المواقف العقدية من مسألة وجود الله

154 13 15
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم.

يجد المرء ننفسه في هذه الدنيا - إذا أراد أن يبلو نفسه بالفكر ليدرك
موقعه من الكون - مدفوعا إلى أن يحسم أمره في مسأله طبيعة الوجود، هل هو أبعاد فيزيائية محضة نختزل في "الجواهر والأعراض ،" أم أن المادة
والطاقة في فقر إلى مُوجد، هو الإله في الاصطلاح الديني ، أم الأمر غير ذلك أو بين ذلك أو بعض ذلك..وجب
العلم بمواقف الناس من الوجود الإلهي..فإن كثرة المصطلحات قد أحدثت لبسا في إدراك خواطر اللُب في أمر وجود الرب..فتداخلت بذلك المواقف الرافضة للإيمان بمواقف المتشككين والموافقين في بعض الحكم أو المتجاهلين لكل الأمر.
********
٣-(المذهب الألوهي)

يقوم المذهب الألوهى على الإيمان بذات كامله الصفات ، يمتنع عقلا ألا توجد لأن عدمها يلزم منه محالات عقلية..ولأن المحالات العقلية ممتنعه واقعا..كان وجود هذه الذات لازما، ولذلك يسمى الإله في هذا السياق و في الكتابات الفلسفية والكلامية ب"واجب الوجود".. والإله عند الألوهيين مفارق بصورة كليه عن العالم..فالعالم والإله لا يتطابقان .
وإذا أطلق المذهب الألوهيي في الأدبيات المعاصرة عند الجدل العقدي..قُصد به ضرورة اليهودية والنصرانيه والإسلام ، وإن كان هو أوسع من ذلك إذ يشمل الأديان الصريحة في مذهبها التعددي.
ومن خصائص إله المؤلهة أنه يتواصل مع خلقه من خلال الوحي
لخواص أنبيائه، أو الإلهام والكشف لأصفيائه.. فقد خلق الخلق ولم يتركهم دون عنايه.. وتدور مواضيع الوحي الخاص عادة حول الغاية من الخلق..والعبادة بأوجهها المختلفة ، والشرائع ، والأخلاق..ويختلف المؤلهة فيما بينهم في عدد من المسائل ، من أهمها القول في العالم بين زعم آزليته وتقرير حدوثه.. وأبرز خلافات المؤلهة سببها تآثر جماهيرهم بالحضارات الوثنية المجاورة لهم أو التي عاشوا في ظلها، ولذلك تنزع طوائف منهم إلى اتخاذ الشركاء في باب الطاعة.

٢-(الربوبية)

يقوم المذهب الربوبي على أصل الإيمان بخالق مصور لهذا الكون ،
واحد و أزلي ، نظم عمل الكون بقوانين آلية مستغنية عن التوجيه والتعديل..كحال الساعة التي يصنعها صاحبها ثم يتركها إلى نظام عملها الذاتي.
والكون عند الربوبي المصدر الوحيد لمعرفة الله وصفاته..ولذلك
فالربوبي يستغني "بالوحي العام" المتمثل في حقائق العقل و دلالات الكون الطبيعي عن "الوحي الخاص" المتنزل على الأنبياء.
يختلف الربوبيون عن المؤله أساسا في علاقة الإله بالخلق..فالربوبيون
ينكرون الوحي..ويعارضون الأديان ، ويرون أن الإله الخالق لم يتواصل مع
أحد من البشر، وما دعاوى الوحي والأسفار المقدسه سوى فِرى بشرية قُصد بها خداع الناس.
وقد ازدهر المذهب الربوبي فيما يعرف( بعصر الأنوار ) في القرن الثامن عشر.. حيث كان جُل رموزه الفكرية الكبرى من الربوبيين..مثل: فولتير و توماس باين..وقد غلب على كتاباتهم الدعوة إلى الاستعاضة عن الوحي بالعقل البشري ، والسخرية من الأديان ورموزها ومؤسساتها..وكانت الربوبية في تلك المرحلة من التاريخ ثورة مباشرة على الكنيسة..وخرافاتها..وتسلطها على عقول الناس..واستغلالها للحق الإلهي لتحقيق مآرب دنيوية
نفعية لأشخاص رجال الدين.
يُنكر الربوبيون وقوع المعجزات ، ويرونها كلها من آثار سذاجه عقول
المتدينين أو من مكرهم لاستجلاب الأتباع..فالكون آلة ضخمة تعمل بقانون لا تتعطل ، ومدعي خلاف ذلك خرافي لا يَعقِل أو ماكر يتخذ قصص الخوارق سبيلا لخداع الناس.
تقهقر المذهب الربوبى لصالح المذهب الإلحادي بعد أن مهد له
الأرضية الأولى بالاجتراء على النصرانية بالنقد والنقض.. ويغلب على الربوبيين اليوم رفضهم للأديان لإنكارهم كمال رحمه الله..واعتقادهم أن الشر الموجود
في العالم يمنع الإيمان بإله رحيم يهتم بأوجاع الناس وأحلامهم..وقد ألجأهم العلم الحديث وكشوفه إلى الإيمان بالمصمم.

الإسلام يتحدّىWhere stories live. Discover now