بارت إضافي 3 || مسار - الجزء الرابع

6.5K 88 28
                                    



انها الساعة العاشرة مساءا. نظر لوكاس للساعة المثبتة على معصم يده فيما كان يقف مستمعا قسراً لثرثرة من بقي معه في الغرفة. قد غادر مارلو مع آدم وانابيل منذ لحظات ليتركه مع فتى قصير القامة مستدير الرأس بجبهة ضيقة وشعر اسود قصير يدعى جيري والى جنبه تقف فتاة اطول منه ثرثارة تداعب خصلات شعرها بيدها كلما فتحت فمها, طلبت من لوكاس أن يناديها بـ كلوي.
-"لما انت قلق لوكاس؟ اوه انت قلق من انهم يفعلون شيئا قذرا وحدهم, لا عليك نحن نستطيع ان نفعلها ايضا" قالت كلوي وهي تغمز.
-"ذهبتِ بمخيلتك بعيدا كلوي, الرجل نظر لساعته ليس إلا" قال جيري.
-"وماذا تعرف عن الرجال جيري؟"
-"ماذا تقولين انتِ" رد جيري عليها بتعصب.
-"شكرا لاهتمامكم ولكني على خير ما يرام" رد لوكاس بهدوء وابتسامته المصطنعة تعلو وجهه.

"دعني اُريحك من الانتظار وابدأ هذا الحفل على شرفك" قال جيري متمشياً في الغرفة نافخاً صدره مثل بجعة صغيرة تتبجح. طلبت منه كلوي ان لا يفعل, "على الجميع أن يكونوا حاضرين قبل بدأ العرض" هكذا قالت.
لوكاس ينظر تجاههما باستغراب لكنه غير آبه بما يتكلمان ولم يخض معهما غمار الحديث تاركا إياهما على سجيتهما؛ كل ما كان يفكر فيه هو متى يأتي مارلو ويخلصه من هذه الثرثرة التي صدعت له رأسه.

لكن فجأة يمر تيار كهربائي بجسد لوكاس فيصعق كل حواسه.
اقترب جيري من صندوق زجاجي كبير بزاوية الغرفة محجوب بقطعة قماش وساحب الغطاء عنه حينها رجع لوكاس الى الوراء وصار رأسه فارغا وهو يحدق بذلك الشيء القابع خلف الزجاج مشدوه الذهن يفتقر الى الكلمات وظل صامتا حتى جاء صوت من خلفه "جيري ايها الاحمق". وكان جيري يقف على مقربة من الصندوق ماسكا الغطاء لا يستوعب ما يحصل أمامه.

دقائق مرت. قد أُعيد الغطاء إلى مكانه مغطيا الصندوق الزجاجي حاجبا ما بداخله. أما لوكاس فقد كان يجلس على الكنبة في بهو الطابق الثاني والى جنبه يجلس مارلو, وعلى الكنبة المقابلة كان يجلس آدم.
-"ماذا يجري مارلو! مالذي حصل لك, لقد رأيت الكثير اليوم" قال لوكاس بصوت مهتز حانيا ظهره مثبتا ذراعيه على فخذيه واصابع كلتا يداه تلامسان جبهته.
-"لقد أخبرتك, وحقا أنا آسف لم اكن اعلم انك ستأتي اليوم"
-"المسألة لا تتعلق بمجيئي من عدمه مارلو! ثم اعد من جديد ومن البداية وبسط أكثر فأنا لازلت لا افهم!"

يقول مارلو: "لم يكن لي مكان أذهب إليه. بعد وفاة جدتي قد طُردت من المنزل وقد جئتك و آويتني عندك, اه وانا اتذكر تلك الايام كان بعضها حلو وبعضها الآخر مر؛ لكنها كانت أشبه بمغامرة, مغامرة اعيشها مع من أحب. كان اليوم طويلا حافلا بالحياة والساعة تمر بسرعة مرة وببطء مرة اخرى, وفي الليل أغفو على سرير اتشاركه مع شخصي المفضل وانام على دقات الساعة المعلقة على الحائط, تيك تاك تيك تاك, لا تزال تدق برأسي حتى اللحظة.
لا اعلم ما حصل بعدها, كان يوما مشؤوما لوكاس! لقد خفت كثيرا وأنا بذلك القبو المظلم, لوهلة شعرت بأنه قبري؛ مع ذلك لم يكن هو أكثر ما أخافني.
اه وكم مر على ذلك اليوم؟ الذي التقيت به السيد كيم, سنتان ربما. كان شخصا رائعا ولطيفا مكثت في منزله عدة أشهر, ثم بعد ذلك أحسست بأني كائن يتطفل على مساكن الاخرين ويقتات من قوتهم... يا له من احساس بشع لم اتحمله ابدا. عندها اتخذت قراري, ان اذهب وأعيش في منزل عمي لهو أفضل مئة مرة من أن أعيش برفقة هذه الأفكار. قررت ان اذهب وليحصل ما يحصل وتبا لكل شيء لم اعد اهتم.

سنة واكثر بقليل قد عشتها في هذا المنزل الملعون. وانا انظر الى انعكاساتي عن الزجاج وأحصي الأيام على أمل حصول شيء مختلف. وفي أحد الأيام رأيت شعاع الأمل الذي في آخر النفق ورأيته بوضوح عندما أخبرني عمي ان ايامه اصبحت معدودة؛ قال انه مصاب بمرض عضال لن يشفى منه. كان ذلك قبل اسابيع. وفي تلك الأسابيع التي رأيت فيها الأمل ازداد الوضع سوءاً. حتى اني اتصلت بك بعد صراع طويل مع نفسي افعل او لا افعل. للأسف لم يجبني الشخص الذي كنت أتوقعه, هذا مخيب للآمال. في تلك الأسابيع, كان عمي شهوانيا بشكل جنوني. توقف عن الذهاب للعمل وأصبح يغتصبني طوال اليوم دون اكتفاء.

ما هذا الأمل القاتل! كان الأمل يخنقني شيئا فشيئا, وفي كل ليلة كنت اقترب من الموت خطوة. فكرت بالانتحار, سيكون الانتحار سهلا ومريحا اختتم فيه نهاية معاناتي وكنت امتلك الشجاعة الكافية لفعل ذلك.
في احدى الليالي وأثناء ما كان عمي مستمتعا بمشاركتي السرير  جائتني فكرة أفضل. لما علي ان انتحر؟ إنها ليست غلطتي, انا الحي الصاحي اعاني من الموت كل ليلة بينما هو المريض يعيش آخر أيامه بقمة السعادة! سأجعل من ايامه الاخيرة جحيما. سأجعله يعيش آخر أيامه في كابوس؛ لن اقتله بالتأكيد انما فقط سأجعل ايامه سيئة كما يحصل لي.

لقد اتفقت مع آدم, وهو شخص تعرفت عليه في أحد المواقع الالكترونية, اننا سنقتسم أملاك عمي فيما بيننا وعلى آدم ان يتصرف. كان عمي أحمقا حين سجل أملاكه بأسمي, كيف له ان لا يتوقع أن أغدر به بعد كل هذا العذاب الذي تسببه لي!

تركت الباب مفتوح ولم يغمض لي جفن تلك الليلة. كان عمي عاريا يغوص في أحلامه, مقرف كان يردد اسمي لا ادري بما كان يحلم."

توقف مارلو عن الكلام لوهلة وهنا تدخل آدم قائلا: "وهذا ما انتهى إليه الأمر كما رأيت بعينيك, عمه مقيد داخل حوض سمك, والجرذان تنهش من لحمه كلما جاعت. لقد رأيته نائما بهدوء مكمم الفم, هذا لان الجرذان نائمة من التخمة. لكن عندما تستيقظ لن تحبس تلك الخرقة صرخاته... يا له من منظر."

ثم أكمل مارلو: "الحدث الأخير حصل منذ يومين, لكن آدم اصر ان نقيم حفلا بعنوان 'الخلاص من العم السيء'. قال بأنه سيدعو بعض الاصدقاء الى الحفل وخلاله سنكشف الغطاء عن ما سماه بالفن, 'المخلص الذي سيحمل آلام مارلو' هكذا قال آدم مطلقا اسما على لوحته"

توقف مارلو ونظر بوجه حزين تجاه لوكاس "من دون كل الايام, لما جئت بهذا التوقيت تحديدا! مضى على الاتصال فترة طويلة وحتى عندما عاودت الاتصال بي اتفقنا انك ستأتي بعد يومين من الآن."

قال لوكاس: "كنت مع والدي وايما برحلة عمل في استراليا ولم يخبرني هنري بأمر الاتصال الا مؤخرا".

"هذا لا يهم, لقد عرقلت كل شيء بحضورك" قال مارلو بهدوء وخيبة أمل.

لم يتأخر لوكاس بالرد على كلام مارلو الأخير, بل اجابه في الحال واضعا النقاط على الحروف "ليس لوكاس من يعرقلك يا مارلو, سأشاركّم الحفل وسأظل معك حتى ينتهي كل شيء وسترافقني الى أستراليا بعدها.".

-انتهى-

خلصنا من مارلو

لعبة الكبارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن