الفصل الثالث

1.7K 123 41
                                    

أسوس [1]

علت شمس الظهيرة الحارة على غير عادة الطقس هذه الايام، فتارة تصفر الرياح بنسيمها البارد، و تعصف بغضبها اغصان الشجر، و جلاليب البشر، و تارة تهب نسمات هادئة، تلطف من الجو المشحون بالغضب الذي افتعلته الرياح العاصفة.

انكفأ المسافرين و لاذا بظل شجرة وارف أخضرها،  بدا لها المكان قاحل مهجور، تناوت قربة الماء التي ملئتها تاميانا قبل بدء رحلتهما الى اسوس، ارتوى ڤاريس بعد ان ناولته القربة.

سألته بنبرة ممتعضة:
_ ان رائحة نتنة تفوح من هذا المكان، اليس هذا غريب، هل روث الحيوانات يملء نتانتها المكان الى هذه الدرجة

مسح قطرات الماء من على فمه، و اغلق غطاء القربة و حدثها:
_ انها ليست رائحة روث الحيوانات، إنما رائحة الموت!

كادت ان تطيح بها الدهشة، التفتت نحوه و سحنتها تشي بالفضول المختلط بالاستغراب و الخوف، نظر لها بعين انهكها التعب و حرارة و الشمس اللاسعة، ثم ندت عنه ابتسامة جانبية و استأنف حديثه و هو يطالع المكان الاجرد امامهم :
_ هل تعلمين ما حدث هنا تاميانا؟! هل تعرفين ما شهدته أسوس قبل سنة من الان؟ ! لا اعتقد ان للعقل ان يعقل او يتصور بشاعة ما جرى هنا، لذا سأختصرها بقدر ما استطيع .. بدأ كل شيء منذ دخول الاسكندر اسيا و في نيته أنهاء كل ارض تدعى فارس، و فعل ذلك في معركة نهر الغرانغوس حيث كان انتصاره الاول الذي جلب له مفاتيح مدينة سارد و خزائنها، ثم تقدم ليظم المدن واحدة تلو الاخرى، و يهدد عرش دارا الثالث، فعمد الاخير الى أحضار جيش يبلغ ضعف جيش الاسكندر ثلاث مرات، و انظم هو بنفسه مشاركا في المعركة، و أسفرت الحرب حتى حمي الوطيس، و تمكن الاسكندر من النصر المهيب و الحق هزيمة نكراء بجيش عدوه، و ساروا فوق اكوام الجثث الفارسية، التي كانت ستبني سد منيعا لو ترامت الواحدة فوق الاخرى،  هرب ملكهم تاركاً سيفه و ثروته و حتى عائلته خلفه.

قاطعته تاميانا بنبرة متلهفة:
_ اعلم ما حصل لعائلة داريوس عندما تركها في الخيمة الملكية، لقد وصل خبر سجود الملكة الام سيقسمبير والدة الملك داريوس الى هيفستون صديق الأسكندر، ظنا منها أنه الاسكندر، تطلب منه الرحمة، يقال ان الاسكندر، عدها كأم له بعد ذلك، و حفظ للعائلة الملكية مكانتها.

_ للاسكندر سياسة رائعة ، و اساليب ذكية في الاحتلال، الا انه يعلم ان انتصاره في الحرب لا يكون بالفوز بالمعارك فقط،  فزواجه بالاميرة سياترا الثانية ابنة الملك و حفيدة الملكة الام، منحه السلطة الكاملة في الاحتلال.

- و أين اصبح الملك داريوس الان؟

نهض من مكانه و هو ينفظ الرمال من على بنطاله البني ،و أحكم تثبيت خنجره على خصره، و لف رأسه بشال طويل غطا به وجهه، وقاية من حرارة الشمس،  و لم تبرز سوى عينيه الجذابتين، استطرد حديثه و هو يهم لمعاودة المسير:
_ يقال انه في بابل، وجهتنا المقبلة،  لذا لم لا نمضي الان لنجد حجر اسوس، ثم نذهب لبابل لنتأكد من وجود الملك دارا هناك.

شارورWhere stories live. Discover now