4

539 10 3
                                    


"هل تعرف شعور أن تقف على الحافة وترى عالمك يهوي أمامك؟ أن تكتشف زيف كل ما عشته ورأيته وعلمته منذ وعيت على هذه الدنيا؟ أن تطير عاليا في السماء مستمتعا بشعور الرياح وهي تلمس مسامك، ثم في اللحظة التي تليها تسقط لترتطم بالأرض بقوة؟

ما حدث لي كان أسوأ بكثير، أكاد لا أرى الورقة أمامي فلم تكف عيناي عن ذرف الدموع لحظة منذ الصباح لذا أشعر أن رأسي سينفجر، لكن ما معنى الألم الذي أعيشه؟ هل يُقارن بما رأيته اليوم؟

استيقظت صباحا باكرا كالعادة، لبست ثيابي التي حضرتها لي والدتي ووضعتها على سريري قبل أن أخلد للنوم، سرحت شعري بعناية وتناولت فطوري بهدوء وأنا أستعجل للذهاب، أشعر بالغباء الآن فعلا فلو أدركت ما كان بانتظاري لما تركت البيت في الأصل. رحت أشق الطريق وسط الضباب الكثيف مع أهلي وجماعات كبيرة من النساء والرجال نحو الكنيسة ، كنا كجيش من الأردية البيضاء، لاحظت حين خرجنا أن بوابات البلدة الكبيرة والمزينة بزخارف دقيقة لم تُفتح بعد. وصلنا للكنيسة التي تتوسط المكان، دخلناها وأخذنا أماكننا.
بعد مدة حضر الكاهن، وقف أمامنا وشرع يتحدث عن عظمة مدينتنا وتقاليدها التي ضمنت استمرار عيشنا بسلام هنا والأهم كان عدم عصيان أي فرد لها، لم ادرك لحظتها سبب تأكيده على تلك الفكرة وهو ينظر عميقا في عيني، انتقل بعدها للترحيب بالعضو الجديد الذي هو أنا بنبرة أخف وأرق. كنت لحظتها سعيدا وأشعر بالفخر الشديد كوني محط انتباه الجميع وجزءا من الخطاب الذي ألقاه الأب الرئيسي. بعد مدة أشار للكاهن الجديد الأدنى منه رتبة ليغيب فترة من الزمن، عندما عاد كان يجر وراءه جسدا ما مغطى بقطعة قماش طويلة، ازالها ليكشف عن فتى صغير هزيل شاحب تملؤه الكدمات، آلم الضوء عينيه ليغطيهما بيديه المربوطتين بإحكام إلى الحبل الذي يمسكه الكاهن الأصغر سنا. كان يرتدي فقط سروالا عريضا باليا مربوطا بقطعة قماش كونه أكبر من جسده النحيل، ذلك الجسد الذي تملؤه الرضوض والكدمات المختلفة، أما شعره فكان أشقرا لدرجة يكاد يكون أبيضا. نظرت حولي فإذ بي أرى وجوها غير مبالية بما يحدث، أغمضت عيني لعلي أتخيل ما أمامي، تساءلت عمن يكون هذا الفتى ولم هو مقيد، ما هو الذنب الذي اقترفه ليجر بهذا الشكل المهين، وما الذي حدث لجسده. صدمت حين رأيت الكاهن يهوي على جسمه بسوط رفيع بعد ترديد كلام باللاتينية. انتفضت بشدة لكن يد والدتي الصارمة أمسكتني بقوة دون أن تبعد نظراتها عن العرض أمامها الذي كانت -كالجميع- تشاهده بملامج جادة. ملأت صرخات الفتى الصغير الكنيسة القديمة وترددت بين جنباتها بينما كنت داخليا أتلوى من الغيظ، انزلت رأسي وغطيت أذناي ولم أجد غير الدموع متنفسا لكل ما كنت أكبته داخلي لحظتها. كنت أتألم كأنني أنا من يتعرض للضرب، رغم أنني لم أذقه يوما في حياتي.
توقف صوت صيحات الفتى لأرفع بصري وأجده ملقى هناك تسيل الدماء من جروحه الحديثة. أخذ الكاهن يتلو كلمات لاتينية من كتاب لا يشبه الإنجيل حتى بينما كان الفتى يتلوى أرضا بصعوبة ويطلق آهات مكتومة.لحظتها توسعت عيناي رعبا من المنظر الذي رأيته، كان الكاهن الأصغر قد ناول الآخر قطعة حديد حامية لدرجة صارت بيضاء اللون، كاد الآخر أن يضعها على جسد الأصغر لولا أنني ركضت بسرعة كبيرة متجاوزا الأمتار السبع التي تفصل بيننا لأدفعه وأقف في وجهه حاضنا الفتى، لا أدري كيف تحركت من مكاني حتى، لم آخذ وقتا للتفكير بل اندفعت فقط..

صبي أوميلاس | سونغ إن ⁦⁦~♪⁩Where stories live. Discover now