ابي الجديد

202 15 1
                                    

مع صوت الرياح ، والأشجار ، وهدوء المكان ، كنت مع عمال المزرعة مجتمعين على الطريق الرئيسي وقد انتهينا من جمع المحصول ووضعه في الشاحنة .
جاء أبو أحمد ليتفقد المحصول قبل ذهابه الى السوق وكومار يشرح له ما أنتجته ارضه .
طلبني كومار لأتقدم إلى مالك المزرعة حتى يتعرف علي ، فتقدمت بخطوات خجولة ، تقدمت ونبضات قلبي تتسارع في صدري ، وكأن كل من حولي يترقب لحضة ان أتكلم .
توقفت أمامه مطأطئ الرأس .
فقال لي : اذاً انت سلمان !
لم اجب وانتظرت منه سؤالاً آخر .
قال : أرفع رأسك يابني .
نظرت له ، ففاجأني بابتسامة تعلوا محياه .
قال : كم تمنيت أن يعمل لدي ولد بعمرك .
ابتسمت لكلامه ابتسامة خفيفة واطمأن قلبي .
فأردف قائلاً : أنا أريدك في عملٍ يناسبك أكثر ، ما رأيك ان تكون مضيفاً لتقدم الشاي والقهوة لضيوفي ؟
فقلت بصوت واثق : أنا مستعد لأي عمل .
التفت إلى كومار وقال له : هذا صغيرٌ على أن يسكن معكم ، أنقل أغراضه إلى غرفة السائق .
قال كومار : ولكن يا أبا أحمد انني في حاجة لعامل في المزرعة .
قال : لا تعارضني يا رجل واسمع ، اليوم سوف يجتمع أبنائي وأريده أن يضيّفهم ، فهم يستحقون .
كومار : حسنا حسنا ، لك ذلك .
احسست وكأن ضيقٌ في صدري وانجلى ، لم استطع اخفاء ابتسامتي حتى بعد رحيل أبو أحمد .
وبعد رحيله ، أفزعني كومار بصوته العالي قائلاً : اسمع ، انت اذهب الى تلك الغرفه ( واشار بيده الى البوابة الرئيسية ) وأكمل : وواحد من الأصحاب سيحضر لك حقيبة .
نظرت الى البوابة الرئيسية ثم نظرت إليه لأسئله عن مكان الغرفة بالتحديد ، ولكن اتضح وهو يقلب أوراقاً في يده أنه غاضب مما حدث ، فتراجعت عن سؤاله ، ثم سرت إلى البوابة الرئيسية أتلفت في كل الإتجاهات باحثاً عن الغرفة ، خرجت إلى خارج المزرعة من البوابة الرئيسية فوجدت على يميني باب صغير وأمامه رجل يرتدي ثوبا يجلس على درجة الباب و يدخن .
فقلت له : عذراً ، هل هذه غرفة السائق ؟
أجاب : نعم إنها هي . ثم وقف وسأل : ومن أنت ؟
أجبت وأنا اتقدم إليه لمصافحته : أنا عامل جديد في المزرعة ، اسمي سلمان .
ابتسم وحياني ثم قال : وانا حسن سائق العائلة ، تشرفت بلقائك ، وكيف أخدمك يا فتى ؟
قلت : امرني أبو أحمد ان أسكن معك في الغرفة .
فقال والبهجة تعلوا وجهه : إذا انت صديق الغرفة الجديد ، أهلا بك ، تفضل بالدخول .
كانت الغرفة صغيرة جدا ، سريرين متقابلين بينهما مساحة صغيرة ، وأما خزنة الملابس فقد كانت في الخلف ، ولكن كانت الغرفة نظيفة ورائحتها ليست سيئة على اية حال .
استلقيت على السرير لأول مرة ومع هواء المكيف شعرت براحة أكاد أجزم أني لم أشعر بها قط . فغالبني النعاس ثم نمت .
ولكن لم اتعمق في نومي حتى أفزعني كومار يقول : استيقظ يا فتى ، أبناء أبو أحمد في المجلس .
جلست بلا وعي ونظرت له قائلاً : ماذا يحدث ، ماذا جرى ؟؟
أعاد ما قاله بغضب ثم قال : ألا تسمع ! انهض فالمالك في انتظارك .
قلت بهلع : أبو أحمد !! يا إلهي ! حسنا ، إني قادم .
أخذت ثوبي من الخزانة ، كويته ثم ارتديته ، بعد ذلك خرجت من الغرفة متجها إلى الڤيلا .
كانت الڤيلا من الخارج مهيبة جدا ، حيث كان في منتصف الواجهة درج كبير يتلوه مساحة زينت بالرخام البيج اللامع ، ثم باب خشبي كبير مطلي باللون البني الداكن ومزخرف بالزخارف الاسلامية بمقابض ذهبية ، وعن يمين ويسار تلك المساحة الرخامية كانت دكتان كبيرتان ، وكان سقف المساحة نصف دائري يتدلى منها ثريا صغيرة مضيئة بإنارة صفراء .
هيبة الڤيلا وفخامتها اذهلتني ، فقد كانت مزينة بإناراتها الخارجية كلها على غير العادة وكأنها كست بحلي العيد ، صعدت الدرجات ثم طرقت الباب و فتحته ، استقبلتني رائحة البخور الجميله مع هواء التكييف البارد ، دفعت الباب بقوة اكبر ونظرت يميني فإذا بصالة فارغة ولكنها مضائة ، رفعت صوتي بالسلام ثم التفت من خلف الباب على جهة اليسار وتجمدت أطرافي ليس من برد الهواء بل حينما رأيتها .
كانت فتاة ذو بشرة حنطية في عمر ما بين الثلاثة عشرة سنة الى الخمسة عشرة سنة تقف امام رجل اعتقد انه ابوها ، شعرها الأسود مجدول على كتفها وفستانها الأزرق القصير قد اتم جمالها ، زهت شفتيها بحمرة وردية لامعة خفيفة وكحل اسود على عينيها .
كانت نظرتي تلك في لحضات ، لحضات لا اذكر حتى هل ردوا السلام أم لا . وحين عدت لوعيي توجهة لأبو أحمد فسلمت عليه ثم على من يجلس في يمينه وهكذا حتى انتهى الضيوف .
وأنا أسلم عليهم لاحظتها تذهب إلى الداخل وأعتقد بأن ذهابها كان بسبب وجودي ، احسست بضيق في صدري فلم اتمعن في ملامحها جيدا .
ولأني مضيف ، أخذت الدلة والفناجيل وبدأت بخدمتهم .
وفي غرار حديثهم قال أبو أحمد : لم أعرفكم على ابني .
ابتسمت حين سمعت كلمة "ابني" من صوت رجل كبير ، فقد لامست روحي وحركت وجداني ،
اردف ابو احمد قائلا : هذا سلمان ، سيعمل هنا في هذا البيت .
قال احد الجالسين : سلمان ابن من ؟
قال ابو احمد بسرعة : اذهب واسكب لعمك (واشار الى رجل اخر من الجالسين ) .
ثم اردف قائلا : يا أهلا بكم احبتي ، الان أضن انه من حق سلمان ان يتعرف عليكم .
بدأ أبو أحمد يعرفني عليهم ، وكأنه يحاول التهرب من سؤال ذلك الضيف ، ولكن لماذا تهرب ؟ ولماذا لم يسأل منذ البداية ؟ هل يعرف حقيقتي ؟ ام سمع عني ؟
المهم ، فهمت من ابو أحمد ان ثلاثة من الحاظرين هم جيرانه ، وواحد يدعى متعب زوج ابنة أبو أحمد الوحيدة جواهر ، واب لفتاة تدعى العنود ، هي تلك الفتاة الصغيرة الجميلة اللتي رأيتها ، والخامس هو ابن لأبو أحمد اسمه فهد مبتعث قادم من استراليا في عطلة .
كنت مستمتعا جدا ، كانوا يتحدثون في انسجام ويضحكون ويتبادلون الذكريات ويتمازحون ، حتى فتح الباب الخشبي الكبير بقوة ودخل منه رجل ملتحي ، سلّم بصوته ثم دخل الى داخل الڤيلا .
استغربنا جدا من طريقة دخوله ، فلحق به فهد .
عاد الجو المرح للمجلس ، عادوا لتبادل الأحاديث حتى سمعنا صوت شيء يستدم في الأرض ، تلى ذلك صوت رجال يتجادلون تابع ذلك صوت لامرأة كبيرة تصرخ وتصرخ ومن ثم رجل يتكلم بكلمات غير واضحة .
صدمنا ، فنهض كل من في المجلس على صوت ذلك الصراخ ، بدأ أبو أحمد بالتهليل والاستغفار محاولا تثبيت نفسه ، ثم سار بسرعة الى داخل الڤيلا ليرى ما يحدث .
قاموا اصدقاء أبو أحمد ، فاعتذنا منهم عما حدث وذهبوا .
استمر الصراخ المتبادل وصاحبه صراخ أبو أحمد مطالبهم بالهدواء والثبات .
أنا وأب العنود خرجنا الى الدكة وجلسنا خارج الڤيلا .
سألته بسرعة عن الرجل الملتحي فأجاب بأنه أحمد اكبر ابناء أب أحمد .
خرج أحمد مسرعا وخلفه اصوات بكاء ونياح ، ركب سيارته وذهب مسرعا الى خارج المزرعة .
بعد دقائق من خروجه ، خرج فهد من الڤيلا يحمل امرأة مسنة وهو يقول : طلال ، طلال افتح قفل سيارتك ، بسررعه .
نهض وفتحها بجهاز التحكم عن بعد ثم لحق بهم الى السيارة ليقودها .
خرج أب أحمد من الڤيلا وهو في حالة يرثى لها ، يبكي ويطلب الله أن يمُدَ بعمر امرأته ، تلى خروجه خروج ابنته جواهر تبكي ، فحضنته وهي تردد كلمة "امي" بصوت ارهقه الصراخ .
رغم صعوبة الموقف بدأ أب أحمد بصوت تعب يصبرها ويمسح على رأسها ويدعو ربه أن ينقذ امرأته .

ماذا حدث في الداخل ؟
ماذا فعل أحمد ؟
وماذا بها تلك المرأة المسنة ؟
وبعيدا عن صخب ما يحدث ،
هل العنود صاحبة العيون البريئة ؟

فرصة للعيش Where stories live. Discover now