدا مخيفا وضخما أمامها ، ابتلعت ريقها بصدمة وهي تتأمل هول المنظر ، أحست بارتعاش الحصان وخفقان قلبه برعب وهو ينطلق بكل قوته محاولا الهروب من يد ذاك الأسد الهائج ...

جرى الحصان الى أن أيقن أنه قد وصل الى النهاية ، توقفت رجليه عند حافة سفح منحدر ، وبوصوله القوي انزلقت الصخور متدحرجة نحو الأسفل المظلم ، عند توقفه فزعت من هول المنظر أسفلهما ، استدارت وهي ترى الأسد بات قريبا ، عزمت وصممت على هدفها ، صرخت بألم مكبوت لتضرب حصانها بكل ما أوتيت من قوة جعلته هائجا ليقفز من الحافة ويتهاوى بها نحو الأسفل مخترقين الضباب المخيف ...

الحياة في السماء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن