الـفـصـل الـثـالـث¦ لـمَ أنـا؟

148 34 56
                                    

بدأ قرص الشمس الذهبي بالغرق في أطراف البحر المُلامِسة للأفق البعيد فاستقام لوكا وشرع في نفض الرمال العالقة بملابسه ليتوجه نحو منزله بعد يوم جديد، بلا مشاعر تمامًا كالمعتاد.

وصل لشقته، أخرج المفاتيح وهمّ بإدخالها لكنه صُدِم بانفتاح الباب دون الحاجة إلى المفتاح.
ظلّ مُحملِق به، أيُعقَل أنه نسى إغلاقه؟ لا، هو يتذكر جيدًا أنه أغلقه.

دفع الباب برِفق ودخل المنزل ليُفاجأ بالقُصاصات المُلونة المُتساقِطة فوقه والبالونات ذي الألوان المتعددة التي تُزين كل ركن من أركان المنزل.
حتمًا إنها فيوليت، وقد كان مُحِقًا.

كانت فيوليت تتأمله بهيام حتى لاحظت شيئًا، رمشت عدة مرات لتتأكد من كونها لا تهذي.
عينا لوكا بهما شيئًا مختلف، تلك النظرة التي لم تعتد رؤيتها بعيناه قط، ركضت بسرعة نحوه لتُعانقه.
وقف مكتوف الأيدي يُحارِب توتره قدر المُستطاع حتى بدأ بالسيطرة عليه ثم بادلها العناق بخِفة.

بعد وهلات ابتعدت عنه تراقب عيناه الغائرة التي وبالتأكيد كانت تحاكيها، وكأنها تشكو لها همًا طال بقاؤه لكنها لم تتمكن من ترجمتها قط.
«اشتقت لك كثيرًا لوكا» الهوى يتحكم بكل إنش بها حتى نبرتها.

ربت لوكا على خصلاتها بعد أن اختفت تلك اللمعة من عيناه، تنهد قبل أن يتساءل
«ما الذي تفعلينه هنا؟» عبست قليلًا لكنها سرعان ما استدركت أن هذا لوكا الذي تخاطبه، ليس عليها أن تتوقع منه أي شيء سوى الجمود. ابتسمت برضا قبل أن تردف
«جئت خصيصًا كي أحتفل معك بعيد مولدك، أعلم أنك بالتأكيد تناسيته»
أومأ بتفهم قبل أن يُبعد ذراعيه عنها.
«كيف حالك عزيزي؟ أين كنت؟»

ألقى نظرة على الطاولة ليجد أنها مُزينة بشتى أنواع الطعام التي تُسيل اللعاب إثر شهائها. أكل هذا لأجله؟ لكن لمَ؟.
«كنت أتسكع على الشاطئ» أومأت فيوليت قبل أن تسأل

«كيف هي فلوريدا؟»

«جيدة» أجابها باختصار فحاولت هي إطالة الحديث قائلة

«جيدة فحسب؟ بربك لوكا إنها فلوريدا!» أنهت جملتها بقهقهة صغيرة، نظر لها لوكا ولم يُجِب فتحمحمت بحرج وهمّت بتغيير الموضوع.

«هيا لنبدأ الإحتفال عزيزي» سحبته من يده نحو الطاولة بينما هو مُنصاع لها كالآلة المُتحركة، لطالما كان الوضع كذلك.

احتفل كلاهما لبعض الوقت وجلسا يتناولان كعكة عيد مولده الذي ادعت فيوليت أنها قد صنعتها له خصيصًا لكن كالعادة لم تتلقى منه سوى إيماءة صغيرة كعلامة شكر، لا بأس هي تفهمه دون حديث لذا لا داعي لكلمات لا يعلم كيف يصوغها.

«لقد جهزتُ قائمة أغاني، سترقص معي رُغمًا عنك» قالتها بابتسامة لطيفة بينما تمُد يدها نحوه فتردد لوكا قليلًا لكنه قرر أن يُجاريها فمد يده هو الآخر ليُمسك بيدها ويبدئا بالرقص في تناغم.

«لوكا، أنا حقًا مُمتنة للصدفة التي جمعت والدتي بوالدتك فجمعتني بكَ» أردفت فيوليت بهيام فلم يعلم لوكا بِما يُجيبها فآثر الصمت لتستأنف هي حديثها

«لم أُحبك لأنك وسيم، حسنًا أنت وسيم لكن ليس هذا ما أوقعني لكَ.
أنا أحبك لكونك أنت لوكا، هائِمةٌ بكَ، عاشِقة لأدق تفاصيلك. أنا أود بناء مستقبلي معك لوكا، أنت ولا أحد سواك»

أحقًا تود فيوليت بناء مستقبلها معه؟ ماذا فعل هو لأجلها؟ أليست روحها بداخلها؟ لِمَ إذًا مُتعلقةٌ هي به كمن فقدت روحها، مثله تمامًا؟
اهتز كيانه توًا، ليس هيامًا بل توترًا، لحسن حظه تعالى رنين هاتف فيوليت فأعفاه عن إجابتها.

بالكاد استطاعت فيوليت رفع عينيها عنه لتُجِب الاتصال الوارد لها بينما شرد لوكا يحاول تمالك نفسه قدر المُستطاع.

«آسفة لوكا، مديري يريد مني القدوم باكرًا في الغد لذا مضطرة للرحيل» قالتها بنبرة حزينة فاقترب لوكا منها وبالكاد لامست أنامله خصلات شعرها ليواسيها.

ألقت فيوليت نظرة أخيرة عليه ثم ودعته ورحلت مُغلِقةً باب المنزل خلفها.
أما لوكا، فكان صوت انغلاق الباب بمثابة إعلان الحرية وإطلاق العنان لما احتبسه طوال فترة وجودها.

انزلق ظهره المُستند على الباب عقب إغلاقه، يود لو يصرخ بأعلى ما يملك حتى تتمزق أحباله الصوتية التي هي السبب في وقوع الملايين له حتى تعجز عن العمل. أخذ يضرب مؤخرة رأسه في الباب مرات متتالية كل ضربة تشتد قوة عن التي تسبقها. أسكن رأسه بين ركبتيه بوهن، هو لا يبكي لكنه يعمل على إيقاف انفجار قد يودي بالجميع في لحظة.
يتساءل بداخله لمَ لا يستطيع أن يمنحها الحياة التي تريدها؟ بل لمَ آثرت اختياره هو بين الملايين؟ هو حتى لا يعلم ماهيه مشاعره تجاه أي شيء، هو ضائع. إلى متى سيتعشش اللاشعور بداخله؟ لمَ لايشعر بكلماته الخاصة حينما يتغنى بها؟
انهالت تلك الأسئلة على مشاعره التالفة التي تودي بحياته؛ لأن لهيبها على قلبه مُحرم.

بعد وهلات من إيذاء نفسه وضرب رأسه بذراعه في الباب، استقام من جلوسه ليعاود الجلوس على الأريكة، لمحت عيناه دفتره وونيسه الوحيد لذا أمسك به وقلّب في صفحاته بهدوء حتى وصل إلى صفحة بيضاء لم تُستخدم.
تناول القلم بين يداه وأطلق العنان لأفكاره

««باكٍ يتساءل عن سبب عجزه
••••عن مُجاراتها رغم أنها باحت

له بهيامها وفؤادها الولهان
••••ومشاعرها نحوه التي قلبها اجتاحت

أرواحًا أخرى هي رهن إشارتها
••••لكنها أُعمِيَت عنهم وأشاحت

نظرها فهي لا تريد سواه
••••ولروحه الضائعة هي فقط ارتاحت»»

Mer ¦ مـيـرWhere stories live. Discover now