١١

95K 3.5K 130
                                    

الفصل الحادي عشر

تحركت بتوتر في ارجاء غرفتها، لم يهدأ ذهنها عن التفكير، وخاصة بعدما أمرها عمار بالصعود لشقتها، لم يغيب عنها نظرات والدها لها، ولم تستطيع تفسير الكم الهائل من المشاعر التي انبعثت من عنياه، قضمت شفتيها من فرط قلقها، تقدمت من نافذتها ثم فتحتها ببطء ونظرت للاسفل وجدتهم مازالو يتحدثوا، تمنت في هذه اللحظة ان تستمع الى حديثهم..تمسكت بحافة الشرفة بقوة وكانها تضغط بقوة على قلبها وذلك العقل الذي حتما سيقتلها يوما من كثرة التفكير...
اما بالاسفل فكان يظهر للمارة من امامهم، شخصان يتحدثون بهدوء، اما في الحقيقة فكانت تنبعث النيران من عينيهم وطريقه حديثهم اللاذع لبعضهم حتى كادت تصل الى تلك المسكينة التي تقف فوقهم في شرفتها، وهي تراقبهم بخوف شديد...
عمار : زي ما سمعت وبكررها مالكش دعوة بمـــــراتـــي.
ضغط على حروف كلمته الأخيرة بقوة متلذذًا بنطقها امام خصمه، اما علي فعقد ذراعيه امامه ببرود قائًلا : هو انت فاكر ان ممكن اخاف من شوية الملاليم اللي كونتها في سفريتك في الامارات دي..
التوى فم عمار بسخرية قائلًا : وانت كمان فاكر ان ممكن اخاف من انك حتة امين شرطة..
رفع والد خديجة " علي " احد حاجبيه قائلًا : طب ما انت خفت زمان يا عمار، وهربت وسبتها فاكر ولا لأ.
اشار عمار بيده نافيًا ثم قال باستفزاز : لا تعال كده نتفكر ونرجع للماضي شوية، ولا يمكن الماضي انت غيرته زي ما بتغير حقايق كتير باوهامك...
( فلاش باك )..
صعد الدرج بسرعة كبيرة وهو يلهث بقوة ، متمنيًا بداخله ان يراها ويمعن نظره وقلبه برؤيتها... دق الجرس بعنف كبير كعنفوان قلبه الثائر.. وبعد دقائق فتحت له ليلى الصغيرة..
ليلى بطفولة : ابيه عمار!..
دلف الى الشقة سريعًا وهو يتخطى ليلى مناديًا بصوت مرتفع : خديجة
هتفت ليلى من خلفه : بتجيب فستان الفرح!.
رغم بساطة حديثها  العفوي الا انه هزه بقوة ، وجعلت من عنفوان قلبه ثورة كبيرة تندلع منها ألسنة اللهيب التي لو كان زوج خالته امامه لاحرقته كاملًا..
جلس مكانه ينتظرها، فـلاخر لحظة يعطي نفسه املًا في تغير قراره اللعين، وها هو اتى من سفره وامياله البعيدة املًا بان يتزوج بمن دق قلبه لها لاول مرة في حياته..
مرت ساعة ثم اثنين حتى وجد باب الشقة يفتح، فانتفض من جلسته ينتظر دخولها، رأها تدلف منكسرة ومنكسة الوجه ارضًا، فهمس باسمها بلوعة وعشق : خديجة.
رفعت وجهها الحزين بعدما سمعت همسه باسمها ، رأته امامها، فهتفت غير مصدقة : عمار انت جيت ؟
تقدم نحوها وهو يهز رأسه بقوة : اه جيت، جيتلك يا خديجة .
هتفت منى والده خديجة  : ايه اللي جابك يا عمار..
حول بصره نحو خالته ليقول:  ده الي ربنا قدرك عليه يا خالتي !.
قالت منى بقلة حيلة ورجاء : ارجوك امشي يا عمار، بلاش مشاكل مع علي .
جذب يد خديجة قائلًا بتحدِ وقوة : لا، يا يوافق بجوازي منها زي ماحنا مخطوبين، ياما هاخدها واتجوزها غصب عنه!.
همست خديجة بضعف : امشي يا عمار  علشان مستقبلك..
قاطعها عمار  بقوة : انا اتخليت عن شغلي ومستقبلي علشان خاطرك يا خديجة ، تعالي معايا انا خسرت كل حاجة عشانك انتي..
همست بحزن وخوف : بابا مش هايسبك في حالك.
ابتسم بسخرية ليقول مستنكرًا : ليه ان شاء الله بيشتغل وزير، ده حيالله امين شرطة !.
وقبل ان تتحدث، سبقها والدها بصوته الغليظ : امين شرطة اه بس نابه ازرق يا عمار وده اخر تحذير ليك!.
وقف امامه عمار ورمقه بتحدِ قائلًا بصوت مرتفع : انا مش هاخاف منك مبقاش عندي حاجة اخسرها!..
جذب علي سلاحه الناري قائلًا بتهديد لاذع : والله لو منزلتش حالًا وبعدت عن بيتي وعن بنتي، لافرغه فيك ومش هاخد فيك يوم سجن!.
ارتعشت يديها وهي تضعها لاول مرة على صدره تمنعه عن حديثه وهي تقول : لو سمحت امشي يا عمار ، خلاص انا موافقة ، روح لشغلك ومستقبلك..
حول بصره نحوها بصدمة قائلًا بتوبيخ : بطلي ضعفك ده وقولي لا باعلى صوتك، وانا معاكي، عيشتي حياتك في قرف، انتي تستاهلي تعيشي حياة احسن وانضف، انتي انضف من انك تكوني بنت راجل زي ده!.
زمجر والدها وخرج من فمه سُباب لاذع وتوبيخ لما قاله ذلك الوقح من وجهة نظره ولم يعرف انه الوقاحة بحد ذاتها...فسارعت وهي تقول : لو سمحت اطلع بره وارجع سافر، وان شاء الله ربنا يعوضك باللي احسن مني.
قالت كلماتها الأخيرة ودلفت لغرفتها تدفن وجهها في اقرب وسادة ، وهي تجهش بالبكاء وصدرها يعلو ويهبط بقوة ، منعت صوتها من الصراخ لكن سمحت لذلك القلب الضعيف بالصراخ، فخرجت رغما عنها عدة آهات حزينة وهي تقول ببكاء ينفطر له نياط القلوب : ليه يارب، ليه حظي كده، ليييه، حكمتك يارب، حكمتك..
( باااك ).
عاد من ذكرياته وهو يقول : افتكرت، هي اللي بعدتني عنها، بعد ما حاولت مرة واتنين، انا مخفتش منك، ولا عمري هاخاف منك، واه خاف من فلوسي لانها هاتأذيك وفي شغلك، واعتبره تهديد ميهمنيش!!.
اسودت ملامح وجه علي من شدة غضبه فقال وهو يقترب منه : مش هاسيبك تاخد بنتي مني، هاطلقها منك يا عمار.
صدرت من عمار ضحكة ساخرة قائلًا : والله انت بقيت مجنون، الماضي أثر عليك جامد، انت متخيل انك بتكلمني عن بنتك اللي من لحمك وصلبك، اللي عاوز ترميها لواحد متجوز غيرها ومخلف كمان  وده كله علشان تنتقم من امها، فوق بقى من الوهم اللي انت عايش فيه، اقولك روح لدكتور نفسي وانا هادفعلك حساب الكشف متقلقش..
اغلق علي عيناه محاولًا السيطرة على انفاسه الغاضبة فقال : ماشي يا عمار، انا وانت والزمن طويل، وهاطلقها يعني هاطلقها، من غير سلام..
تركه وغادر متوعدًا لابنته وقبلها ذلك الفظ عمار، اما عمار فكان شعوره مختلف شعور بالانتصار حقا جميل، انتبه لتلك الراحة التي احتلت صدره عندما استطاع اخيرًا تحقيق ولو جزء بسيط من خطته، لمس صدره وهو يقول : ولسسه، ده كله ولسه مكملتش...
رفع بصره لاعلى وجدها تقف تنظر اليه، رسم قناع الجمود فوق وجهه، ثم دلف الى البناية مقررًا اكمال ما بدأ فيه..
.......
اما بشقة مالك...

قلوب مقيدة بالعشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن