♢المكنـونُ في الداخـل.

3.3K 440 381
                                    

┏✰━━━━ƸӜƷ ━━━━✰┓

انطلقت تنهيدة خافتة من بين شفتي تلك القهوائية التي خطت بتكاسلٍ صغير نحو طاولةٍ من الالمنيوم اللامع، فأسندت خصرها هناك وعقدت ذراعيها بخفةٍ إلى صدرها. يبدو وجهها عابسًا بحاجبيها المقطوبين وعدستيها الّتين تقلبهما انزعاجًا عندما تمتمت بتذمُّرٍ حانق يكادُ يكون هسهسةً متوعدة.

[مجددًا؟ بجدية ألا يقومُ أيُّ أحدٍ من أولئكَ الأوغاد بعمله؟]

حدّثت ميريت والدتها التي تقف في المطبخ متتبعةً إياها بعينيها فيما كانت تتحرك بعجل لتحضير علبةُ الغداء البلاستيكية، ووقعُ خطواتها المسرعة هي الشيء الوحيد الذي حصلت عليه ميريت كجوابٍ أولاً. يبدو أنه كان يومًا آخر في منزل السيد بارك، حيثُ أطلَّ الضوء البارد للسماء الصباحية من النوافذ قبل أن تستيقظ الشمس لتنشر أشعتها الدافئة، فتغرق الأحياءُ في الصمتِ العميق حيث لا وجودَ لأصواتٍ في البعيد إلا بين فترةٍ وأخرى حين تمرُّ بعض السيارات الهادئة التي تمضي بمالكيها نحو أشغالهم.

أضاءَ مطبخُ العائلةِ بارك بسبب الستائر الأرجوانية الناعمة التي أُزيحَت عن النوافذ، وها هما والديها مُجددًا.. يُغادران مُبكرًا جدًا من أجل العمل.

السيدة بارك ذات الخصلات القهوائية التي أورثتها لابنتها الكُبرى تجولُ على عجل بين الثلاجةِ بلونِ الأرجوان ودواليب الألمنيوم الصغيرة كي تستطيع الانتهاء من عُلبتي الغداء التي تخصها وزوجها سريعًا. شعرها القصير تجمعه في كعكةٍ رسمية فوق رأسها ويبدو زيّها الرصاصي المختلط بالأبيض مُناسبًا جدًا لموظفةِ شركة متواضعة، ببنطالٍ فضفاض وحذاءٍ مُرتفع يترك طرقاتٍ صغيرة خلفها.

تملك عينين صغيرتين بلونِ قهوةٍ مُرّة، وقد كانت بشرتها النظرة تقاوم بعض التجاعيد الصغيرة في وجهها الناعم، ففي معالمها أناقةٌ وأنوثة هادئة. كان جسدها الصغير لا يزال محافظًا على رشاقته ومنحنياته ولكنها أقصر من ابنتها التي تُراقبها بعيونٍ مُتذمّرة تختلفُ عن كوبي القهوة في عدستي السيدة بارك، فخاصةُ ميريت تملك رغوة من الكراميل الهادئ يطوفُ فيهما، وشاهدت والدتها أخيرًا تقومُ بإغلاقِ العلبتين بإحكام قبل أن ترفعهما من الطاولة بتنهيدةٍ خافتة لتُعلن عن انتهائها.

[تعرفين ماهيّةُ عملنا عزيزتي. أُريدكِ فقط أن تنتبهي لنفسكِ ولشقيقك و..]

[نعم أمي لا تقلقي، لديكِ إمرأة خلفكِ.]

سمعت ميريت إجابةً لسؤالها أخيرًا، رغم أنها لمحت القلِق يختبئ في المعالِم الهادئة لوجهِ والدتها. لم تكُن ترغب بجعلها تقلق أكثر من اللازم عليها أو على جيمين الصغير الذي كادَ يجعلها تختنق بأنفاسها عندما رأت صُبغته البرتقالية، وبقدرِ ما كانَ المشهد مضحكًا ليلةَ أمس إلا أن ميريت طمأنتها بأن كل شيء يسير بسلاسة في غيابها ووالدها، ولا حاجة بهما أن يحمِلا همًّا. تريدهما أن يظنَّا ذلك دومًا كي لا يزيدَ العبئ عليهما.. لذا فرّقت شفتيها لتُقاطعها بهداوةٍ فيما هي تنقر بأصابعها على ذراعها بخفة.

مينويت! || Minuet!Where stories live. Discover now