الوحشة

47 7 10
                                    


"هنا مقابل السوق الكبير من جهة الشرق الفتى دُرّي صاحب السبعة اعوام.. على ذويه التوجه الى الباب الرئيسي لإصطحابه.. أُكرِر
هنا مقابل السوق الكبير من جهة الشرق الفتى دُرّي صاحب السبعة اعوام على ذويه التوجه الى الباب الرئيسي لإصطحابه.."
طرق اذني صوت سماعات المكبر الصوتي للمسجد  بعد ان قام الضابط بإعطاءه التفاصيل التي قلتها في ما سبق.

بقيَّ الضابط معي مُمسكًا بيدي و يبتسم لي كل ما التقى بصره ببصري حتى انه ابتاع لي بعض الحلوى و قال لي مهونً: لا تقلق بُني سنجد والدك.

بات الشفق ظاهر في السماء اول ظلمات الليل و ابي لم يجدني بعد..
-عماه هل يمكنكم ان تنادوا مرة اخرى في السماعات؟ لعل والدي لم يسمعه لبعده عن المكان.
قلت للضابط فأومئ لي و ابتسم.

انتظرت مرة اخرى و اخرى و حل الليل و زحمة الناس لم تخف بدأت اتسائل لمَ في هذا المكان من دون البقية يوجد ناس كُثر اين سأعثر على والدي.. أيبحث عني الان؟
أهو خائف الا يجدني مثلما انا خائف الّا اجده؟
ماذا لو تخلى عني؟
اريد ان اكف عن التساؤل لكن هذه الافكار السوداوية لا تفارق ذهني.

اقترب الضابط مني و هبط لمستواي قائلا: ألك دراية برقم هاتف والدك يا فتى؟
أجبت بالنفي.. فابتسم ماسحا على رأسي و قال: لا بأس.

لا اعرف ماذا افعل... بقيت اراقب المارة لعلي المح والدي، عمي ايا كان انتظرت لمدة طويلة لا اعرف مدتها حتى بدأ قلبي ينبض بسرعة حين لمحت شخص طويلاً ذا شعر اسود و معطفً اسود، معطف ابي!
فرحت و قفزت من مكاني و نظرت للضابط الذي كان مشغولا بالكلام مع رجل اخر فقلت له: يا عم ذاك ابي! ذاك ابي!!

التفت نحوي و قال: لحظة!
اعدت نظري نحو ابي فرأيت انه سيمشي بعيدا
تركت الضابط و رحت اركض نحوه بين زحمة الناس جاهدت نفسي للوصول..
ركضت و ركضت لكن كان من الصعب الا ارتطم باحد، بكل خطوة خطيتها ارتطمت بشخص واحد على الاقل.
لكني بقيت ساعيا نحوه و ابتعدت كثيرا عن مكان الضابط، دخلت منعطفات و افرع كثيرة حتى اجده
لكن هل وجدته؟ لا..

كأن الارض انشقت و بلعته... اين هو؟ اين ذهب؟ اين إنعطفَ..؟
اين انا؟!

لم اتمالك نفسي لابد ان ابكي الان
لم تركت الضابط؟
مدهش الان انا تائه عن والدي و عن الضابط ايوجد اسوء من ذلك حتى؟

بتُّ مشردا مفرق النفس مضطرب الخطى ممتلئ القلب بهذه الوحشة المضلة الباهضة التي تفسد على المرء امره
بكيت و انا امشي وحدي.. و الناس يعبرون و يتخطوني و كأني خيال.

حاولت العودة لكن تهت اكثر من التيه الذي كنت فيه، لا اعلم اين انا و ما هذا المكان بيوت كثيرة و ازقة اكثر و المكان موحش جدا!

بقيت امشي للمجهول لا اعرف اين اذهب و سرعان ما بدأت زحمة الناس تخف و تصبح اقل و اقل حتى فتُ بمكان خالي من البشر تقريبا و لم يضيء طريقي الا نور القمر.

و نسيم البرد كان يلطم وجهي من الحين الى حين بردت كثيرا و تعبت ايضا لكني لم افقد الامل في العثور عليه..
مشيت بحثا عن رجل او اي احد يرشدني او يستطيع اعادتي لذاك الضابط..

فوجدت مجموعة من الصبية يجلسون حول نار يتسامرون كنت على وشك السير نحوهم و طلب المساعدة لولا اني خفت مِن ذاك الذي وجهه مليء بالخدوش رفع رأسه و نظر الي بخبث و قال مضيقا عينيه : من هذا؟ ألست ياس؟ تعال هنا ايها الشقي.. يالك من جسور متهور بقدومك الى منطقتي..

نهض من مكانه بنية التوجه نحوي فعدت خطوتين للخلف و ركضت بسرعة هاربا بينما التفت بين الحين و الاخر
و هو الاخر هرول نحوي الا ان احد رفاقه نادى عليه و امره بالعودة فتوقف و عاد.

استمررت بالركض و لا اعرف كم قطعت من مسافة و لا كم منعطف دخلت توقفت عن الهرولة عندما طمست قدمي بالطين اخرجتها و بدأت اتذمر ما اسوء ما امر به الان يا اللهي.

اكملت سيري في هذا الحي الذي دخلته حديثا البيوت كانت قديمة هنا و بعضها متهالك..
رأيت شجرة كبيرة جدا فتوجهت هناك و جلست تحتها مُتكئ على ساقها الضخم.

شردت في المكان المحيط بي الهدوء كان سيد المكان.. اتسائل كم الوقت الان لابد انه مر الكثير.. لففت الوشاح الذي وضعه والدي علي سابقا بشكل افضل كيلا استبرد.. تعبت كثيرا و كان يوما طويلا جدا لم اشعر بنفسي الا و النوم يغشى عينيّ...

استيقظت بعد مدة ما عرفت حدودها على صوت اذان المسجد القريب، بقيت جالسا مكاني
و على حين غرة فُتِح باب البيت الذي بجانب الشجرة التي اجلس تحتها و خرج منه رجل بدا لي في الخمسين من عمره يضع عمامة بيضاء على رأسه و بيمينه عصى خشبية يرتدي ثوباً اسودًا و فوقه رداء و لحيته بيضاء يتخللها بعض السواد.

عجبت عندما عبر امامي و لم يلحظني و ما دهشني اكثر هو انه ما كان يستخدم عصاه للمشي اي لم يتكئ عليها كان يحملها بيده الى صدره و يمشي مطأطأ رأسه.

ذهب الرجل و غاب عن عينيّ
ازدادت وحشتي.. بقيت في مكاني اتشاجر مع نفسي تارة و اوبخها تارة اخرى..
لم خالفت كلام ابي و تركت يده؟
هل كانت القطة تستحق؟
و كنت في كل مرة اجد فرصة القي فيها اللوم على شيء مرة على قطة و مرة على ابي لانه ذهب لكن في النهاية الذنب ذنبي.. انا من جعلني اصل الى هنا..

ليتني ما كنت طفلاً مشاغب طائش غير مُتبصِّر كما كان يقول عمي عني.. خُنقت بعبرة و بدأت بالبكاء لمدة من الوقت...
اين المعجزة التي سَتضعني بِحضن والدي؟
انا خائف من الظلام، اتوه في فكرة ما سأفعله تاليا..

شعرت باحد يقترب مني قائلا: لمَ تنحب؟

رَفيقWhere stories live. Discover now