الـفـصـل الـثـانـي¦ البـحـر مُـضـطـرب

227 45 116
                                    

راقبت بعينيها عقارب الساعة آملة بداخلها أن تتحول لمُسابق في مارثون كي ينتهي ذلك الاجتماع المُمل بأسرع وقت. أنارت شاشة هاتفها كي تتأكد من الساعة مُجددًا فربما تكون الأخرى مُتأخرة بعض الوقت لكن النتيجة مازالت واحدة، أثناء شرودها في الساعة الرقمية جذبت انتباهها صورتها هي ولوكا التي قد وضعتها صورة خلفية لهاتفها، كم تشتاق إليه ذلك الغريب ذو الملامح الحزينة التي مهما حاولت استبدالها بابتسامة واسعة خيب هو ظنونها ليُعديها عبوسه ويتسلل لروحها اليافعة.
غاصت بأعماق ذهنها إلى ذلك اليوم المُخلَّد بذاكرتها.

جالِسان سويًا على الشاطئ، تعبث بعض النسمات العليلة بخصلات شعرهما في تناغُم مريح.
تتلاعب أنامل لوكا بأوتار جيتاره تزامُنًا مع حركة شفتاه المُفصِحة عن روعة نغمات صوته العذب.
هائِمةٌ به، أقدمت على فعلها وأخيرًا بعدما أهلك التفكير عقلها.

«لوكا، أنا واقِعةٌ لكَ»

تصنَّمت أنامل لوكا وعلق صوته بحنجرته جراء اعترافها له لكن هذا لم يمنع جمود ملامحه التي لم تتغير قط.
ترك الجيتار على الرمال بجانبه، ظلّ يتأملها قليلًا ثم وبحركة مُفاجِئة اقترب مُختَرِقًا كل الحواجز بينهما حتى استقرت شفتاه على خاصتها.

رعشات مُحببة أصابتها جراء فعلته الغير متوقعة لكنها أحبتها، قبل أن ترفع يدها لتُلامس خصلاته التي لطالما شعرت بالفضول حيالها ابتعد عنها برفق لتنشأ بينهم المسافة المُلائمة التي تجاوزها هو قبل قليل.

عجزت فيوليت عن إيجاد الكلمات المُناسبة لهذه اللحظة، أهذا يعني أنه يبادلها مشاعرها؟ أيريد أن يُصبح حبيبًا لها؟ لمَ ملامحه لا توحي بشيء سوى الجمود؟

قاطع أفكارها صوته الرجولي العميق قائلًا
«البحر مُضطرب اليوم، فيوليت» قبل أن تتسنى لها ترجمة ما يعنيه هذا كان قد غادر الشاطئ بخطوات ثقيلة مُمسكًا بحذائه يهزه للخلف تارة وللأمام تارة أخرى ببؤس، أما عنها فقد شاهدته يبتعد عنها تاركًا إياها غريقة أفكارها.

عادت فيوليت إلى واقعها لتجد أنه تبقى خمس دقائق على ميعاد انتهاء الدوام. تنهدت بقلة حيلة قبل أن تهمس لنفسها قائلة
«ومازال مُضطربًا إلى الآن، لوكا»

_

خرج لوكا من الكوخ المُهترئ الذي اعتبره كنزه الأثمن، وسار مُبتعِدًا عن الشاطئ متوجِهًا نحو المدينة.

تعُج المدينة بالأناس، منهم من يتجول برفقة أحباءه ومنهم من يتأمل كل شيء بإعجاب ولهفة.
أما هو، سائِر بملامحه الجامِدة كالمُعتاد، تارة يقف لتأمل أجواء المدينة الصاخِبة وتارة يُخرِج هاتفه ويصور بعض المناظر التي من المُفترض أن تأسِر فؤاده بجمالها لكنها لم تفعل.

بدأت بعض الفتيات بالهمس بينما يُشِرن نحوه مما زلزل كيانه وبثّ التوتر في جوانحه فسار بسرعة مُبتعِدًا حتى وجد حديقة عامة تغزوها مشاعر شتى، فهي تجمع أمهات مع أطفالهن ومراهقين مع رفاقهم وثنائيات تستمتع بالحُب المُتبادَل.
ظلّ يجوب بنظره حتى وجد ما يبحث عنه، أريكة خشبية شاغِرة.

تموضع فوق تلك الأريكة ووضع جيتاره بجانبه شاغِرًا المساحة المُتبقية من الأريكة حتى يضمن عدم مُشاركة أحد الجلوس.

أخرج كشكوله وقلمه من حقيبته الصغيرة، ثم شرد مُحملِقًا في الأُفق لتبدأ بعض الكلمات بالتكوُّن في ذهنه فيُسرع هو بكتابتها.

««مُسافِر مُسافِر لأماكن راقت
••••لزوّارِها حيث أرواحهم تلاقت

محظوظ من يشعر بالنعيم
••••فالجنة عينها لروحي ما راقت

آلة مُتحركة ما أنا عليه
••••وهمومي أعالي الجبال فاقت

وددتُ لو أشعر بها ليلة
••••لكن لهفة الترحال جامدةً باتت»»

Mer ¦ مـيـرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن