رمَــادِي 24

8.2K 540 1.2K
                                    

أستـغفِر اللّـه العظِيــم وأتُـوب إلَيــه

🥀

بخطوَاتٍ سرِيعة مُتعثّرَة، خرَج الغُرابِيّ
مِن غُرفةِ عَسلِيّة العَينَين، مصدُومًا مِن الحقِيقة
التِي ألقاهـا علَيه ذاك الدّفتر السّماوِيّ.

كانَ صَوتُ خطوَاتُه يرتدُّ بينَ جدرَانِ
المنزِل الذِي شعَر بأنّهُ أصبَح مُوحِشًا بالنّسبةِ لَه.

الأفكار المُظلِمة والرّسائل القدِيمَة التِي كان يتلقّاها
مِن طَرفِها تزاحمَت فِي عَقلِه مِثل عاصِفةٍ هَوجَاء.

أمّا عَن عَسلِيّةِ العَينَين، فقد كَانت نائمةً علَى سرِيرِها
بِسلاَم وَسطَ أسرَارِها وكِتاباتِها السّريّة التِي تدفّقت
أمَامَه، والتِي كانَ هوَ مُنجذِبًا لَها بِشدّة.

لَم يكُن يعلَمُ أنّ يـوث، الفتَاة المُسترجلَةُ، هيَ نفسُها
إلِيريـون التِي ألهَمتهُ كتابَاتُها، وَإخترَقت كلِماتُها بُرودَةَ
روحِه ونقشَت آثارَها علَى صخُورِ ذاكِرتِه.

شعُور عظِيم مُراوِغ! مزِيجٌ مِن الغُموض، الرّيبـة،
والصّدمَة يتعاقبُ بدَاخِه.

كانَت العلاَمات أمَامُه منذُ البدايَة، لكنّ الغفلَة
غلَبت علَى أمرِه. لقَد سمِع أثناءَ إعادتِه البُندُقيّ للمنزِل
صُراخ أبيهَا الحـادّ، وَسمِعهُ عندمَا نعتهَا بلَيله الأسوَد،
لكن لَم يخطُر علَى بالِه أنّهـا ذاتُ الكِنيـة
التي أطلَقتهَا يـوث علَى نفسِها!

إليريـون تعنِي اللّيل الأسود!

لكِنّه كانَ أهوَج مِن أن ينتبِه لهذا!

بعدَ وقتٍ لاَ بأسَ بِه، وجدَ الغُرابِيّ نفسهُ يمشِي
وحِيدًا في اللّيل السّاكِن، ولأوّلِ مرّةٍ يكُونُ
مُلِمًّا بفهمِه الجدِيد للأُمُور.

النّجُوم تلمَعُ في السّمَاء كمَا لَو أنّها تُذكّرُه
عمدًا بِها. الرّياحُ تمهِسُ أسرَارًا لايُمكِنُه سماعُها
سِوَى بِصَوتِها، كلِماتُها لازالَت تُراوِدُ عقلهُ مِثل
ألحَانٍ لاَ يعرِفُ العَزفَ علَيها.

كِتاباتُها تتزاحَمُ في عقلِه بِسُرعةٍ مُذهِلَة لِدرجةِ أنّهُ لَم يعُد
يستطِيعُ تجاهُل هذِه الحقِيقة المُروّعة والمُعقّدَة!

حقِيقةَ أنّ الفتاةَ التِي لطالَما قرأ رسائِلها بِشغَفٍ
وإستمدّ مِنها الإلهَام تكُون نفسَها الفتاة
التِي إفتعل بها الوَيلات!

لطالَما بحثَ عن صاحِبةِ الرّسائِل رغبةً في مُساعدتِها
على الرّغمِ مِن أنّها لَم تترُك أثرًا بكِتاباتِها
لَه غيرَ كِنيتِها المُستعارَة.

 رمَـادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن