الفصل الثامن والأربعون.

817 112 61
                                    

| ترنِيمَة |
.
.
.

مدّت يَدها لتربّتَ على شعرهِ الأشقرَ بلُطف و هدوء بعدَ أن غطّ هوَ في نومٍ عَميق و هانِئ مع مَعدة مُمتلئة، جسدهُ الصَغير ساكِن على تِلكَ الأريكة و لِجواره كانتْ هيَ تجلسُ على كِلتا ركبتيها و بيدها طبقٌ فارِغ كانَ يحوي على حساء خضرواتٍ لَذيذ و باتَ الآن في بطنِ الطفلِ النائِم

التفتتْ حِينهَا للطفل الآخر اللّذي كانَ ينظرُ إلى أخيه الصَغير بعيونَ مُتسائلة لَم تخلُ من قَلقهِ، و يبدو أنه حَذِر لِلغاية لسببٍ تجهلهُ

-" أرأيت؟ لَقد نامَ بِسلام بعدَ أن تناولَ طعامه .. تبقّى أنتَ. "-

تحدّثتْ بلُطف و نبرة حاولتْ جَعلها مُطمْئِنة و دافِئة قدرَ المُستطاع لكسبِ ثقة صاحبِ الشعر البُندقيّ ذاك، بينما تقطبُ حاجباهَا غير راضِية عن إعراضهِ على الطعام رغم أنها مِتأكدة بأنه يتضوّر جوعَاً تماماً كأخيه الصَغير
طبقُ الحساء خاصته أصبحَ بارِداً بالفعل و هو موضوعٌ أمامه مُنذ حوالِي نصف سَاعة عَلى بعدِ مترٍ واحد دونَ أن يتذوق منهُ ملعقة

فمنذُ أن جائتْ بِهما هرباً من قسوةِ المُناخ الماطِر بالخارِج إلى منزِلهَا الدافِئ و هو يرفضُ التقرب مِنهَا كما لو كانتْ وَحشاً، لكنّه سمح لها بإطعامِ أخيه لأنه كانَ يبكي و يَبدو مرهقاً عَلى عكسه .. و هاهوَ الآن نائِم كملاكٍ صَغير

لم يُجبها، و لم يتحرّك من مكانهِ فتنهّدت هيَ بيأس ثمّ أخذتْ طبقهُ المَليء لجوارِ طبقِ أخيه الفارِغ و استقامتْ عائِدة لِلمَطبخ، ربّما لا يُحب الحساء لِذا فكّرت في أن تعدّ له طعاماً مُختلفاً ففي النِهاية من الشائِع أن الأطفال مزاجيّون و خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالأكلِ الصحيّ
عادتْ بعد دقائِق لتطلّ على الردهة و هي تتحدّث بذات النَبرة اللّطيفة امتزجتْ مع حَماسها

-" حَسناً يا صغيري قُل لِي ماذا تحبّ أن تأكُل عِوضاً عن الحساء؟ إن مَطبخي مليءٌ بِالأطعمة اللّذيذة ! "-

شاهدتهُ و هو يضعُ رأسه قُبالةً رأسِ أخيه الأصغر النائِم و يُغمض عَينيه الزرقاء بهدوء و تَركيز كما لو أنهُ يُنصت لنبضاتِ قلبِ الأصغر و همساتِ تنفّسه المُنتظم و يَبدو أنه خائِف بشدّة من خَسارتهِ و من عدمِ استيقاظهِ مُجدداً ..

فكّرت هيَ بذلك بينما تقطبُ حاجبيها بِقَلق
كِلاهُما صغيران جِداً فأيّ أهل تركوا أطفالهم على قارعةِ الطريق في جوّ عاصِف كَهذا .. و أثناء تفكيرها بذلك حطّت صاعِقَة بالقربِ من الحيّ في حينِ غرّة ليدوي صَوتها مُزعزعاً جُدران المَنزل لشدّة قوتهِ و هولهِ
ارتعشَ جسدها لِثانية واحدة قبلَ أن تضعَ يدها على صدرِها َ تتنهّد بعبوس مُغلقة عيناها، لَقد مرّت فترة طويلة مُنذ آخر مرّة كانَ بها المُناخ سيئاً لِهذا الحدّ

دِماءٌ مُتجمّدة. Where stories live. Discover now