الفصل الثاني

4.2K 149 55
                                    

تابعَ ڤاريس طريقَه خلفَ تاميانا الى حيث مضتْ، مولية أدبارها عن سوقِ المدينةِ، لمْ يجعلْها تُلاحِظ خُطواتَه الصامتة، رُغمَ حذرِها الشديدِ المُثيرِ للرَيبةِ، و هي تُبعدُ نفسَها عن الاماكنِ المكتظةِ بالعامة، مُخفيةٌ وجهُها عن الانظار، شيئاً فشيئاً ابتعدْا عن المدينةِ حتى حَثّت الخُطى، و اقتربَتْ للمكان الذي وَجَدَ ڤاريس نفسَه، أثارَ ذلك الريبةَ في قلبِه، و بَدَأَ الشكُ يَتغللُه و يَستَولْي على فِكرِه بِشأنِ تلكَ التاميانا الغامضة.

أَنزلَتْ أغراضَها مِنْ على مَتنِها، ثم تَوقفت بالقرب من الشجرة التي كان ڤاريس يغفو تحتها، حدجت بها و كأنها تنظر الى ادمي، تسمر بمكانه و تشبث بقوة في جذع الشجرة التي كان يتخفى بها، أحس بالغرابة المخلوطة بالخوف من هذه الفتاة الغريبة الاطوار، رغب بالمتابعة، فالفضول الذي تلبس جسده كان اقوى من اي شعور.

مدت تاميانا يدها إلى عنقها و قطعت عقدها المتشبث برقبتها، كان خيط اسود معلق به حجر مثقوب، يلون السواد هيئته الغريبة، حدقت به تاميانا بوجل و تريث، ثم ما لبثت و مدت يديها نحو الخنجر التي اخفته خلف ظهرها، و دفنته في باطن يدها اليسرى، سحبته بقوة و هي تطالع السماء، تعلو على وجهها قسمات الألم، و قبل ان تفتح يديها رمت بعقدها نحو الشجرة حتى سقط على ارضها،  فتحت باطن يديها و تساقطت قطرات الدم على ذلك الحجر. و حينما تأكدت من تلونه بدمها الاحمر، شرعت بالابتعاد عنه خطوة للوراء، ألا ان شيء من الخوف كان يساورها فسحبت نفسها خطوة اخرى مبتعدة،  و بقيت تطالعه بترقب.

ظهر دخان أسود يتلوى فوق ذاك الحجر، حتى بدأ يعلو نحو الشجرة و كأنه يتسلق الهواء، وقف امامها بهيئة غير مكتملة المعالم، لكنها تحدثت بنفس اللغة التي خاطبت بها الشجرة، دار حديث غير مفهوم و مقتضب و قصير الكلمات الى اقصى درجة بين هذين الاثنين الغريبين، حتى عمدت لأخراج حجرها التي وجدته في غرفة ڤاريس، فتغير شكل الدخان الى معالم و طرق، و بدا للأخير بأنه تعرف على تلك الطرق و المعالم المرسومة بالدخان، شرعت تتغير لرسم اخر،  فأسرعت تاميانا بطريقة مفاجأة البحث عن شيء ما و كأنها تحاول رسم الصور التي يعطيها لها الدخان، إلا ان حقيبتها لم تكن معها، لم يخطر ببالها اي طريقة للاحتفاظ بتلك الرسوم، حتى رُمي عليها غصن قصير يابس، رفعت رأسها و الدهشة تعلو هيئتها، فوجدته ڤاريس يقف امامها ، و ندت عنه أبتسامة قائلا:
_أرسمي بهذا في التربة!

نظرت له بأمتعاض و زجرت به قائلة:
_ ايها الماكر هل كنت تتعقبني، ما الذي تفعله هنا؟

بنبرة لا مبالية مكتفاً يديه امامها بنرجسية:
_ اسرعي بالرسم فالدخان على وشك أن يتغير.

صرت على اسنانها و هي غاضبة من أضطرارها بمشاهدته اياها، و خطت ما رسمه الدخان لها، و لكنه اختفى قبل أن تكمله، ثم عاد الدخان ليرسم طريق اخر و تغير الرسم مرة اخرى،  ثم عاد الى هيئته الغريبة .

شارورWhere stories live. Discover now