٢١-الحقيقة الضائعة

46.3K 633 170
                                    

عمل ايما غير كافٍ لخلق حياة تنعم بالرفاهية، إنما بالكاد كان يكفي لحياة بسيطة مقيدة لا يستطيع فيها احد ان ينعم بشيء. تلك الحياة الرغيدة قد انتهت قبل أيام مضت وقد رضت تلك العائلة البسيطة بهذا المصير، ولكن كما هو حال الانسان دائما يسعى للمزيد وما ان رأى فرصة تلوح امام ناظريه حتى عض عليها بأسنانه كما يطبق التمساح فكه على فريسته، وهذا ماحصل حين التقت ايما تلك السيدة في المتجر. كان الظلام قد تسلل الى شوارع المدينة وأضاءت المنازل بالمصابيح وغابت الشمس خلف الجبال البعيدة فكان الليل قد حل وانتهى عملها لهذا اليوم. اوشكت ايما على المغادرة ولكن وقبل ان تخلع عن جسدها ملابس العمل وقفت تلك السيدة البدينة تحدق بايما، تنظر الى وجهها، الى عينيها ثم شعرها، "عفوا سيدتي هل اخدمك بشيء" قالت ايما لما انتبهت للسيدة، فردت السيدة بابتسامة متعاطفة.

وعلى حين غرة ظهر صاحب المتجر خلف ايما واردف قائلا باسطاً كفه مشيرا للسيدة "انها مارجريت، كل فترة تزور المدن المتواضعة، وبالاخص هذه المدينة الفقيرة. انها تقوم بتشغيل من هم بحاجة للعمل بأجور عالية وكافية، وفي الحقيقة لقد اخبرتها عنك، آسف اني لم انبهك بالامر ولكنك تستحقين عمل افضل من هذا، من اجلك ومن اجل والدتك ودراستك" ولم ترد ايما بشيء، كانت متوترة بعض الشيء ولا تعرف ماذا تقول، مع انها شعرت بالخجل فقد احست بان هذا قد مس كرامتها ولكنها سرعان ماغيرت تفكيرها لتقول بنفسها "ان المدير رجل طيب لابد انه اراد لي الخير" ثم وجهت انظارها للسيدة مارجريت قائلة "أنا بخير سيدة شكرا لك على عطفك، سأكمل عملي هنا" من بعد ذلك نظر لصاحب المتجر وقالت "لا اعتقد انك ستمانع سيدي؟" فهمهم هو واخبرها انه بالتأكيد سيحب ان تعمل في متجره فقد احبها هو كما احبها الزبائن الذين ازداد عددهم فجأة حين عملت هي في المتجر ولكنه اخبرها ايضا ان عليها ان تسمع ماعند مارجريت اولا وتفكر في الموضوع فهو يعاملها كابنته ويحب لها الخير.

"لقد سمعت من السيد انك تجيدين اللغة الفرنسية وقد اوصتني احدى العوائل الغنية بأن اوفر لهم مساعدا في الفرنسية لابنتهم الصغيرة، انها في المرحلة المتوسطة لذا لن يتطلب الامر منك جهدا، ايضا الاجور ستكون مرتفعة، ١٠٠٠ دولار للساعة الواحدة، ساعة في اليوم وثلاث حصص في الاسبوع ولمدة اربع اسابيع فقط فالسيد سخي ودائما يختار الاشخاص الاكثر حاجة للعمل. كما تعلمين الاختبارات النهائية قد اقتربت وقد عرفت انك مبدعة في الفرنسية"قالت السيدة البدينة وهي تشرح نوع العمل لايما، وقد علّق صاحب المتجر على كلامها "اجل انها ممتازة ساعدتني كثيرا في تعلم بعض المفردات والجمل التي احتاجها في رحلتي القادمة"

وافقت ايما فقد رأت في هذا العمل حل للمشاكل التي تعانيها العائلة وكما انه عمل بسيط بالنسبة لها لا يتطلب بذل جهد والاجمل انه سيكون كافٍ لسد كل الاجور حتى وان كان العمل لشهر واحد فله اجر مرتفع يكفي سنة كاملة. قالت السيدة انها ستأتي غدا تصطحب ايما الى المكان المنشود الساعة الرابعة مساءا.

قبل أيام من الآن ... وفي الجامعة كان لوكاس مستلقيا على احد المقاعد في قاعة فارغة ممددا ساقيه على المنضدة بينما يسند ظهره على الكرسي وكانت عيناه مغمضة. سمع خطوات تقترب منه فأحس بحضور مارلو الذي نطق دون مقدمات بكلام مزعج:
-"لم تحضر ايما الجامعة من يومين! هل فعلت شيئا سيئا؟"
-"مارلو بحقك توقف عن إزعاجي" قال لوكاس دون يحرك ساكنا.
-"لقد طلبت منك ان تحذف المقطع!" تلكم مارلو بانفعال.
-"اعرف ولقد حذفته من اليوم الثاني" قال لوكاس بالهدوء نفسه.
-"تعرف ان الفصل A لديهم اختبار مهم اليوم وهي لم تأتي أيضا"
-نهض لوكاس من مكانه وصرخ بمارلو "أوقف هذا! انت تلومني على شيء لم اتسبب به"

لما شاهد لوكاس جمود مارلو أثر تلك الصرخة خطى نحوه وامسك به وقد حاول ان يفعل شيئا ولكن مارلو قد انسلّ من بين يديه كما تنسلّ الشعرة من العجين.
-"انا آسف" قال لوكاس.
-"لا عليك، ربما كانت مريضة لقد كنت متسرعا"
-لما ابتعد مارلو الى باب القاعة صاح به لوكاس "اسمع، لقد ارسلت هنري ان يعتذر ويخبرها اني قد حذفت المقطع وان نبدأ صداقة جديدة وقد قال انها بخير"
-التفت مارلو نحو لوكاس مبتسما "تصرف حكيم"

مايقوله هنري لايما بالتأكيد مختلف عما ذكره لوكاس لمارلو قبل قليل، سبق وحذف لوكاس المقطع لكن هنري يحتفظ به مدعيا انه يفعل خيرا بمساعدة ايما التي قد وقعت بين براثن (مخالب) هنري ومكيدته لعدة ايام. بينما يرسل لوكاس هنري محملا باعتذار وماحاولا من جديد تحسين صورته التي قد لُطخت بالقباحة امام كل من ايما ومارلو يفعل هنري العكس تماما لمصلحة قد اغشت بصره فصار لا يرى غير السعي في تحقيق مطامعه.

لم يتصل لوكاس بايما عندما حصل على رقمها وذلك حفاظا على مشاعر مارلو وحالته عندما زاره متأثرا بموت اخر افراد عائلته وقد ضمّه لوكاس لمنزله ونسي امر ايما التي يحاول هنري مجتهدا أن يعيدها ليخرّب بين الاثنين. لم ينظر هنري بإنسانية تجاه مارلو بل كان ينظر لنفسه فقط، نفسه المجروحة والمحطّمة التي تنتظر سيدها ان يعترف بحضورها ويعطيها بعض الاهمية، ولو جزء من تلك التي يولّيها لمارلو.

بالعودة الى الحاضر وفي غرفة لوكاس كان مارلو يمسك شيئا، كانت صورة من ورق مقوى بحجم ورقة كتاب متوسط الحجم وقد كان يحدق فيها وهو يقبض عليها بقوة حتى كادت ان تتمزق. قال لوكاس عندما دخل الغرفة على حين غرة "يبدو انك منشغل بشيء ما" فارتبك مارلو وخبئ تلك الصورة خلفه ثم غطاها بملاءة السرير، "انت تخبئ شيئا هذا واضح، أرني" مد لوكاس يده لكن مرلو قد رفض إعطاءه تلك الصورة.
-صاح لوكاس بنبرة حادة "مارلو! كن لطيفا"
-"ماذا تفعل صورة ايما بغرفتك؟" قال مارلو بانزعاج  وهو يناول لوكاس الصور.
-"انها ليست ايما!"
-"هه، انت تمزح. لما الكذب!" قال مارلو بابتسامة حزينة.
-"هذه ليست ايما، انها ايملي!!"

لعبة الكبارWhere stories live. Discover now