الرسالة السادسة : تقبل

50 6 5
                                    

-

إلي عزيزي المجهول...

صباح أو مساء الخير حسب توقيت قرائتك لرسالتي، شمس يوم جديد تضيء غرفتي وغرف كل إنسان لا زال علي قيد الحياه، اخبرتني اليوم ليلي أننا سنذهب لإفتتاح معرض لوح لرسام شاب والده يعمل طبيب بذات المشفي التي تعمل بها لذالك قررت أن أخذك في تلك الرحلة الصغيرة.

لكي أكون صادقه، يصعب وصف حماسي للإفتتاح، كم أحب اللوح ذات المغزي والقصص الهادفة، تعلم التفاصيل الصغيرة تهمني.

"بدلا من إضاعة الوقت بالبحث بالمطبخ قررت طلب الغداء من مطعم مميز"
كسرت ليلي حاجزي الذي أصنعه أثناء قرائتي لكتابي المفضل لانزع نظارتي الطبيه ملقيه نظره خاطفة علي أكياس الطعام التي وضعتها علي سريري.

"لا طعام علي السرير لي لي، الطعام علي طاوله الطعام"
أمسكت بالأكياس لتخرج زفير غضب يليه عبارات تأنيب لضميري.

"لن أتذمر عليكِ اليوم لأنني أتضور جوعاً"
جيد بأنها لم تتذمر اليوم، أنهينا تناولنا للطعام لتذهب إلي غرفتها كي تخطط ماذا سترتدي لأعود لكتابي المفضل كي أكمل قراءه عدد صفحات اليوم، نظرا لعدم إمتلاكي أي موهبة أجلس بالمنزل دون حتي العثور علي عمل، ليلي تعني لي الكثير بعد خروجي من دار الأيتام لذالك قرر كلينا أن نعيش سويا بمنزل واحد.

قررت أن أبحث بخزانتي عن شيء كلاسيكي كي أذهب به للإفتتاح، بذله سوداء مع كعب بذات اللون وأحمر شفاه مميز كي يجعل المظهر النهائي آخاذ.

دوما ما أنظر لتلك الإصابه التي تركت أثر كبير بقدمي متسائله عن سببه.

"ليلي، ما سبب هذا الأثر؟"
فورما إقتحمت ليلي الغرفة سألتها ولكنها لم تنتبه إلي قط فقط تبحث عن شيء ما بعجله من أمرها.

"سارة جيد انكِ جاهزة، لقد تأخرنا فقد هاتفني السيد إسحاق ظنا منه بأنني أوشكت علي الوصول للحفل"
بعجله منها جعلتني أصمت فحسب فمنذ نصف ساعه وأنا علي أتم الإستعداد للتحرك، أحيانا أجهل سبب تصرفات ليلي نحوي، تقوم بدور الأم مره، الرقيب، الصديقه، الزوج، الأخت، والعديد من الأدوار التي تجعلني مشتته عندما أتعامل معها.

"هيا بنا"
تحركنا وأخيرا لنصل إلي المعرض الذي إمتاز بمساحته المميزه وأضوائه الذهبية الخلابه، يجعلك تنسي ماضيك وتتأمل فقط تفاصيله المذهله.

"مساء الخير جميعاً"
نهض الشاب رافعاً كأس المشروب الخاص به بعدما قرع عليه ليلفت إنتباه الجميع.

"منذ الثامنة من عمري وأنا أجيد الرسم، دوما كنت بعين أمي رسام ماهر ولطالما أراد رؤيتي أفتتح معرضي الخاص"
أخذت عيني تتأمل الحضور لأجد الجميع منشغل بالتحدث مع السيد إسحاق منهم ليلي التي تضحك ولا تبالي بحديث الفتي، مما جعلني أبحث عن والدته التي يتحدث عنها ولكني فشلت في التخمين نظرا لكثر عدد الحضور.

"واليوم أفتتحه ولكنها ليست بجانبي، أعلم بأنها تراني وهي فخوره بما فعلته لذالك سعيد بمشاركه سعادتي بإفتتاح معرضي الخاص معكم، ليله سعيدة"
صفق الجميع وكأنهم منصتين له منذ بدايه الخطاب لتعود الأنظار لوالده لأراه يتجرع مشروبه جرعه واحده و يقلب عينه كمن يعلم بأن هذا سيحدث بأهم لحظة في حياته.

"سأخذ جوله بالمعرض"
أخبرت ليلي التي أومأت بلا تركيز فيما تفوهت لأتحرك ملقيه نظرة علي كل لوحه معروضه، لكل لوحه حائط مميز لها مع إضائه تجعل القصه المرسومه حيه لمن يراها.

"الوحدة"
قرأت عنوان اللوحه بينما عيناي تتفحص تفاصيلها البسيطه والتي رأيت أنها تعبر عنه، فتي ينظر من النافذه التي يجد من خلالها البشر سويا وهو بغرفته المظلمه يتأمل هذا الحشد، كأنه يعبر عما يؤلمه بلوحه المعروضه، كأنه يعلم ما سيحدث اليوم.

"أعجبتكِ؟"
تسائل صوت ثقيل أتي من الخلف لأستدير لأجده يقف بجانبي متأملاً اللوحة.

"أراها تعبر عنك"
همست ليلتفت إلي ليضحك بسخريه ماسحاً دموعه الهاربه من مقلتيه.

"وكيف علمتِ؟"
تسائل ببرود بعدها لأنظر إلي عينيه التي تحمل تأقلم يشوبه الحزن، ذات النظرات التي كان يحملها جيفري الذي أنهي علي حياته لأجل سارة.

"الإنتباه الأكبر كان لوالدك، رأيت هذا بعيناي"

"هل لديكِ مكان آخر ترين منه؟"

"ماذا؟"
أخذ يضحك بدون سبب وعقلي تشوش لثوانٍ معدوده لأقف أمامه مباشره

"جميع لوحك هنا تعبر عنك، تعبر عن ألامك جابريل"

"ولذالك أصبحت مشهور"

صرخ بوجهي ليصفع نفسه كي يستفيق مما هو عليه معاوداً النظر إلي مجدداً

"بسبب ألامي المرسومه أصبحت مشهور يا آنسه، تودين أن تصبحي ذات بصمة مميزه بمجتمعك إستعملي آلامكِ، حتي وإن سلبتي آلام الأخرين لحسابك فالتفعلي هذا"

"أصحاب الحياه الهادئة هم الأكثر مللاً والأقل نجاحاً، أي كتاب تقرأينه لا يسرد قصة سعيدة، بل أحداث بائسه إما تتحول لواقع سعيد أم مرير يا عزيزتي"
إقترب مني بخطوات ثقيله لأنظر إلي عينيه البائسه

"نصيحة مِن مَن تذوق لذاعة الوِحدة والفشل سوياً، إصنعِ من آلامكِ فناً لن ينساه البشر بأكملهم، فناً يزيح جزء مما تحملينه وحدكِ، كي تستطيعين علي الأقل أخذ قسط من الراحة دون شعور بالندم"
همس بإرتجاف ليعود لمسح دموعه ليدعي التماسك أمام الماره.

"أحيانا الألم يجعلك تزدهرين، وأحيانا يدفنك بالتراب، فلا داعِ لغرس روحك العطشة للإزدهار، فاللتراب يوماً عائدون بلا رجعة"
ربت علي كتفي لتعود إبتسامته المزيفه علي وجهه ليقف مع عدد من الناس كأن شيء لم يكن.

أصبح من يتألم يدعي السعاده، ومن محاوط بالبشر بأكملهم وحيداً لا أنيس لروحه.

كان يوم مليء بالمشاعر المتضاربه، كل ما علي قوله لك يا عزيزي أن تكون بخير وألا تستغل ألمك لإسعاد الغير، أتمني ألا تشعر بالوحده القاتله التي تكاد تقتل روح مبدعه كروح جابريل.

من محبوبتك سارة.

-

إلى عزيزى المجهول.Where stories live. Discover now