بداية الزقاق

117 9 80
                                    

"ابي من هذا؟ و لمَ نزوره قبل امي ؟"
قلت انظر لوالدي الذي يمسح دموعه بلفافه الذي على صدره فقال: سنزور امك بعده.

"اين قبرها؟ لا ارى سوى قبر واحد"
فرد: في مقبرة الوادي الكبيرة.

سكتُّ فعاد والدي ينظر بإنكسار للقبر البعيد لمدة ثم اغمض عيناه و تمتم بكلمات كما كان يفعل قبل قليل بينما دموعه تنهمر ثم فتح عيناه و قال: لا قدرة لي على الصبر.. و ما فَقَدت فيكَ الرّجاء، هِيَ أَضغاثُ حُزنٍ تأتي وليتها تزول.

صمتُّ قليلاً لم ارد مقاطعته ثم قلت: مع من تتحدث؟
(ابي):مع من في القبر.
-كيف تتحدث معه؟ أليس ميتاً؟
(ابي): بلى، ميت..
-إذن كيف يتم الحوار مع شخص ميت؟
(ابي): هو يستطيع سماعي.
لمَ قبره معزول عن بقية القبور؟
فنظر الي مبتسماً و لم يجب ثم نهض و حملني و اردف: انت تسأل كثيراً حبيبي.

انتفضت و قلت: انزلني يا ابي لم اعد طفلاً!
ابتسم و قال: اعلم اعلم لكن اخاف ان تضيع مني و لنصل لامك اسرع.

فمشى بي مسافة طويلة
فقلت له: أهذا المكان كله من اجل قبر شخص واحد؟
فقال: كلا يوجد ثلاثة اشخاص هناك في نفس المكان و اينما امشي يوجد قبور لكن القبور لا تحمل هوية.. لانها قديمة جداً فاندثرت تحت الارض.
- اذن انت تمشي على قبور اوادم!
(ابي): اجل و تبدو غير راضي، هل أُحلّق؟
فصمتّ و لم اجيب.
-كم تبعد المقبرة الكبيرة عن قبر هذا السيد؟
(ابي): ثمان دقائق اذا ركبنا سيارة و قرابة النصف ساعة مشيًا.

بقي والدي يمشي بي لمدة خمسة عشر دقيقة تحت الشمس الحارقة على الرغم من انه فصل شتاء الا ان النهار في بلادي يكون حارًا، لم يبدو ابي و كأنه سَيستقل سيارة اجرة فطلبت منه إنزالي لِشعوري باني أُتعِبه اكثر لكنه رفض بحجة اننا سَنتأخر و أن خطواتي صغيرة.

وصلنا اخيراً للمقبرة التي كانت على مد بصري و عبرنا سورها فقلت: ابي هل تدري اين قبرها؟
فنزع والدي لُفافه و وضعه فوق رأسي ليحميني من حرارة الشمس و قال: أأُضَيّعُ من كانت تضيء لي كوناً؟
-كيف؟!
(ابي) و هو يتنهد: تعبير مجازي.. تعبير مجازي.
لم اكن افهم معظم كلام والدي احيانا بسبب ما يسميه بـ" التعبير المجازي"

مشى بي بين القبور فوضعت راسي على كتفه ارى الكم المذهل من القبور فقرأت اسماء غريبة على القبور بصوت مسموع لوالدي فعلق: لا تقرأ اسمائهم.
-لِمَ؟
اردفت رافعا رأسي من على كتفه.
فرد ساخراً: سَيسمعون ندائك و يخرجون من قبوهم و يلتهموك.
اردت ان أُعلق على كذبته لكنه انزلني و قال: وجدنا امك.

فألتفت لقبرها المُعنون بـ'ليلى بنت آدم'
نزل والدي على ركبتيه و قَبّل قبرها الذي كان من مرمر ففعلت المثل، بقيّ ينظر اليها بنظرة عِتاب و قهر.. فأقتربت و عانقته.

لم يشأ ان يبكي امامي لئلا ارى انكساره لكني شعرت بغصة حنجرته، بادلني العناق بقوة.

فككت العناق و ابتعدت، مشيت نحو القبور القريبة لأمنحه المجال و الخصوصية
فنادى علي: بُني لا تذهب بعيداً.
رددت عليه بالإجابة و جلست على بعد خمسة قبور.

رَفيقWhere stories live. Discover now