الفصلُ السّادس

24 3 0
                                    





ارتفعت قامة بهية تصبغت باللون الناري، لبناتٌ من الحجر الأحمر كونت جدرانًا وقفت أمام تقلب الطقس كذلك تقلب البشر وحكمهم، منارة جاورته بهيئتها الإسطوانية يقبع فوقها مخروطٌ مزينٌ بإكليل الهلال، قبة نصف كروية اعتلت مبنى المسجد كتاجٍ نفيس يعتلي رأس حاكمه.



تأودت لتعبر ساحة المسجد المرصوفة بالأحجار البنية، تتوشح السواد بجلبابٍ يغطيها من رأسها حتى أخمص قدميها، لا يظهر من وجهها شيء، فقماشٌ أسود شفاف يغطيهما أيضًا لكنه يسمح لها برؤية أين تطأ قدميها وحتى من عبر أمامها، عبرت الباب البحري ووقفت في ركن الصحن تتربص الداخلين بحثًا عمّن تنتظره.



عكف الرجال يرمقونها بنظرات استهجان، فمن التي تقف تراقب الرجال وهم يتجهون إلى مكان الوضوء!



حتى ظهر من تنتظره، مرافق الوالي الذي يصحبه في زيارته لمسجد الحسين، اعترضت طريقه وهو ذاهب إلى مكان الوضوء، أوقفته ونادت عليه باستحياء قائلة:


« ياعم، هل لي بقليلٍ من وقتك؟»



تجعدت المنطقة بين حاجبيه، ضيّق عينيه، وزمّ شفتيه قليلًا ثم خاطبها قائلًا:


« تفضلي أختاه، كيف أقدم لك العون؟»




حمحمت وقالت والتردد بادٍ على وجهها:


« هل الوالي السيد محمد باشا الشريف حاضرٌ في المسجد اليوم؟»



أجابها:


« كلّا، ولكنه ربما سيحضر الجمعة القادمة، فقد تغيب اليوم لظروف شخصية منعته من القدوم، ما الذي يجعلك تسألين عنه؟»



نفضت عن جلبابها ترابًا خفيًا لا يراه غيرها، تلكأت وترددت في اخباره، أما الآخر فقد بدل ثقله بين قدميه مما يدل على نفاذ صبره لكنه منحها وقتًا تستجمع شتات نفسها، وفي نهاية المطاف تحدثت قائلة:


« أريد أن أبلغه عن متواطئ مع الشركسية، هنا في مصر، يخططون لإنقلاب على الولاية».

رخُّ البرديWhere stories live. Discover now