كشف المستور

155 9 0
                                    

نستغرب من ظروف الحياة عادة ، ونستجير من انتكاساتها دائما , اقدارها تعصف بنا لترسم طريق غير طريقنا وتبدل حالنا وتعسر امورنا ، لتجعلنا في حيرة نبحث عن الخير فيما حدث .
فبعد أن وجدت نفسي فاقد لذاكرتي في صحراء رماني فيها أبي ظنا منه اني قد مت ، مشيت باحثا عن مساعدة حتى التقيت بمحمد ، ذلك الأجنبي اللذي مد لي يد العون ، وأسقاني واطعمني وألبسني ثم استودعني أبو أحمد في مزرعته لأكون له ابنا وعاملا في نفس الوقت .
وأثناء مكوثي في مزرعته وعملي فيها ، سطى علينا رجال ملثمين بأسلحتهم ، كان قصدهم أن يهربوا عن الشرطه عن طريق التهديد بالإضرار بي وبعائلة ابو احمد ، استمر التهديد وتسليط السلاح حتى انقذنا رجال الشرطة منهم ، ولكن خطفني بسرعة واحد منهم عرفت بعد ذلك أنه أبي ! وانه عاد باحثا عني ، معلنا رغبته بأخذي ، ولكني رفضت طلبه ، كما رفضت أسفه ، لأبقى في أمان عند أبو أحمد وعائلته.

وها انا تحاصرني نظرات أبي المحبطه والمودعه ، واللتي تملؤها دموع الحسرة والألم ، بينما اتنعم بأحضان أبو أحمد وابنته العنود ، تلك الأحضان المليئة بالحب والحنان .
كنت حينها سعيدا بهذه العائلة ، وهذه الخاتمه الجميله ، وكأن الله كتب لي حياة اجمل من حياتي السابقة ، ولكني حزين على ماض كنت سأفتخر به أمام أبو أحمد وعائلته والجميع ، بأب يشار إليه بالبنان ، وعائلة لها احترامها في البلد .

وبين جموع من الناس ومن أفراد الشرطة والاسعاف ، وضع رجل خلفي يده على كتفي ، فشد قبضته عليه ، فسحبني لييعدني عن أحضان الأب وابنته ، إلتفت لحضتها لأراه رجلا يرتدي الزي السعودي ، ملامحه حادة جدا تبين مدى قوته وجبروته .

ابتسم وقال : اسف لأني قطعت عليك هذه اللحضات الجميله ولكن حان الوقت لكشف المستور يا بني .
قال كلماته الأخيره "حان الوقت لكشف المستور يا بني " بخيث دفين وكأنه امام مجرم غامض أو قاتل متسلسل .
قلت له بصوت مرعوب : اااااا اسمع ، هناك سوء فهم !
ارتفع صوت أبو أحمد المذهول قائلا : ماذا يحدث ؟ ومن أنت ؟
أجاب الرجل الغريب مخرجا بطاقته : معك صالح تركي ، محقق في مكافحة المخدرات .
أكمل قائلا : أعمل في قضايا مروجي المخدرات وملاحقتهم .
سأل أبو أحمد : وماذا تريد بنا ؟
قال المحقق : أنا لا حاجت لي بك ولا بعائلتك ، إن كل ما أسعى إليه هو ...
نظر إلي بنظرته الخبيثه ثم قال :... إلقاء القبض على جميع المروجين دون استثناء ، ومثولهم للمحكمه ، وتطبيق أحكام الشرع بحقهم .
ابتسم أبو أحمد وقال : أحسنتم صنعا ، ها انتم أحرزتم تقدما كبيرا في قبضكم لهذه المجموعة الخطيره ، ولكن لما توجه الخطاب نحو سلمان ؟
قال في استغراب : سلمان ! ومن سلمان هذا ؟
صدم أبو أحمد من طريقة حديث المحقق فلم ينطق بكلمه غير انه قال : اااا هذا ! . مشيرا إلي .
ضحك المحقق بصوت عال ثم قال : يالطيبة قلبك ! أعلم أنك اعلته ووفرت له مسكن وملبس ...
تغيرت نبرة صوته قائلا : ولكن طيبتك خلقت لك المشاكل هذه المره .
بلع أبو أحمد رمقه ثم نظر إلي وسأل المحقق قائلا : ماذا تقصد ؟ .
قال المحقق : ان الحقيقة المُره هي أن وجود المجرمين في بيتك بسببه ، والخافي اعظم .
نظر أبو أحمد إلي ثم قال موجها كلامه لي هذه المره : قل شيء يا سلمان !.
قلت : هناك سوء فهم وسأشرح لك التفاصيل ، اعدك بهذا .
قال المحقق : فات الأوان .
قال أبو أحمد : أيها المحقق ، هل لك أن توضح ماللذي يجري ؟ .
رفع المحقق صوته مجيبا : هذا الصبي يا أبو أحمد مروج مخدرات مع هذه العصابة ..
قاطعت كلامه بصوت عال : لا لا لا لم يكن كذلك ..
نظر إلي ثم قال : لا تنكر ، فالأدلة كلها تشير بأنك كنت معهم لفترة طويله .
قلت والدموع تملأ عيني : ولكن لم أكن أروج صدقني .
جاء صوت رجل أخر يمشي قادما إلينا قائلا: المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، كل ما تقوله لا يستند إلى أدلة تدينه بالجرم .
كان المتحدث رجل اربيعيني يرتدي زي الشرطة .
نظر إليه المحقق بابتسامة الواثق قائلا : وماذا عن الدماء اللتي وجدوها في حادث السيارة ذاك ، وحمض ال DNA يوضح أنه صاحب تلك الدماء ، وانظر الى الحرح في مؤخرة رأسه ، ولا تنسى ، لقد كانت بصمات الصبي موجودة ، أضف إلى ذلك أقوال الشهود اللذين أقروا بأن الصبي كان مع العصابة طيلة الشهور الماضيه .
قال الشرطي : هذا يثبت وجوده معهم ولكن لا يثبت أنه يروج المخدرات ...
قال أبو أحمد مقاطعا حديثهم : ولكن ماذا يحدث هنا ؟ عن من تتكلمون ؟ هل انتم حقا تتكلمون عن سلمان ؟ .
نظرت العنود إلي وسألتني بشكل مباشر : ماذا يحدث يا سلمان ؟ لماذا تلتزم الصمت وكأنك توافقهم على ما يقولون ؟
قلت مطأطأ الرأس: أنا لا أذكر شيئا !
قال أبو أحمد محاولا اقناعي : فسر لنا مايحدث يابني ، فقد استطيع مساعدتك .
قلت : اقسم بالله أنني لا اذكر شيئا .
غضبت العنود ومسكت اكتافي وقالت بصوت عال : ماذا تقصد بأنك لا تذكر ؟! هؤلاء الرجال يحاولون اتهامك بجرم عظيم ، تكلم يارجل تكلم .
قلت بغضب : لقد اقسمت اني لا اذكر شيئا مما قالوا .
ابعدت يديها عن كتفي بقوة ثم نظرت الى المحقق صالح فقلت : وجدت نفسي ملقا في صحراء قاحلة لاحول لي ولا قوة ، تكسوني الجروح والدماء الجافه ، ركضت ومشيت وحبوت حتى وصلت الى محطة فيها اطعمني عامل يعمل بها واسقاني ثم ارسلني لكي اعمل في المزرعة .
نظرت الى ابو احمد بعيون نادمه واستطردت قائلا : لم اقصد الكذب عليك ، ولكن كنت مضطرا لأعيش ، وهذا صحيح ، أنا لست سلمان ، وأبي ليس فقيرا معدما ، أنا لا أعرف اسمي حتى ولا اعرف ابي  .
ثم نظرت الى المكان اللذي كنت فيه انا وابي فقلت : ومن كان يهددني بالقتل ... غلب على صوتي البكاء ولكن تحاملت على نفسي وقلت: ... كان أبي ، على الأقل كما يقول .
سالت دموعي وتبعثرت حروفي ولم استطع الكلام فبكيت وجلست على ركبتي .
قال أبو أحمد بصوت خافت : لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
قال الشرطي : بني ! كل شيء سيكون على ما يرام ، لا تقلق ، ولكن يجب ان نأخذك معنا الى مركز الشرطة ليبدأ التحقيق معك .

قالت العنود : اسفة على ما سأقوله ولكن الصبي قال انه لا يذكر شيئا ، كيف ستحري تحقيقا معه ؟
اجاب : سنأخذ أقواله واخر ما يذكره علّها تفيدنا في القضيه .
قال المحقق : ستحتاج الى محامي ممتاز حتى تخرج من هذا المأزق يا بني .
نظرت إليه ولم انطق بكلمة .
فقالت العنود لأبيها : ابي علينا مساعدته بأي طريقة .
قال الأب : لا يابنتي هذا الأمر لا يعنينا .
تفاجأت من رده فقمت من مكاني قادم إليه ثم قلت : لا يعنيك ! ولكني مظلوم .
قال : سأدعوا الله أن يحق الحق ويبطل الباطل ، فإن كنت مظلوما فالله معك .
قالت العنود : ولكن يا أبي ...
قاطع كلامها قائلا : هيا بنا فلا فائدة من وقوقنا هنا .
فسحبها بعيدا عني ، لترحل عائلة حظنتني وحمتني في وقت احتجت لعائلة ، ابتعدوا وتركوني اواجه مصيري وحدي كما كنت في الصحراء ، ولكن جروحي هذه المره اصبحت اكبر من ان اتحملها .

توجهنا الى مركز الشرطة ، حبسوني في سجن صغير مع بعض الموقوفين من اعمار مختلفة كنت انا اصغرهم ، همومي اعتقد انها اكبر من همومهم ، فالتهمة التي يتهموني بها لا اعرف كيف ابرئ نفسي منها لأني لا اعلم ان كنت برئ منها ام لا ، والأدهى من ذلك والأمر ان عقوبة المروج هي القصاص ، فما العمل ؟

مرت الثواني والدقائق والساعات بصعوبة بالغة ، حتى أوقف هذا الانتظار صوت الشرطي إذ نادى : ناصر عيدالله .
لم يرد عليه احد ، فأعاد مناديا : ناصر عبدالله .
قمت من مكاني قائلا : اعتقد بأنه أنا . فقربت إليه بتردد حتى قال : هيا سوف تخرج بكفالة .
توقفت وفكرت بالأمر بسرعة ثم قلت : حسنا هذا ليس أنا .
فعدت إلى مكاني ،
فقال الشرطي : ايها الصبي هذا ليس وقت المزاح .
قلت له : أتأسف منك .
قال : إذا تعال إلى هنا ألا تريد الخروج ؟
قلت : وهل أنت متأكد بأنه انا ؟!
قال سائلا : ألست ناصر ؟
تأتأت بالكلام حتى قلت : لا اعلم ، فقد اكون انا هو !
ضحك بعض من حولي ظنا منهم اني أمزح ، ولكن تعرق وجهي وتاهت ملامحي لا أعرف مالذي يجب فعله .
ضرب الشرطي الباب بقوة حتى سكت الضاحكون ثم قال : لا تعبث معي حتى لا تندم .
قدمت إليه مسرعا فقلت له بصوت منخفض : أنا فاقد لذاكرتي ، هلّ ساعدتني ؟
نظر إلي متفاجئ ثم قال : حسنا .
ذهب مسرعا وكأنه يريد التأكد من اني صاحب ذاك الاسم ثم عاد واخذني .

خروج بكفاله !
وانا امشي ذاهب الى كافلي كنت اتوقع رؤية أبو أحمد أو فرد من عائلته ، ولكن حين وصلت ، تفاجأت بذاك الشخص .

فمن هذا الشخص ؟

فرصة للعيش حيث تعيش القصص. اكتشف الآن