الأربَعُون.

4.1K 381 215
                                    

"كريس."

توقفت أتلقى واجب العزاء بتعبيرٍ واجم و أنفاس بطيئة.

لم أستطع تخطي رؤيته مستلقي في فراشه لا حياة به، و قد فقد وجهه الروح بينما تصلب كام جسده دون حراك.

لا أعلم كيف أتيت من المغرب لتركيا بتلك السرعة و لكنني ما أن سمعت صوت جدتي الباكي و لوعة فقدها لزوجها و رفيق دربها، شعرت أن العالم يهتز من تحتي.

هرعت هنا و هناك أحاول إنهاء كل شيء و تسيير جميع أموري، فقدت القدرة على تمييز الزمان حتى حطت قدمي الأراضي التركية تحديدًا أمام منزلهما.

شعرت بتربيتة مراد على كتفي و لكنني كنت عاجز حتى عن إبداء أي ردة فعل، بلال يقف في البداية بصلابته المعتادة.. يتلقى التعازي ببأس و رابطة جأش عكسي أنا، إن لمسني أحد سأسقط في الحال أبكي كما لم أبكي من قبل.

" لقد رحل المعزون يا قُصي، عليكَ أن ترتاح قليلًا. "

صوت مراد أخرجني من الدوامة السوداء التي كنت أغرق بها، نظرت له بحيرة راحة! أنا خائف من دخول المنزل دون وجوده، أي راحة تلك؟!

" شكرًا لوجودك يا مراد، عُد لبيتك فقد تأخر الوقت و لا تقلق بشأني سأكون بخير كـ كل مرة. "

كلماتي لم تناسب تعابير وجهي البائسة، لكنني مستنزف لدرجة تمنعني من مجرد محاولة للإبتسام.

رحل مراد بعدما عانقني بدعم و توصية بأن أرتاح كي لا تنفلت أعاصبي، دخلت للمنزل مكرهًا.

صوت بكاء جدتي يصلني من هنا، يا اللَّه!
أنا عاجز عن مواساة نفسي كي أواسيها هي.

فتحت باب غرفتها دون أن أستئذن، وجدتها مُتشحة بالسواد في جلستها على الفراش، تضم قبضتيها لصدرها وهي تردد بضياع:

" إنا لله و إن إليه راجعون، إنا لله و إن إليه راجعون. "

جلست بجوارها، ضممتها لصدري دون حديث وهي تمتم بالذكر و طلب الرحمة له.

دمعت عيناي و أنا أشعر بارتجاف جسدها الواهن أسفل كفَيّ، دقائق و شعرت بجسد يجلس بجوارنا و يدين صلبتين تمتدان كي تحيطان بكلانا و صاحبها لم يكن سوى بلال.!

أوصدت إغلاق عيني اللتين ابتلتا بالدموع، شهقة مصحوبة بغصة حبيسة صدري ترفض الهروب و منحي راحة وقتية.

عناق بلال يشتد من حولنا بإحتواء داعم، المرة الأخيرة التي عانقني بها بلال كانت عندما استنجدت به في مرة كي ينقذ أمي و قد كنت في الخامسة من عمري وقتها، و يوم وفاتها فقط إن أُحتسب عناقًا.

من بعدها و أخذت علاقتنا شكلها الحالي، باردة.. حقدها يتراشق بيننا دون أن يدرك الأخر أن لا ذنب لأي منا فيما يحدث أو حدث.

دفعت يده عندما فاقت دموعي إحتمالي و أنا أفر نحو الحديقة، ألقيت بجسدي أرضًا أدفن رأسي أرضًا و ذراعيّ يرتخيان جانبي.

عَتمتهُ.✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن