الفصل الثامن: تَلَبَسَتهُ الشَياطـين

9 2 0
                                    

تَنهيدة مُرهقة خرجت من فاهها بينما هي تضع كفها الناعم على جبينه، تُحاول قياس درجة حرارته التي ارتفعت بشكل غير طبيعي ومفاجئ، لا تعلم السبب ولا تعلم كيف تجعلها تعود الى طبيعتها، تجلسُ بجواره على ركبتيها ارضاً بينما هو ينام بجسده على الفراش، ويكاد يكون غير موجود.

لا يستطيع الشعور بأي شيء سوى كفها اللطيف وهو يداعب وجهه، لا يفهم ما تقول لكنه يسمع صوتها تهمس بجانب اذنه بصوتٍ  هادئ، وحتى لم يكن به عقل يترجم ما هي قائلة، يدها الباردة تقوم بالمسح على شعره لتعيده الى الخلف وتمسح عنه عرقه ، ثم تقوم بأخذ القماشة البيضاء تبللها بالمياه الباردة من جديد، تعصرها، ثم تُعيدها اعلى جبينه .

لم تكن تقول شيئاً غريباً، كل همساتها كانت دعاء له لكي يستفيق، لكي يعود للأستقامة على قدميه، لأول مرة يمرض بهذا الشكل المريب، يمرض يوم ويصحو اليوم الآخر، يتعب لساعات ويفيق لدقائق، وبينهما هي ضائعة لا تستطيع استيعاب ما يحدث.

رغم كل شيء، ورغم كل ما فعله وسيفعله ، صالح كان ومازال بالنسبة إليها كُل شيء، لا تستطيع مسح مشاعرها التي تكنها إليه بتلك السهولة، ورُبما هي لا تستطيع تحمل رؤيته قعيداً على فراشه بلا حول ولا قوة، تكره رؤيته قليل الحيلة، فهي أن تراه متسلطاً جباراً أهون عليها من أن تراه قعيداً مُتعباً ضعيفاً.

« أسماء … هلا أتيتِ بسطل ماء بارد آخر ؟» خرج صوتها منادياً على خادمتها ورفيقتها ، لكنها لم تجد منها استجابة ، لتعاود المناداة مرة اخرى «اسماء.. أين أنتِ؟!»

وأخيراً وجدت أسماء تركض بينما ترفع جلبابها الاسود وتحمل في يدها سطل الماء البارد ببعض الحذر، وضعته أمام نعيمة التي رمقتها بحدة «أين كنتِ؟»

« اعذريني سيدتي لكن وجدتُ السيد عَـلي يطرق الباب ليُعطيني بعض الأعشاب للباشا ، وشرح لي كيف لي أن أصنع منها دوائه» سريعاً ما بررت تأخرها عن تلبية نداء ربة البيت، همهمت نعيمة مَشيرة اليها بكفها للرحيل لتُكمل عملها « حسناً اصنعيه سريعاً، حالة الباشا تصبح أسوأ فأسوأ ولا أجد حلاً»

أحنت اسماء رأسها بطاعة وعادت للركض الى الباب، تحمُل من قربه كيسَ الاعشاب الكبير، ورُغم ثقله الا أنها لم تتكاسل عن تلبية حاجة الباشا القاضي وزوجته، كُل خطوة تخطوها الى مطبخ القصر كانت تدعو قبلها بشفائه، ليس لأنه كان لطيفاً في التعامل معها وما الى ذلك، لكنها تعلم ماذا يعني أن تُصبح الفتاة بلا زوج او اب، بالتحديد بلا أي قريب في حياتها ، وتخشى هذا الشُعور على سيدتها ورفيقتها نعيمة.

دلفت إلى المطبخ لتضع كيس الأعشاب ارضاً، نزعت حجابها الثقيل لتقوم برميه على الكُرسي الخشبي، رفعت جلبابها قليلاً وهمت بتصفية وتفرقة الاعشاب بعضها عن بعض ، في أكياس مُفردة ، وعقلها يراجع ما قد املاه عليها الباشا علي .

رخُّ البرديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن