الرسالة الثامنة : إشمئزاز

37 5 2
                                    

-

"تبقي القليل سارة"
كان صراخ الطبيبة وصراخي يتضاربان بجدران الغرفة بينما يد دافئة تشد علي قبضه يدي حتى أنهي تلك الرحلة.

"لأجله عليك التحمل قليلا، هنا بجانبك لن أدعك إلى أن تصبحين بخير"
لم أستطع رؤية ملامحه، كانت كشعاع الشمس، أستطيع رؤية الشكل الحقيقي للشمس؟ بالتأكيد لا

هذا ما كنت عليه، أعتصر ألما وعيني تحارب شعاع وجهه الغامض ليلفت نظري ليده التي تربت علي يدي فتجعلني اتلاشي فضولي تجاهه.

"ستعلمين من أكون، اقتربت للغاية سارة"
همس بأذني ليزداد الألم ومعه صرخة نجاة، صرخة أخرجت ما بداخلي لهذا العالم الغامض، ومعها ينتهي حلم كدت أن أكتشف به الغامض الذي أعاصرة بالواقع.

"بم تشعرين؟"
تقابلت مقلتاي مع أشعة الشمس الساطعة بالغرفة، أصوات خافتة تهمس بأذني ولكنها ليست حولي، جسدا مثقلا كاد أن يفتك بالسرير أرضا ، ورأس مليء بالهواجس المجهولة، وأعين متلهفة لنسج قصص لعزيز مجهول.

"سارة، أتسمعينني؟"
بطرقعة بأناملها إلتفت إليها بحواجب منكمشة دالة على انزعاجي من إلحاحها، أتذكر كل شيء، حقا أتذكر كل شيء، سقوط السيدة العجوز على يد ليلي بتلك الإبرة، الهمسات المؤذية التي تعرضت إليها، جميع ما حدث بتلك الليلة لم أنساه .

"أسمعك، كم الساعة؟"
تساءلت ومعالم وجهها مرتجفة بين السعيدة والمرتبكة والخائفة من ارتكاب خطأ صغير قد ينهي كل شيء.

"لما تسألين عن الساعة؟"

"بعد ذهابك للعمل، غفوت أثناء قراءتي للكتاب"

"ألا تتذكرين؟ لقد أغشي عليك بعد مجيئي"
سكبت المياه بالكوب بينما أنصت إلي أكاذيبها وأكمل كذبتي البيضاء حتى نري إلام سنصل.

"لم أكل جيدا الأيام الماضية، يبدو أنه السبب"
أعطتني الكوب ومن ثم عناق مفاجئ جعلني متسمرة بمكاني عاجزة عن إبداء أي ردة فعل.

"لقد خفت كثيرا عليك سارة"

"حقا؟!"
تساءلت بتعجب دون أن أفصح عن تساؤلي، بدأت أشعر بالاختناق ليس من عناقها، بل من عناق الأكاذيب وتشبثها بي، بعد رؤيتي لها ذلك اليوم تؤذي السيدة العجوز ولم يعد بإمكاني ترك الثقة بين يديها.

"لماذا لم تأخذيني للمشفى؟"

"وما الحاجة للمشفى ولديك صديقة طبيبة ماهرة للغاية؟"
غمزت لأبتسم بوجهها لثوان لتعود تعابيري الجادة لتكسو وجهي، بالتأكيد لن تأخذني للمشفى حتى ينكشف المستور، وبالتأكيد حدث شيء ما بالماضي جعلها متأكدة بأن ما سمعته من هواجس لن أتذكره بعدما أغشي على.

"سأكشف المستور جوزيف"
التفتت بصدمة فور همسي بتلك العبارة لأرفع رأسي لها بابتسامة بلهاء.

"كانت آخر عبارة قرأتها قبل أن يغشي علي"
بررت بهدوء لترتجف ابتسامتها بشكل غير ملحوظ لتعود لترتيب المنزل الذي أراه بمنظر عشوائي، ولم يكن هكذا عندما خرجت لأنقذ السيدة العجوز.

"ليلي لما هذه العشوائية؟ ما الذي حدث أثناء غيابي عن الوعي؟"
تساءلت لتجلس كي ترتشف من كوب القهوة لترمقني بابتسامة هادئة وكأنها لم ترتكب شيئا على الإطلاق.

"عند دخولي للمنزل لم أجد مفتاح الإضاءة فارتطمت بالأشياء وعند دخولي وجدتك على أرض مستلقية دون حراك فهرعت لمساعدتك"
شرحت ببساطة وعقلي طوال حديثها يهمس ب كاذبة كاذبة عليك اللعنة كاذبة، كيف تألفين قصصا لم تحدث؟ ولكن يعود بذهني سبب تأليفها بهذه الثقة دون الشعور بالخوف أو إن يظهر على وجهها الذعر؟ هل مررت بهذا من قبل؟

عزيزي، هذه أول مرة أشعر بها بالعجز والغضب، عجز عن وصولي لحقيقة ذاتي، وغضب من رؤيتي لجزء من الحقيقة وعدم إفصاحي بها، لذلك أنتظر رسائلي القادمة، فواحدة منهم ستحمل حقيقتي، وتحمل اسمك بدلا من كتابتي لعزيزي المجهول، فلقد سأمت شعور كوني مغفلة، غبية، ساذجة تفسر ما يحدث بحياة البشر وتترك الأقربين لها يتحكمون بشريط حياتها.

من محبوبتك الغامضة: سارة.
-

إلى عزيزى المجهول.Where stories live. Discover now