الرسالة العاشرة : توجس

20 3 2
                                    


-

إلى عزيزي... حتى أعلم اسمك
لا أدري إن كنت قد مررت برحلة مليئة بومضات مشوهة من الماضي مثلما أمر حتى أستطيع تقبل تلك العقبات، لم أر بحياتي من يستيقظ بهدوء ويغشي عليه بالإجبار من ماض لا ملامح له، شرع الماضي يسلب من طاقتي وفي المقابل لا أحصل على شيء، عقلي يرفض الومضات ويفضل العيش في كهف المجهول حتى لا يلقي بنفسه في لهيب الحقيقة الحارقة.

"سارة، بما تشعرين؟ أخبريني رجاء"
قابلت عيناي سقفا رماديا هذه المرة فردد لساني الشكر لله على عدم لقائي باللون الأبيض هذه المرة.

"صداع"
أمسك برأسي بينما عيناي تتفحص الوضع المحيط بي، ليلى بجهتي اليمنى وسائق يقود بسرعة إستطاعت مزج جميع محتويات رأسي من ألم، صداع، أفكار، ماض مخزن مغلق عليه برمز ليس لدي ادني فكرة من أين أبدا حتى أصل للمجهول، أتدري بأن مصطلح المجهول يشبه تماما الآباء عندما يلح أبناؤهم في طلبهم فيطردون أصواتهم القاطعة لأولوياتهم ب -إن شاء الله-.

"رجاء لا أريد الذهاب لمستشفيات"
أشرت لها ويكاد الصداع أن يدهس كل جزء برأسي، وإيماءات الجد تصبغ وجهها بإتقان بث بجسدي الارتباك، هل ليلى بصفي؟ ولماذا بصفي؟ ومتى تعرفت عليها؟ وجودها بجانبي وبهذا القرب أحيانا يثير الرهبة بداخلي مما أجهله تجاهها وما تفكر به وما ستقبل على فعله بي، للناس تبدو إنسانا يحب السلام والهدوء والسعادة مع بعض من الجرأة التي لا بأس بها حتى تصبح للحياة طعم ألذ من المذاق المعتاد بين طبقة النخبة التي تنتمي إليها.

طبيبة أجهل بأي تخصص تعمل، ابنة لطبيب جراحة الدماغ والأعصاب شهيرا بالمحافظة التي ولدت بها ويملك لذاته المجمع الطبي الخاص به ذو بسيط ذائع على مستوى الجمهورية، مثل الأب مثل الابنة التحقت بالطب حتى تصبح مثل بطلها الأول والأخير في نظرها، فأمست مثله طبيبة ذات خبرة جيدة، سريعة التعلم، ومحبة لمجالها وعلي أتم الاستعداد لتضحي بما تملك لتنقذ مريضا، مخلصة ولا تنتهك شرف المهنة، كان هذا انطباعي قبل رؤيتي لها مع السيدة بالشقة العلوية.

"علينا أن نطمئن سارة"
أجابت بحنق بينما يدها تمسك بيدي وبحركات مليئة بعطف وقلق الأمهات تحاول أن تسلب البرودة مني لتضعها معها حتى يطمئن قلبها ولو قليل، تعرف محبة الأم أليس كذلك يا عزيزي؟ أم أحدثك عنها في رسالة أخرى؟

"لا داعي لكل هذا رجاء، لنعد إلى المنزل"
هربت مقلتاي من تفحص ملامحها فأتأمل الطريق، سحب تزين السماء رغم ثباتها بالجو ولكن السائر يشعر بأنها تسير معه وتشاركه الرحلة حتى نهايتها، شعورا جميلا مطابقا لشعورك بالثقة لوجود من تحب يسكن جوارك دون رحيل، على الرغم من تمسكي بوجودك ولكن يراودني شعور بأنك لست بجانبي، وكأنني أراسل الفراغ، أو أفرغ ما برأسي من أفكار علي ورق حتى أفرغ مساحة بعقلي لاستيعاب المزيد.
إلي المنزل أدخل لأترك ليلى وأصعد إلى غرفتي ولا يزال عقلي مشوش وجسدي يأبى اتخاذ خطوة خارج الغرفة لاكتشاف المجهول.

"ألن تكملين رحلة ما وراء النهر؟"
اقتحمت ليلى صمتي لأرمقها بلا تعابير بينما عقلي يتساءل ما الذي تعنيه؟

"الكتاب الذي كنتي تبحثين عنه بالصباح قبل خروجنا، بجانبك"
أشاحت بحاجبها تجاه المنضدة الملتصقة بالسرير لأجد الكتاب الذي صنعت به كذبه لأتفحص مكتب ليلى.

"نسيت بأنني وضعته هنا، أشكرك ليلى"
همهمت وجسدي يتسلل داخل الفراش حتى يستريح رأسي وقلبي.

"سارة لقد أتتك رسالة من عزيزك المجهول"
قبل أن أغفو في قيلولة لا مدة محددة لها تسارعت ضربات قلبي فور سماعي لكلمات ليلى.

"أين؟"
انتفضت عن السرير وبخفة الفراشة أركض حتى أمسك بالظرف.

"يبدو أنه يريد رؤيتك"
همست مع غمزه لعوبه بينما أمسك بالرسالة التي كانت تحتوي على جملة واحدة فقط.

"ألم يحن الوقت لتعرفي من أكون؟ عليك اكتشاف من هو آدم"
رمقت ليلى التي مزجت ملامحها بالشفقة والسعادة لي فتعود نظراتي للورقة التي زادت من حيرتي.

"من هو آدم؟"
بنبرة باكية جلست علي الأرض وبيدي الرسالة العتيقة، وها أنا أرسل لك رسالتي بعد تلقي رسالتك، أعدك بأنني سأعلم من يكون حتى أصل إليك، كي لا أشعر بعد كتابتي لكل رسالة لك بجفاف يحتاج أن يروي برؤيتي لك، كاد الاشتياق لشخص مجهول أن يقتل روحي المحبة للحياة.
-

إلى عزيزى المجهول.Where stories live. Discover now