٢٣

87.5K 5.1K 398
                                    

الفصل الثالث والعشرون..

ثياب سوداء... وجه حزين منكسر.... قلب موجوع، عيون تنساب منها الدموع بغزارة....ألم يغزو صدرها بلا رحمة...معدتها تنكمش من الداخل كأنها تريد ان تعتصرها... شهقات تكتمها بصعوبة.... تحدق بالفراغ بلا روح... فراغ شعرت به عندما تلقت خبر موت عمها وأبيها الثاني ، كل ما حولها عباره عن فراغ يزهق قلبها، رأت امامها روحها تركض خلف عمها للحاق به، وبنهاية المطاف يصبح سراب ،
أصوات زملاء عمها حولها تقدم لها التعازي ويديهم الخشنة تربت على يديها، لم تستطيع حتى الرد عليهم ابتلعت حديثها بجوفها وظلت صامتة تحدق فقط امامها ..قطع شرودها جلوس سمير أمامها بوجهه الحزين وصوته المرهق : وحدي الله يا ندى..
همست بصوت مبحوح : ونعم بالله .
ربت على يدها ليقول بنبرة هادئة : قومي يالا خلينا نروح عندي..
هزت رأسها بضعف لتقول : لأ.
حاول سمير اقناعها : بصي يا ندى انا في مقام عمك رأفت لو كنت مكان رأفت..
صمت لبرهة يحاول يخفي أحزانه حتى لا يحزنها أكثر، عاد وتحدث : يعني لو كنت مكانه كان هايعمل كده...
رفعت بصرها وتحدث بحزن : اولاد حضرتك كبار وكتير وطنط الله يرحمها ف مينفعش اقعد عندك..
نهضت وأكملت حديثها : انا هاقعد هنا، ولو زهقت هارجع شقة إسكندرية ، وأكيد لو احتجت حاجه هاقولك.
حاول سمير التحدث، فـ قاطعته قائلة بنبرة مهزوزة : لو سمحت، سبني على راحتي...
نهض ثم وقف امامها ليقول بنبرة حزينة : طيب يابنتي انا هاسيبك على راحتك، بس تأكدي اني دايمًا في ضهرك.
اغتصبت ابتسامة على ثغرها قائلة : عارفة..
دلف المحامي للشقة : السلام عليكم..
التفت سمير بجسده قائلاً : وعليكم السلام اتفضل يا كامل..
اقترب كامل منهم قائلاً بنبرة جادة : عارف انه الوقت مش مناسب بس لازم اتكلم مع ندى..
هز سمير رأسه بتفهم ليقول : انا هامشي يابنتي، رقمي معاكي لو عوزتي حاجة كلميني، ومتنسيش تبعتيلي عنوان شقة اسكندرية .
همست بضعف : حاضر .
غادر سمير، جلس كامل امامها يتحدث برسمية وهي تتلقى حديثه بقلب حزين : عمك رأفت كتب املاكه كلها باسمك لانه كان بيعتبرك بنته، وسابلك الوصية دي ..
اعطاها ظرف مغلق باحكام ثم أكمل حديثه : انا معرفش فيها ايه، هو سلمهالي كده ، صحيح هو في أخر فترة كان طالب يعمل تعديلات فيها بس ربنا استرد ودعيته، وبدام هو اتوفى فـ المفروض اسلمهالك..
نظرت للظرف بشرود وقبضت عليه بقوة ثم قربته من صدرها تحتضنه..
نهض كامل قائلًا : انا هامشي يابنتي لو احتجتي اي حاجة كلميني..
راقبته بعيونها وهو يغلق باب الشقة خلفه، نظرت حولها أصبحت وحيدة، بلا أهل، بلا ونيس، بلا زوج، وحيدة او بالاحرى يتيمة ، الان شعرت بمعنى اليتم ، فقدت والديها وهي صغيرة شعور باليتم لازمها ولكن كانت تمحيه عندما ترى حنان عمها ومعاملته لها، اعتربته ابيها الثاني، اعتبرته كل أهلها، دائما يشعرها بالحنان والدفئ والحماية، فقدت كل شئ في لمح البصر وتبقى لها جدران تحتمي بها، وضعت وجهها بين يديها واطلقت العنان لنفسها وبكت بصوت عاليٍ ، تشنج جسدها اثناء بكائها وارتعشت يديها وهي تحتضن وجهها..
............
أجرى اتصالاً بها للمرة الالف تقريبًا وفي كل مرة يعيطه مغلق، زفر بقوة وهو يشدد على خصلات شعره البنية القصيرة قائلاً : نحس ، يعني كان لازم اسيب الزفت التلفون هنا...
رجع بظهره على كرسيه ليفكر باتصالها المفاجئ له، قطع تفكيرة زميله وهو يطرق على الباب : مالك..
نهض ليفتح الباب قائلاً : ايوه يا خالد.
دلف زميله بالعمل وجلس على أحد الكراسي ليقول : سمعت الخبر ده..
جلس مقابل له ليقول بلامبالاة : خبر ايه ؟!.
ضيق خالد عيونه قائلاً بتعجب : معقولة مسمعتش ، مفتحتش نت مثلا وقريت الخبر!.
القى مالك الهاتف بجواره على المكتب  قائلاً : مبفتحش نت في شغلي وانت عارف، ايه بقى الخبر الرهيب ده...
هتف خالد بوجه حزين : لسه عارفين ان اللوا رأفت مات..
انتفض مالك بعيون جاحظة قائلاً : انت بتقول ايه!!..
هتف خالد : علشان كده استغربت انك متعرفش وخصوصا ان علاقتكو كانت قوية الفترة الأخيرة ، وزعلنا منك انك مقولتش..
نهره مالك بحدة : خالد اخلص، مش فاضي لكلامك ده، قول عرفت ايه..
نهض خالد يقف أمامه : عرفنا انه اتوفى أول امبارح قدام مبنى الإدارة اخد طلقة في قلبه ومات في الحال والعيال اللي عملت كده يبقوا قرايب تاجر المخدرات الي مسكه، كانوا بينتقموا منه، احنا معرفناش الا انهاردة من صفحة الداخلية اتفاجئنا واللوا عادل اتصل بيهم واتأكد من الكلام ده..
دار حول نفسه بعصبية ليقول : ازاي معرفش، ازاي محدش يقولي..
فتح خالد فمه ليتحدث ولكن سبقه مالك وخرج من الغرفة متجه لمكتب قائده ، دلف دون ان يطرق الباب..
_ أسف بس عاوز حضرتك حالًا.
أشار قائده لاحد الضباط بالخروج، وامتثل الاخر لامره، وما ان غادر حتى اندفع مالك : لازم انزل القاهرة حالاً.
ارتفع حاجبي قائده : ليه؟!.
ابتلع مالك ريقه بصعوبة قائلاً : اللوا رأفت توفى وانا لازم انزل حالاً.
نهض قائده ووقف امامه متحدثًا بـ لهجة حاسمة : تنزل القاهرة علشان ايه، هو اتوفى ودفناه انهارده ومفيش عزا ، يبقى عاوز تنزل ليه!!، عاوز تسيب شغلك ليه؟!.
جلس مالك على الكرسي بإنهاك ثم رفع وجهه ليقول : انا عارف ان قصرت في شغلي الفترة دي، ومعترف بكده، بس انا عندي مشكلة مرتبطة باللوا رأفت..
صمت لبرهة : انا كنت متجوز بنت اخوه، واطلقنا، وهي ملهاش حد الا هو، وبموته هي كده وحيدة ، عاوز انزل اخدها واوديها عند أهلي وارجع تاني، لو سمحت يا سيادة اللوا انا عمري ما قصرت في حاجة وعلى طول شغلي في المقام الاول ، بس دي مراتي وملهاش حد وهاسيبها لوحدهااا، ومش عارف أوصلها .
جلس قائده أمامه ليقول متعجبًا : اول مرو اسمع ان رأفت الله يرحمه عنده بنت اخ...
هتف مالك برجاء : حضرتك انا في مشكلة كبيرة ولازم الحقها..
صمت عادل يفكر للحظات ومالك يرمقه برجاء خاص، ثم تحدث بعد فترة : بص لولا ان انا عارف انت ايه واشتغلنا مع بعض كتير، وعمري ما شفت حالتك دي قبل كده، وخصوصًا الايام الي فاتت دي..
اخرج تنهيدة قوية متحدثًا بعدها : وقبل ما اكون في كيان الداخلية عندي أهل وبيت وبنات بردوا، واكيد فاهم شعورك واحساسك..كل اللي اقدر عليه انك تستنى يومين لغاية ما ارجع للإدارة واقدم اي سبب انك ترجع القاهرة واستبدل حد مكانك..
كاد ان يتحدث فقاطعه رئيسه بجدية : احمد ربنا ان انا قولت كده اصلاً، انا بعمل كده علشان عارف انك راجل، وعارف ابوك الله يرحمه، وكمان رأفت رغم ان علاقتنا سطحية بس كان مثال للشهامة ، متحاولش معايا اكتر من كده...حاول تتصل بيها ..
هتف بحزن : للاسف تلفونها مقفول..
ربتت عادل على كتفه ليقول : متقلقش تلاقيها قافله من الصدمة، الصدمة كانت صعبة علينا كلنا، انا نفسي مصدقتش الا لما اتأكدت بنفسي..
هز مالك رأسه بأسى ليقول : الله يرحمه..ويغفرله.
............
بشقة خديجة...

قلوب مقيدة بالعشقWhere stories live. Discover now