الفصل الاول

20.1K 389 200
                                    

مدينة پارسه، عام 330 ق. م [1]

تقاعستْ شمسُ أيلول عن الاستيقاظِ هذا النهار، تشبثتْ بلحافِ الغيماتَ الرمادية، تسأل أن نمهلها القليلّ من الوقتِ بعد!

عزفتْ رياحُ هذا الخريف سمفونيةَ الوداعِ بحفيفِ الأشجارِ، هزتْ الأغصانُ خُصرَها، تساقطتْ وريقاتها، طارتْ مع صفيرِ الريحِ إلى البعيد.

قُربَ شجرة البرتقالِ، بعيداً عن مدينةِ پارسه، يستلقي ڤاريس تحتها، و قد غيّـبـَهُ النوم الثقيل عن برودةِ جو هذا اليوم.

هوتْ إحدى الوريقاتَ فوقَ وجههِ الاسمر الغافي، أحسَّ بدغدغةٍ أستنفرها جلدُه، فتحَ عينيه البنيتين بتثاقل، رفرفَ برمشيه الكثيفة، محاولًا تطيِّرَ النعاس عن مقلتيه، حتى أبصرَّ ما أمامه.

طالعَ بنظره الفضاء الذي فوقه، الشجرة المتمايلة بِفعلِ الريح، بلا مبالاة، بلا ردة فعلٍ تُذكر، يطالع الفراغ، كأنه لا يزالُ مغموراً في حلم.

انتفضَ كالملسوع من مكانه، وخطَّ الأضطرابُ قسمات وجهه، جالَ بنظره لِما حوله، و حيثما حطّ بِبصره لم يكنْ هناك من شيءٍ سوى السهلِ الأخضر، يجري فيه نهرٌ ممتد على مسافةِ شبه بعيدة عنه ، أشجارٌ كثيفة الخضرة تتوزعُ بعشوائيةٍ في السهل. حركَ رأسه يمنة و يسرة، لا يعرفُ كيف حطتْ أقدامه رِحالها ها هنا.

سؤالٌ واحدٌ كانَ يمزقُ رأسه :
(( كيف وصلتُ إلى هنا؟ ما الذي حدث بالأمس؟ !! )).

غلبَ عليه الضياع و التيه، أستغرقَ في التفكيرِ لمدةٍ بَدتْ دهراً، توغلَ بأصابعهِ في خصلاتَ شعِره السوداء الكثيفة، مَرَثَ فروة رأسه، علَّ فكرة او ذكرى تعود إلى رأسه، لكن ما من جديد.

حينما استسلمَ لنسيانه، قررَ العودةَ إلى المكانِ الذي يعرفه، حيثُ منزله و مَدينته، و جلَّ ما في خاطرِه من إجابة هي السُكر، الخمر لا محالة من أوصله لهذا المكان.

بدا أن المكان كانَ أطراف مدينته، فحَثَّ الخطى مشياً للعودة حيثُ ينتمي، لحظةَ ما بلَغَ مركزَ المدينة، صَفَعته رَوائح البضائع المعروضة، حيثُ الباعة المنتشرين في السوق الصاخب بالتجار، يُنَمقون الكلام و يَزيِدونه بلاغة، مروجين لِبضاعتهم الذهبية، حيث لا مثيلَ لها عند مُنافِسيهم .

إجتازَ طريقَ السوقِ المُفضي إلى مكان استراحة الِكلالة والعاطلين أمثاله، جلسَ بمللٍ على أحدِ المقاعدِ المُهترِئة من الخشب المُتآكل.

حَدقَ بالذاهِب و القادم و لا يَجولُّ بداخِله سوى اللامُبالاة بالاهتِمام بما قد يكون حَدثَ في أمسِه المَنّسي،

_ سيكونُ يوماً مُملًا كَباقي الايام التي اعيشُها، اكادُّ اُقسم بالالهة انني قد تَناولتُ الافيون طوالَ النهار حتى حَملَّتني قدمي خارجَ المدينة، أنه التَفسيرُ الوحيد .

شارورWhere stories live. Discover now