Chapter 2

3.4K 107 16
                                    

"تحذر الأرصاد الجوية جميع المواطنين من الخروج من منازلهم الليلة إلا للضرورة القصوى والسبب عاصفة جوية شديدة للغاية لم تشهد لها البلاد مثيل"

هكذا صدح صوت مذياع السيارة منافساً لصوت الصرخات التي تصدرها السيدة القابعة في المقعد الخلفي للسيارة من حينٍ لآخر فهي تبدو كما لو أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة و ذلك هو السبب في انطلاق العائلة المكونة من ثلاثة أفراد داخل سيارتهم في طريقهم للمشفي في ذلك الوقت ومع التحذيرات من العاصفة فالأم جالسة في المقعد المجاور للسائق تصرخ من شدة الآلام فهي تعاني من انقباضات عنيفة للغاية في رحمها حيث يقبع جنينها فهي حامل بالشهر الخامس بجوراها زوجها يقود بأقصي سرعة ممكن يكاد يطير بالسيارة و في المقعد الخلفي ابنهم ذو العشرة أعوام الذي انحني ليربط رباط حذائها فيبدوا أنه لم يربطه جيداً في عضون الأجواء العصيبة التي حلت بالمنزل.
لقد كان الضباب منتشراً للغاية لدرجة أنه لو وضعت يدك لربما لن تراها حتي و من ثم و من حيث لا تدري ظهرت سيارة شحن عملاقة حاول الزوج تفاديها قدر الإمكان ولكن بائت محاولته بالفشل فلقد اصطدمت السيارة بالشاحنة وتنقلب كثيراً لتسكن حركة السيارة تماماً وتسكن معها صرخات جميع من بداخلها و تستقر علي الطريق رأساً على عقب متناثر حولها الزجاج و الدماء مسالة علي الأرض صمت هو كل ما يمكن سماعه في ذلك الوقت و من صوت عربات الإسعاف التي اندفع من داخلها المسعفين مخرجين العائلة من داخل السيارة المحطمة ليجدوا نبض الأم و الأب غير موجود و نبض الإبن بطيء للغاية لدرجة أنهم لو لم يكونوا وصلوا في ذلك الوقت لفقدوه هو الآخر من ثم بدأت جلسات إنعاش القلب بسرعة رهيبة و دقة مدروسة للغاية حتي وصلوا إلي المشفي و تم نقل الوالدين إلي ثلاجة الموتى و الصغير إلي غرفة العمليات حيث دبت الحركة بها مباشرة في محاولة لإتقاذه و خروجه سالماً بأقل الخسائر الجسدية الممكنة لأن وبالتأكيد ذلك الجرح الذي ستطبعه تلك الليلة في روح الصبي سيكون من الصعب جداً و لربما من المستحيل مداواته.
أفاق الصغير ليجد نفسه علي سرير مريح نوعاً ما ولكنه ليس سريره ألقي ببصره يميناً و يساراً و هو مستلقى علي السرير يشعر كما لو أن لا يمكنه الحراك و هو كذلك بالفعل فهو يشعر بدوار شديد يجعله غير قادر علي النهوض و مع ذلك حاول النهوض ليجد العالم بأسره يدور من حوله من ثم سقط من جديد في سبات عميق وكان آخر وجه قد رآه هو وجه جده.
فتح عيناه ليجد أن ذلك كان مجرد حلم ليس إلا فلقد مر علي تلك الحادثة أكثر من العشرون عاماً الآن، لكن لما يفكر بالماضي؟ قام بتحريك رقبته إلي اليسار قليلاً ليبصر الفتي الذي أحضره معه ما زال نائماً غلي كنبة مكتبه كما هو ومن ثم أعاد نظره إلي الملف الموضوع أمامه علي المكتب، ذلك لم يكن موجوداً قبل أن يغفو علي كرسيه هو متأكد من ذلك، فتح أول صفحة من الملف ليجد رسالة صغيرة مدونة بها"ذلك ملف الفتي الذي طلبت تجهيزه سيدي" ظل يقلب في صفحات الملف يقرأه جيداً حسناً إذا الفتي يدعي إيان مالك مسلم الديانة مصري الجنسية في التاسعة من عمره سافر من مصر إلي الولايات العام الماضي رفقة والديه لقضاء عطلة عائلية بعيداً عن مشاغل الأب العديدة ومن ثم قتل والداه علي يد سارق تسلل إلى المنزل معتقداً أنه خالياً ومن ثم دخل في عراك مع الأب انتهي برصاصة عن طريق الخطأ في رأسه أمام مرأي ومسمع الأم مما دفع السارق لقتلها هي الأخرة حتي يضمن صمتها و من ثم هرب بعد ما أخذ كل ما له قيمة عالية ولكن ما لم يعلمه السارق أن كاميرات المراقبة سجلت كل ذلك مما أدي إلي محاكمته فيما بعد و في تلك الأثناء كان الإبن مع المربية في الحديقة القريبة من المنزل و عندما حان وقت الرحيل عاد الفتي لمنزله ليبصر والديه متسطحون أرضاً غارقين في دمائهم من ثم ركض بعيداً عن المنزل و بحثت عنه الشرطة لبضعة أسابيع ومن ثم توقف البحث و أغلقت القضية فهو لا يمتلك أي أقرباء أو شخص يهتم لأجله حتي يطلب إعادة البحث في القضية مجدداً. تنهض ومن ثم ابتسم عندما رأي الفتي يتثاءب و من ثم اتجه ناحيته جالساً علي ركبتيه أمامه مراقباً إياه يستفيق ومن ثم حاول النهوض بسرعة كما لو أن حقيقة ما حدث الليلة ضربته فجأة فظل ينظر حوله في كل مكان و الدموع مغرقة عيناه الزرقاء الواسعة الأشبه بالمحيط و ثم وجه بصره إلي ذلك الجالس علي ركبتيه أمامه معطياً إياه نظرة كانت كفيلة بوصف كل ما يشعر به في ذلك الوقت من حزن و آلم و تخبط و قلق، مشاعر لا يجب علي طفل في ذلك السن الصغير وللغاية أن يجربها و لكن هكذا حال الدنيا مملوء بالمفاجئات التي غالباً تكون غير سارة بتاتاً بينما لم يتحمل ذلك الجاثي علي ركبتيه تلك النظرة علي محيا الصغير فالتقفه في أذرعه الكبير ضامماً إياه له أكثر رغم محاولات الصغيرة العديد في التحرر من ذلك العناق التي بائت بالفشل فاستسلم و أخيراً من ثم ألقي برأسه علي كتف الآخر حتي انفجر باكياً يرتجف جسده من الشهقات التي يحاول و بشدة كتمها ولكن يبدو أن جسده يرفض الانصياع لعقله فالآن قلبه منفطر وبحاجة إلي الدفىء و الأمان الذي يستشعرهما من ذلك الغريب هذان الشعوران الذي لم يشعر بهما مند مقتل والديه وها هو ذا سبب آخر ليؤلم قلبه أكثر و قام بلف يداه وقدماه حول عنق و خصر الرجل عندما نهض حاملاً إياه يتمشي به في الغرفة ذهاباً و إياباً في محاولة لتهدئة حدة بكائه قليلاً حتي لا يمرض متمتماً بكل الكلمات المواسية التي يعلمها وظلا علي هذا الحال بضعة دقائق ومن ثم هدأ بكاء الفتي وانتظمت أنفاسه و بطئت ضربات قلبه قليلاً من ثم أبعد رأس الصغير قليلاً حتي يحدث تواصل بصري بينهما من ثم أردف بصوت خافت حاول جعله لطيفاً قدر الإمكان

"ما تخافش انا هنا و مش هسيبك أبداً، علي فكرة انا وانت مصريين زي بعض تعرف ده؟"

هز الصغير رأسه نافياً و لكنه لم ينبث ببنت شفة حتي ولكن من ثم زقزقة عصافير بطنه معلنة احتجاجها علي عدم تناولها الطعام من فترة ليضحك الآخر مما جعل وجنتي الصبي تشتعل خجلاً و دفن وجهه في كتفه ليخفي إحراجه فسأله بلطف

"انت جعان؟"

أومأ في كتفه ولكن ما زال رافضاً الحديث وفي الواقع هو لم يرد الضغط عليه أو إجباره علي الحديث

"انت بتعرف تكتب؟"

أومأ الصغير مرة أخري في كتفه ليهمهم الأخر من ثم يتوجه ناحية مكتبه طالباً الطعام له و للصغير و من ثم أنزله أرضاً و أعطاه ورقة و قلم

"اكتب لي هنا أي حاجة عايزة تقولها أو تسأل عليها تمام؟"

أومأ الفتي فرحاً و من ثم أخذ يكتب علي الورقة

'انت اسمك ايه؟'

"أنا إسمي أدهم ، وانت؟"

'اسمي إيان'

"الله إيان اسم حلو اوي، عندك قد إيه يا إيان؟"

ظل يعد علي أصابعه الصغيرة

'عندي 9'

"ياااه انت كده كبير اوي بقي هاه؟"

أومأ له الصغير مبتسماً ابتسامة تكاد تصل لأذنيه قاطع تلك اللحظات الهادئة طرق علي الباب معلناً وصول رجل التوصيل بالطعام فمد يده داخل محفظته كي يدفع له حتي يتفاجأ بعدم وجودها يمرر يديه جيداً داخل جيب بنطاله هو متأكد أنه وضعها هنا هو لم يسقطها هل يمكن أن يكون سرق؟ لكن هو لم يحتك بأحد سوي... التفت مردفاً

"يا ابن الحرامية بتسرقني ؟!"

لكنه وجد نفسه يتحدث لغرفة فارغة هكذا لقد اختفي ذلك اللص الصغير بعدما سرق محفظة الذئب الكبير

The Wolf Where stories live. Discover now