الفصل السابع عشر

15.5K 581 47
                                    

الفصل السابع عشر

يعتريه الغضب! لا؛ بل هي الخيبة، خيبة الأمل التي حطت على قلب تعلق بحلم قديم، وقد شعر انه على وشك الاقتراب من تحقيقه، حتى نسج من خيوط أوهامه بيتًا كبيت العنكبوت، علق بداخله الأماني، وزينه حتى ظن انه الحقيقة، ولكن ومع أول اختبار بسيط لقوته، سقط تمزقه الرياح، حتى طار في الهواء ولم يعد له وجود، لينزل من سماء عالمه الوردي، بصفعة مدوية تلقاها ليفيق على واقعه البائس، مضيفًا عليه جرح بكرامته.

ولكن هو يستحق!
هو من سمح لنفسه أن يندفع خلف رغبته القوية، لم يتريث أو يأخذ فرصة للتفكير في طبيعة الانسانة التي بنى عليها مبتغاه، ونسي انها لا تعرفه من الأساس، هي امرأة متمسكة بأطلال زوجها المحظوظ الراحل، وهو البائس الذي يعيش على ظهر الدنيا، وقد كتبت عليه التعاسة الأبدية،  هذا ما علمه الاَن وتأكد منه.

ارتفعت رأسه فجأة، بعد ان شعر بوجودها، مصدر البؤس، والتي قد تكون السبب الرئيسي في كرهه لصنف النساء، واقفة أمامه بهيئة تدعي براءة هي أبعد الناس عنها، لا والأدهى، هذا الحزن المصطنع الذي يعلو قسماتها الان، وكأنها باتت تشعر كباقي البشر!

- عايزة ايه يا فتنة؟ ايه اللي طلعك من البيت دلوك؟
سألها بجفاء، متحاملًا على غضبه المتعاظم، فاقتربت حتى جلست جواره على الاَريكة اسفل عرش الكرم الممتلئ على آخره بطرح الثمار، لترد بصوت ضعيف تدعي الأسى:
- عايزاك انت يا غازي، الدنيا ليلت وانت جاعد في الطل هنا على كنبتك، لا انت داخل البيت تريح وتاكل لجمة، ولا حتى فاكر في البنات اللي عمالين بيسألوا عنك، طب مش خايف لا يطلعلك ديب من وسط عرايش العنب هنا؟

ضيق عينيه يرمقها بابتسامة ساخرة كاشفة، ليرد بكلمات مقصودة:
- لا متخافيش عليا من أي ديب، انا كفيل بيه، مشكلتي بس مع الحيايا يا فتنة، الحيايا اللي لافة حواليا، لا انا جادر أكسرها، ولا جادر ابعدها عني، متكتف بحبال منعاني عنها، حبال من دمي، لو جطعتها يبجى هجطع من روحي.

وصلها مغزى كلماته، فخرج صوتها بمسكنة ولوم:
- عارفة انك بتلجح عليا، من انا مش غبية عشان مفهمش ان انت تجصد بنتتك بالحبال اللي من دمك،  ربنا يسامحك يا غازي، بتطلعني انا حيا ، بعد ما شوفت وسمعت بنفسك، عديمة الزوج، ناكرة المعروف وهي بتغلط وتجل منك.

- اخرسي يا فتنة.
هتف بها ليطبق على مرفقها معنفًا بغضب:
- لو في حد جل مني ولا غلط صح يبجى انتي، ما هي مش معجول وحدة هتعيب وتغلط فيا من الباب للطاج، ولا يكونش مفكراني غبي ومش فاهم الاعيبك؟

نزعت ذراعها عنه، لتنطلق ببكاء وملظلومية لا تليق بها:
- تاني يا غازي، بتجيب على مرتك اللوم، حتى في دي كمان؟ اعملك ايه عشان تصدجني، كلكم شايفينها ملاك، وانا بس اللي عارفة بطبعها العفش من ايام ما كنا بنتة صغيرين ولسة بنتعلم، كسرت جلب اخويا اللي هو واد عمها، لاجل عيون ولد الدهشوري اللي كان ساكن في العمارة اللي جصاد المدرسة، بشكله الحلو يشاغل البنتة، ويا عالم بجى، اختارها هي من دون البجية ليه؟

ميراث الندم   الجزء الاول والجزء التاني نسائم الروحWhere stories live. Discover now