1

52 6 7
                                    

.
.
.
و مع اشراقة جديدة ليوم متأنق بعبق اللافندر و الجوري و عصافير تعزف على طيات المشاعر ... منظر يبعث الراحة والفرح للنفوس المفجوعة ... هو المنظر الذي تراه فيولا من شرفتها ... حاملة كوباً من القهوة العربية المرة ... ترتشف منه ببطىء رغم مرارته و لكن مرارة حياتها أسوء ... كانت توزع نظراتها القاتمة على حديقة القصر الفخمة ؛ أو بالأحرى الجنة التي صممتها في أحلامها الطفولية ... ليجسدها والدها على أرض الواقع ...
لديها الاسرة ، المال ، السلطة..... لكنها تريد الصحة ... تريد أن تكون طبيعية كقريناتها وكفى .. هل هذا كثير؟ ...
تنهدت بأسى متوجهة إلى حمام غرفتها ، فاليوم نقطة تحول في حياتها ... نقطة انطلاقها عليها أن تريهم ما تستطيع فعله ... وأن المرض لن يعجزها ... تطلعت إلى منظرها بعد مدة في المرآة ... من السخيف أن توصف بالأنثى ... طفلة ... أو بالأحرى جثة طفلة ...
نعم أنا مجرد جثة صعدت روحها منذ زمن ... و لكن أنانية القدر لم تسمح لي بحق الراحة في القبر بعيدا عن ما يؤلم ...
نظرت لخصلاتها الضئيلة المجموعة برباط أسود كحظها ... فكتها موزعة إياها حول وجهها بإهمال لعلها تداري شحوب وجهها ... حملت الحقيبة و خرجت محددة وجهتها ، نعم هي تعلم أنه كان من المفترض أن تلتحق بالجامعة قبل عامين ... و لكنها اصيبت في ذاك الوقت بسرطان الدماغ ... عانت بشدة و الوحيد الذي كان بجانبها هو والدها جيرالد سيفيلين ... إنها تحبه و هو الوحيد الذي تحترمه، ولكن نظرة الشفقة في عينيه ترديها قتيلة ألف مرة... و رغم السرطان الذي ظنت انه سيجعلها تفترش التراب ... إلا أنها نجت ... تبــاً يبدو أن الأيام تخبىء لها الكثير من فنون العذاب لتجربها ...
ابتسامة محطمة بالكاد نبتت على ملامحها الباهتة وهي تنزل ببطىء وحسرة على الدرج ... وها هي أسرتها ... أبويها ، فهي وحيدتهما ... والدها الذي يجرحها باشفاقه ... و أمها التي لاتمنحها أدنى اهتمام ... بل وتخجل بها أمام مجتمعها الراقي ...

_صباح الخير.

قالت فيولا وهي تتقدم لتنضم لهما على الفطور ليرد والدها...

_ صباح النور صغيرتي .

وصحب جملته ابتسامة متعاطفة آلمتها بشدة أكثر من نظرة الازدراء التي تلقتها من والدتها..

_اوه ... تبا فيولا ، لماذا تتعمدين تحطيم صورتنا امام المجتمع؟! ان كنت سيئة، لا يعني ان تفسدي كيان آل سيفيلين.

_........والدك رجل اعمال عظيم ... و أمك عارضة ناجحة و أخبارنا على كل الألسنة و أنت هنا تبدين كحثالة المجتمع ... لقد سئمت من وقاحتك ... من البداية كنت غلطة ... غلطة فادحة ارتكبتها!!

مؤشرات الحياة عند فيولا بدأت بالإنخفاض ... و تنفسها بدأ يضيق ... هاهي أمها الحبيبة تذكرها مرارا أنها غلطة أفسدت حياتها... ولولا غضب وتوبيخ والدها لألكساندرا لكانت أجهضتها بدم بارد ... امتلات حدقتيها بالدموع... دموع كانت بصلابة صاحبتها, أبت النزول خشية أن تهدر كبريائها .. نهضت بهدوء حاملة حقيبة الظهر خاصتها ....

_طاب نهارك أبي، وأنت أيضا يا ... يا مدام ألكساندرا .

مشت بخطوات سريعة كي تخرج من حيهم الراقي ذو المظاهر الباذخة التي تمقتها بل و تختنق منها ... وصلت للطريق العمومي حيث يشتد الزحام ... لترى أناساً طبيعيين .. هذه بدينة و الاخرى بشعر أشعث و السيد الاخر يمشي مسرعا مرتديا خفا منزليا وبيده كوب قهوة ... و لاأحد يحاسب الاخر ... أناس لا يهتمون بخامة الملابس و ماركة العطر مثل عائلتها ، ابتسمت بإشراق رغم البؤس الذي تتجرعه ... و أكملت سيرها بثبات نحو حياتها الجديدة .. وبعد مشي دام ربع ساعة وصلت للمكان المنشود .. رفعت زمرديتيها لواجهة الجامعة المزخرفة ... درج رخامي عملاق لامع .. يقابله سور ضخم مزخرف من شكله تظهر مهارة النحات .. يتوسطه باب واسع .. للمكان هيبة قلاع الآلهة الرومانية .. نظرت للإسم المزخرف بدقة ... "جامعة دافنشي للفنون" ، اسم سيغير تاريخها .. توجهت بسعادة مصحوبة بدقات متسارعة في أيسر صدرها ... وقفت في وسط الساحة الواسعة ، وكانت تبدو كقزم ضئيل .. البعض متجمهر حول أحد الاساتذة الذي يشرح رسمة تاريخية عريقة .. و الآخرون يتباهون بدفاتر الرسم خاصتهم و أعمالهم الفنية الحرة .. و الغريب أن ملابس معظمهم لافتة الوانها زيادتين عن اللزوم ،تمشت بإنبهار تحدق هنا وهناك، إنه المكان المناسب لها حقا ...كانت محقة عندما وضعت الفن التشكيلي ضمن قائمة الخيارات ...ابتسمت بفرح ظهر جليا على قسماتها .. لتعلن ملامحها بروز غمازتين طفوليتين ..
.
.
.


. Viola .Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora