3

14 2 0
                                    

.
.
.

تمشي بثقة رغم كاهلها المثقل بعد هذا اليوم الحافل...طبيعة الناس في الجامعة طمأنتها بعام ممتاز... تنهدت متابعة مشيها نحو حيهم "فلانتاين فرانسيس"..

  فتحت تلك الخادمة الأنيقة الباب، لتلج فيولا متوجهة مباشرةً نحو غرفتها دون تهتم بالأصوات الصادرة من غرفة المعيشة... فهي مدركة تماما أن أمها تجتمع بصديقاتها .. أصدقاء المصالح كما تسميهم...

  بعد حمام مريح للأعصاب..أخذت فيولا بيجامة مريحة باللون الرمادي الباهت ، لتجلس بعدها على كرسي مكتبها، واضعة نظارات القراءة... نظرت للساعة المعلقة بقربها مراقبة اقتراب العقارب الذهبية إلى الخامسة مساءً... ثلاث طرقات هادئة سبقتها رائحة فريدة غمرت حواس فيولا براحة لاتوصف ... لم تكن سوى رائحة قهوتها الممزوجة بملعقتين من الشكولاطة الداكنة، لتصبح بمذاق لاذع ... مرار مصحوب في نهايته بحلاوة ليست محببة للجميع ... ذوق استثنائي مثل صاحبته..أخذت رشفة متمتعة بجرعة الكافيين التي تدمنها ... حاملة قلمها، تاركة للحبر الحرية في وصف أحاسيسها..

"ﺑـﺪﺍﻳـﺔ ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺟـﻴــﺪ ﺍﻟﻜﺘــــﺎﺑــــﺔ
..
" ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ
ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ، ﺍﻟﻤﺎء ، ﺍﻟﻬﻮﺍء ،
ﺍﻟﻐﺬﺍء ، ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ
ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﻟﻠﻌﻴﺶ ، ﺍﻟﻠﻮﻥ ﺍﻷﺣﻤﺮ
ﻟﻴﺲ ﻟﻮﻧﺎ ﻟﻠﺤﺐ ، ﺇﻧﻪ ﻟﻮﻥ ﺍﻟﺪﻡ !
ﻟﻠﺪﻡ ﻓﻘﻂ ،
ﺍﻟﻠﻮﻥ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﻻ ﻳﺸﻌﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺴﻼﻡ ،
ﺍﻷﻟﻮﺍﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻳﻮﻣﺎ ﺭﻣﺰﺍ ﻟﻠﺤﺐ
ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ، ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻴﺲ ﺛﺎﺑﺘﺎ ﻛﻮﻥ ﺃﺭﺿﻪ
ﻣﻨﺰﻟﻘﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﺭﺍﻧﻪ ﻛﻤﺎ
ﻋﻠﻤﻮﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻧﺎ ، ﻫﻮ ﻟﻴﺲ
ﺛﺎﺑﺖ ﻛﻴﻒ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﺛﺒﺖ ﻗﺪﻣﻲ ﻭ
ﻻ ﺃﻗﻊ ؟ ،
ﺍﻟﺜﻘﺐ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻼﻑ
ﺍﻟﺠﻮﻱ ، ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ !!
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﺸﻌﺎ ﻟﻠﺤﺪ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻚ ﺑﺎﻣﺘﺼﺎﺹ ﻣﺸﺎﻋﺮ
ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺩﻭﻥ ﺭﺣﻤﺔ ، ﺃﻗﺼﺪ
ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻃﺒﻌﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖ ﺗﻌﺮﻓﻬﺎ !!
ﻓﻘﺪﺕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻂ
ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺯﻣﻦ ،
ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺼﻮﺕ ﺇﻧﺴﺎﻥ ،
ﻭ ﻻ ﺍﻟﺤﺐ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻌﺰﻑ ﻋﻠﻰ ﺁﻟﺔ
ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ، ﺃﻧﺖ ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻚ
ﻓﻘﻂ ، ﺃﻥ ﺗﺮﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻀﺠﻴﺞ
ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻚ ﺫﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﺨﻤﺪ
ﺿﺠﻴﺠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ، ﺛﻢ إﻥ
ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻟﻦ ﻳﺪﻓﻌﻚ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻚ ،
ﻗﺪ ﻳﻠﺘﻒ ﺣﻮﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻮﺕ ،
ﻛﺎﺫﺏ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﺩﺍﻓﻊ!
ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻧﻨﻲ ﺳيئة ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ، ﻟﻜﻦ
ﻟﻸﺳﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟـﻢ ﻣﻔﻜـﻚ
ﺃﻛﺜــﺮ ﻣﻦ ﻫـﺬﺍ ﺍﻟﻨـﺺ ﺍﻟﺒﺎﻟــي"

.
كانت تنظر للعاصفة من نافذتها دون أن تلقي لها بالا .. فهي الان عالقة في سيل من الذكريات المؤلمة..
  أعادتها للواقع تلك اليد الحنون.. التفت بنظرات ميتة لتقابلها العجوز بأخرى حنونة .. عواطف لم تشعر بها فيولا في سنينها السابقة بجوار عائلتها... كانت السيدة تيفاني تعاملها كاحد أطفالها ... أعادت نظرها لقساوة الجو ...
لتقول العجوز بعد صمت دام طويلا..

_يبدو أن الماضي اخذك منا مجددا.. لا داعي لهذا أنت في الخامسة والعشرين فكري في المستقبل صغيرتي ..لا داعي للوم نفسك فيولا،انتِ لستِ مذنبة!!

  ... مذنبة !! هي لم تشعر بالذنب من قبل .. ضحكت بقهر ...

_أنا خطيئة تفاني .. خطيئتهم التي دفعوا ثمنها غاليا ... لذا لم ولن ألوم نفسي ..

جلست على الكرسي بوداعة تاركة تفاني تسرح شعرها

_أنظري صغيرتي .. أنا لست مثقفة بقدرك أو بقدر طبيبتك.. أنا امرأة مسنة لاحول لي اجمع قوت أطفالي ..كنت ذات يوم اعيش في سعادة و حب ،أنا و طفلي و زوجي الحبيب.. وبعد فاجعة موته،عرفت انني حامل بتوأم .. لكن فرحتي قتلت عندما عرفت انهما مشوهين ..

انهمرت دموع قهر من عيني العجوز لتكمل ..

_إما اجهاضهما أو التعذب معهما مدى حياتي ... لم افكر أبداً ووافقت على ابقائهما برحابة صدر، فطبعا لم أكن لاتخلى عن أخر قطعة  من حبيبي.. وها أنا اليوم أعمل من اجل دراسة البكر و دواء الفتاتين ... عانيت حتما ولكن الجانب الجيد أن القدر انصفني في النهاية...

  كانت فيولا تنظر لنفسها في المرآة بحدقتين ممتلئتين بالدموع.. فلم ولن تكون الوحيدة التي تجرعت البؤس والمرار ؛ فللقدر دوما لعبته!
.
.
.


. Viola .Where stories live. Discover now